العدد 1367 - السبت 03 يونيو 2006م الموافق 06 جمادى الأولى 1427هـ

لبنان في مهب برلمان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد ثمانية أشهر من البحث والدرس توصلت «الهيئة الوطنية اللبنانية» إلى وضع مسودة مشروع لقانون الانتخابات النيابية. ويقول رئيس الهيئة الوزير السابق فؤاد بطرس إن مسودة القانون هي خلاصة قراءة ومناقشة مشروعاً رفعته منظمات وجمعيات ومؤسسات إلى الهيئة التي كلفها البرلمان بانجاز التعديلات والاقتراحات المطلوبة.

قبل نشر المشروع تضاربت الآراء بشأنه وتوزعت بين موافق بتحفظ ورافض له. ويتوقع ان يعدل القانون قبل أن تقره الحكومة أو البرلمان بصيغته النهائية. فمثل هذا المشروع الذي تأخر صدوره قرابة سنة شكل نقطة تجاذب بين الاحزاب والفعاليات وأسهم في تعطيل الثقة بين الأطراف والمحاور والتحالفات بسبب الاعتراضات التي كانت تظهر كل أربع سنوات عند البدء بالتصويت لاختيار هيئة نيابية جديدة.

وبسبب تعدد المصالح وتنوع العصبيات وتضاربها وتوزعها مذهبياً وطائفياً على المناطق، تشكلت عند «الاقليات» اللبنانية مشاعر الغبن والظلم والتمييز والتهميش حتى لو تمتعت كتلها بالأكثرية. فالكل متساو في الشكوى والتظلم. والكل يرى ان تقسيم الدوائر غير عادل ولا يناسب حجمه أو دوره. لذلك يتوقع وبسبب كثرة الاعتراضات ان يأخذ مشروع القانون وقته الطويل ليخرج بصيغته النهائية.

الهيئة التي اشرفت على صوغ المسودة الأولى أدركت هذا التعقيد فلجأت إلى نوع من التركيب لإرضاء الفريق الذي يطالب بالنسبية أو الفريق الذي يطالب بالأكثرية. واضافت إلى الدمج بين النسبي والاكثري صيغة أخرى تدمج بدورها بين القضاء (الدائرة الصغرى) والمحافظة (الدائرة الكبرى). ثم قسمت مقاعد البرلمان وهي إلى نوعين من النواب فئة أولى وعددها نائباً تنتخب على أساس القضاء (النظام الاكثري)، وفئة ثانية وعددها نائباً تنتخب على أساس المحافظة (النظام النسبي). واقترح المشروع أيضاً إعادة تقسيم لبنان إلى محافظات (تشطير جبل لبنان إلى محافظتين) وتوزيع محافظة بيروت إلى ثلاث دوائر. وأضاف المشروع إلى هذا التنويع نظام «الكوتا» حين اقترح تخصيص في المئة من المقاعد للنساء، وخفض سن الاقتراع إلى ، والسماح للمغتربين في بلاد العالم التصويت في مكاتب السفارات اللبنانية المنتشرة في العواصم والمدن.

المشروع طويل ويشمل مادة موزعة على تسعة فصول. والمشكلة ليست في طول المشروع ولا عرضه وانما في تلك التعقيدات التي يبدو ان الهيئة اضطرت إليها لمسايرة كل وجهات النظر... وهي وجهات امتدت على مدى مشروعاً. فالمسودة جاءت تعكس فعلاً واقع لبنان المركب والمعقد. والصورة التي حاول مشروع القانون تركيبها هي في النهاية مرآة بلد يتكون من مجموعات تتناثر في مناطق البلد وزواياه الجغرافية وتعقيداته الطائفية والمذهبية التي ما تكاد تتوافق على مسألة حتى تتخالف على مسألة أخرى.

لذلك سيتعرض مشروع القانون إلى هجمات مختلفة من أطراف وجهات ليست بالضرورة أن تكون متوافقة على حل مشترك ولكنها بالضرورة قد تكون مشتركة على حق الاعتراض. الاحزاب العلمانية مثلاً تطالب بالدائرة الواحدة والنظام النسبي. وهي تظن انها تملك الرفاق والانصار في كل لبنان وفي معظم طوائفه ولذلك فإن النظام الاكثري على الدائرة الصغيرة (القضاء) أو المتوسطة (المحافظة) يشتت أصواتها ويمنع مترشحيها من الوصول إلى البرلمان. الاحزاب العلمانية (القومية واليسارية) سترفض القانون لانها تريد مشروع نظام يضمن لها الحد الأدنى من التمثيل.

الاحزاب القوية طائفياً ومذهبياً ومناطقياً تميل إلى النظام الاكثري والدائرة الصغيرة أو المتوسطة لأن هذا النوع من التوزيع يضمن لها الغلبة في المحيط السياسي الذي تتحرك في مناخاته وثقافاته المتجانسة مع اطروحاتها الايديولوجية. ولا تمانع هذه الاحزاب التي تتمتع بثقل خاص في مناطقها ان يوسع قطر الدائرة أو يضيق لأنها تملك ثقة الناس بغض النظر عن آلية التمثيل سواء كانت نسبية أو بالأكثرية. قوة هذه الاحزاب ثابتة ولا تتأثر إلا بحدود نسبية وضئيلة جداً بهذا القانون أو ذاك. فهي تضمن النجاح سواء جرى التصويت على أساس القضاء أو المحافظة أو بالأكثرية أو النسبية. والسبب ان قوتها تكمن في اتصالها بجماهيرها وليست مستمدة أصلاً من النظام أو القانون أو الدولة.

المشكلة إذاً ستبقى على حالها ولن تتغير. وصورة البرلمان الحالي لن تتعدل إلا بحدود بسيطة في البرلمان المقبل. وحتى لو تم تعديل القانون وتبني الدائرة الواحدة (كل لبنان) والنظام النسبي فإن التصويت لن يتغير لأن الاختيارات السياسية في لبنان ليست بين حزب علماني وآخر أو بين مجموعة يسارية وأخرى. فالانقسام في لبنان اعقد بكثير من تلك الاوهام الايديولوجية التي تنسجها بعض المنظمات السياسية.

هذا البلد الصغير يحوي كميات هائلة من «الرؤوس الحامية». وحين تكثر في بلد حجمه الجغرافي متواضع المساحة عصبيات لامتناهية وشبكات من الطوائف الممتدة إقليميا وزعاماته موزعة على مناطق ومذاهب يصبح الاستقطاب الموروث هو القوة القادرة على احباط كل مشروع قانون يحاول ضبط التمثيل النيابي. فالبرلمان الحديث لا يمكن أن ينهض في بلد غير مستقر وتعصف به الانقسامات المذهبية والطائفية والزعامات التقليدية المتوارثة أباً عن جد تتمركز في مناطق تتمايز بخصوصيات معينة.

هذا النوع من «الدول» نادر الوجود في تكوينه السكاني وتركيبه الاجتماعي وتعدد ثقافاته. وهذا التنوع النادر يفوق النسبة المطلوبة سياسياً لتركيز فكرة الدولة وإعادة تأسيسها على قاعدة التوازن النيابي العادل. فالتوازن يتطلب الحد الأدنى من التجانس والاستقرار. فالتجانس غير موجود كذلك الاستقرار غير متوافر في دولة تقع في منطقة مضطربة وتتعرض دائماً لرياح التغيير والعواصف الدولية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1367 - السبت 03 يونيو 2006م الموافق 06 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً