تقع الكويت على قمة الخليج شمالا، وتتداخل حدودها مع العراق والمملكة العربية السعودية. وظهرت الكويت - تصغيرا لكوت ويعني الحصن - كأمارة على مسرح الحوادث السياسية منذ النصف الأول للقرن الثامن عشر الميلادي، حين نزلت فيها أسرة آل الصباح قادمة من نجد في إطار هجرة العتوب، وتولى شيخها صباح بن جابر إمارة الكويت العام ، وفقا لما ورد في رسالة الشيخ مبارك (الكويت أرض قفر نزلها جدنا صباح) ومنذ ذلك الحين بدأت تشق طريقها نحو الاستقرار والتطور.
تعتبر الكويت أول دولة خليجية انتهجت الديمقراطية في نظامها السياسي، إذ بدأت مع مطلع القرن العشرين على شكل مجلس استشاري معين من اثنى عضو العام ، ولم يستمر هذا المجلس سوى شهرين. ولم ينتظر الكويتيون بعده طويلا إذ ظهرت من ديوانيات عبدالله الصقر ومحمد ثنيان الغانم وسليمان العدساني ما عرف بالكتلة الوطنية، قدمت في العام مرئياتها إلى الشيخ أحمد جابر بشأن المشاركة في الحكم. ولم يكن أمام الشيخ أحمد الجابر إلا الرضوخ لمطالبها، خصوصا بعد أن نجح قادتها في استقطاب الشيخ عبدالله السالم الذي كان على صراع مع ابن عمه أحمد الجابر على السلطة، فصدر تشريع بتأسيس مجلس نيابي بانتخاب محدود استبعد فيه الشيعة بحجة ان أصولهم غير عربية، وتشكل المجلس من عشرين عضو تزعمه عبدالله السالم، لكن سرعان مما تم حله بمرسوم أميري فوقع الصدام السياسي في مارس/ آذار ، والذي أعقبه بطش السلطة بدعاة الإصلاح ورجالات الحركة الوطنية الذين لجأوا إلى العراق ومصر. ومع استقلال الكويت العام ، أصدر حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح قانون رقم لسنة لتنظيم الحياة السياسية، وعلى أثره وجهه خطابه إلى الأمة الكويتية (نحن أمير دولة الكويت رغبة في استكمال أسباب الحكم الديمقراطي لوطننا العزيز... وبناء على ما قرره المجلس التأسيسي، صدقنا على هذا الدستور وأصدرناه)، وعلى أساسه بدأت الحياة النيابية في الكويت من العام حتى العام بفصول تشريعية عشرة، تعرضت أربعة منها للحل، أولها كان مع في الفصل التشريعي الرابع والذي جرت انتخاباته في يناير وكان برئاسة خالد صالح الغنيم. ففي أغسطس أصدر الشيخ صباح السالم الصباح الحاكم الثاني عشر للكويت أمرا أميريا بحل المجلس بعد أن تأزم الموقف بين الحكومة ومجلس الأمة، كما أوقف العمل بأحكام المواد فقرة و و و من الدستور. وتوقفت بذلك الحياة البرلمانية في الكويت قرابة أربع سنوات. والحل الثاني شهده مجلس الأمة في فصله التشريعي السادس والذي جرت انتخاباته في فبراير/ شباط وكان برئاسة أحمد عبد العزيز السعدون. ففي الثالث من يوليو/ تموز حل الشيخ جابر الأحمد البرلمان بسبب ظروف حرب الخليج، وعلى اثر الحل تعطلت مواد متعلقة بالحقوق والحريات الواردة في الدستور، كما تم فرض الرقابة على النشاط الإعلامي والصحف. وجاء الحل الثالث لمجلس الأمة في فصله التشريعي الثامن في الرابع من مايو حين اصدر الشيخ جابر الأحمد الصباح مرسوما بحله نتيجة لطلب المجلس استجواب وزير العدل ووزير الأوقاف والشئون الإسلامية احمد الكليب، اما الحل الرابع كان من نصيب الفصل التشريعي الحالي وهو العاشر في تاريخ الحياة البرلمانية في الكويت فقد جرت انتخاباته في الخامس من يوليو برئاسة جاسم محمد الخرافي وبرجع حله إلى أزمة تقسيم الدوائر.
أخذت الدوائر مسارها في الكويت على مرحلتين: الأولى (- ): فبعد الاستقلال قسمت البلاد إلى عشر دوائر انتخابية ذات سمات خاصة هي: الشرق، القبلة، الشويخ، الشامية، كيفان، القادسية، الدسمة، حولي، السالمية، الأحمدي. أما المرحلة الثانية ( - ): قامت الحكومة مستغلة غياب مجلس الأمة بتغيير تقسيمة الدوائر من العشر إلى الخمس والعشرين، التي ساعدت على تفشي ظاهرة شراء الأصوات، وبروز النعرات الطائفية والقبلية، ولهذا طالب الشارع الكويتي الحكومة بضرورة تقليص الدوائر الانتخابية. وعلى اثر ذلك شهدت قاعة عبد الله السالم بمجلس الأمة صراع فريد من نوعه سانده الشارع مرتديا اللون البرتقالي- إقتداء بثورة أوكرانيا وجماعة ميشال عون في لبنان- رافعا شعار (خمسة نبيهه) استنادا إلى خمس دوائر.
الخمس الدوائر سينصف المناطق الداخلية والتي يكثر فيها الحضر وأصحاب التيارات، بينما يحصر المناطق الخارجية ذات الطابع القبلي في إطار ضيق إذ تحصل الدائرة الرابعة «محافظتي الجهراء والفروانية» والدائرة الخامسة «محافظتي صباح السالم والأحمدي» على عشرين نائباً ويبلغ تعداداهما ما يقارب المئة والثمانين ألفاً، مقابل ثلاث دوائر مجتمعية للحصول على ثلاثين نائباً يبلغ تعداد الناخبين فيهما ما يقارب مئة وستين ألفاً فقط. يبدو ان الحكومة لا يرتضيها تقليص بعض الدوائر المحسوبة عليها، خصوصا ان الحكومة وعلى رأسها الأسرة الحاكمة كانت لها اليد الطولي على طول سنين الانتخابات. ففي السبعينات جاءت الطفرة النفطية وما رافقها من ترف اقتصادي في مصلحة الحكومة إذ وصل إلى المجلس برلمان طيع لم يزعجها على الرغم من بقاء أحمد الخطيب وبعض النواب القوميين الذين أثاروا قضية التعامل مع شركات النفط. هذا الأمر المرتبط بتوزيع الثروة النفطية عجل بوقف الحياة النيابية لمدة أربع سنوات من - ، وفي مطلع الثمانينيات قامت الحكومة بتغير الدوائر من العشر الى الخمسة والعشرون، إذ استطاعت ان تجد لها حليف أخر متمثل في الإسلاميون السنة اذ ان الرأي السائد آنذاك إنهم مأمونون الجانب أكثر من الليبراليين المشاغبين، فهم لا يشكلون كتلة سياسية تحاول تداول السلطة فأقصى ما تريد تطبيق الشريعة الإسلامية بالقدر الذي يوافق الحكومة، والأخيرة ارتأت رضاهم بإصدار قرارا يمنع الاختلاط في الجامعة، وآخر يشد من التضييق على الحفلات الغنائية، لكن هذا الحليف بدأ يناطح الحكومة ويصبح أكثر خطرا من ذي قبل، اذ بدأ بتقديم عرائض الاستجواب للوزراء، كان أخرها لوزير الإعلام الأسبق أبوالحسن الذي أثر الاستقالة قبل استجوابه. حاولت الحكومة في أخر الانتخابات اللجوء الى العشائر، لكن ذلك التوجه لم يفل نجم للإسلاميين بقدر ما أطاح بالتيار الليبرالي الذي مني بخسائر فادحة بسقوط قياداته والمتمثلة في عبدالله النيباري في الدائرة الثانية (الضاحية) وعبدالمحسن المدعج في الدائرة الثانية عشرة (السالمية)، في المقابل شهدت بعض الدوائر تحالف قبلي ففي الفروانية تحالف الرشايده، وفي الجليب تحالف المطير، بينما سيطر تحالف العوازم على أم الهيمان والفيحاء والسالمية.
في الانتخابات المقبلة التي ستجري بعد قرابة الشهر على ماذا ستعول الحكومة هل على القبائل أم الإسلاميون؟ أم التجار؟ أم على النساء كورقة جديدة لا يتفاءل بها المراقبون، لكن في المقابلة الحكومة الكويتية تمتلك من الشطارة ما يجعلها تطرح مفاجأة جديدة على الساحة السياسية لتقول لمن أراد الخمس (لا طبنا ولا غدا الشر) أو بمعنى أصح ( تيتي تيتي مثل مارحت مثل جيتي)
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1367 - السبت 03 يونيو 2006م الموافق 06 جمادى الأولى 1427هـ