لبثت في تونس أربع سنوات خلال عملي الدبلوماسي، وهنا لن أخوض في الموضوعات السياسية الساخنة على الساحة التونسية، وهي كثيرة ومتعددة، وإن كانت قناة «الجزيرة» الفضائية التي تغطي الشئون السياسية في هذا البلد الشقيق وفي معظم البلدان العربية تطرقت كما أذكر في العام إلى الانتخابات التونسية، وأن الرئيس زين العابدين بن علي حصل على نسبة كبيرة من أصوات الناخبين، وهذا أمر طبيعي وعادي في معظم بلدان العالم العربي، إلا أن «الجزيرة» تضخم هذا الأمر وتجعل منه موضوعاً ساخناً. ورداً على ذلك الانتقاد المبطن والمعلن ابتدعت قناة فضائية تونسية برنامجاً فكاهياً ساخراً على شاكلة برنامج «الاتجاه المعاكس» لقناة «الجزيرة» وأسمته الاتجاه المشاكس. وأذكر أيضاً أن صحيفتي «الحياة» و«الشرق الوسط» تأتي متأخرة بعض الوقت إلى تونس إلا أنني أحصل على بغيتي منهما عبر شبكة الإنترنت. كما أن أهم الصحف التونسية هي «الشروق» و«الصباح» و«الحرية»، وقد ربطتني علاقات صداقة طيبة مع الكثير من الصحافيين التونسيين. وهنا سأتحدث عن مدينة طبرقة الساحلية الجميلة، الواقعة شمال تونس، والتي أسسها الفينيقيون قبل عام. زرت هذه المدينة أكثر من مرة، وإحدى هذه المرات كانت من ترتيب وزارة الخارجية التونسية، إذ نظمت زيارة كريمة لهذه المدينة الساحرة ذات المناظر الخلابة. وقد اشتهرت بمهرجاناتها الموسيقية العالمية ولاسيما موسيقى الجاز وأنماط أخرى من الموسيقى. وخلال هذه الزيارة العام مخر بنا عباب البحر قارب ضم الكثير من الدبلوماسيين في جولة بحرية رائعة، إذ تمارس هوايات الغوص وسباق الألواح الشراعية.
وتشتهر مياه هذه المنطقة بكنوزها البحرية، إذ يضم ساحلها أكبر احتياطي من المرجان الأحمر، وهو من الثروات البحرية المنتشرة في هذه المياه، إذ تقبع الأحجار الكريمة وتصنع منها القلائد والأساور والسبح. وقريباً من الفندق الذي سكنا فيه توجد محلات كثيرة تعرض فيها نماذج من المرجان على هيئة قلائد وحلي للنساء. وزرنا معلماً سياحياً مشهوراً هو الحصن الجوي، وهو قلعة تقع على ربوة مرتفعة داخل مياه البحر، تقوم بمثابة حارس للمدينة. واستمتعنا ونحن فوق القلعة بمشاهدة بيوت طبرقة المزدانة بسقوفها القرميدية الجميلة ذات السطوح المتدرجة لحمايتها من ثلوج فصل الشتاء. كما شاهدنا الغابات الكثيفة خلف المدينة، وكثير من فنادقها مقامة على هذه الجبال أو التلال المرتفعة. وقبل غروب الشمس أخذونا في جولة لمحنا خلالها كثيراً من السياح الأوروبيين يتمتعون بممارسة لعبة الغولف، وأذكر أننا تناولنا غداء شهياً في خيام أقيمت في الهواء الطلق. بعدها قمنا بجولة ممتعة في منطقة عين دراهم وتفقدنا أسواقها الحافلة بالتحف والعاديات والعصي ذات المقابض العاجية واشترينا بعض المشغولات المصنوعة من المرجان الأحمر. وفي عصر هذا اليوم توجهنا إلى منطقة الغابات الوارفة الظلال. ونحن نصعد إلى أعلى تلال هذه الغابة شاهدنا عدة خنازير مقتولة ملقية على جوانب الطرق داخل الغابة، وقابلنا أفرادا من الحرس الوطني ببنادقهم سريعة الطلقات. ولبثنا أكثر من ساعتين نتابع صيد هذه الخنازير التي تعيش في الغابة، وقال لنا أحد ضباط الحرس الوطني المنوط بهم حراسة هذه الغابات إن هناك فرقا جاهزة لإطفاء أية حرائق قد تشتعل فيها، وخصوصاً في فصل الصيف الحار.
أحد الأوروبيين اخبرنا أنهم يأتون إلى هذه الغابات في مواسم الشتاء لقنص الطرائد والفرائس من الأرانب ومن الخنازير بصورة خاصة. وكانت فرصة ذهبية سانحة لكثير من السفراء والدبلوماسيين الأوروبيين معنا في هذه الرحلة ليأخذوا هذه الخنازير غنائم، فالإخوة التونسيون يميلون للتخلص منها لأن أكلها محرم دينيا، كما تمثل خطراً على سكان المنطقة.
واختتمنا رحلتنا السياحية الجميلة بزيارة معابد شمتو اليونانية، وتفقدنا مسرحها، ولاحظت أن هناك ترميماً واسعاً للمنشآت الأثرية في هذه المعابد التاريخية، ما يدل على اهتمام الدولة الكبير بهذه المعالم الأثرية المهمة. وقال دليلنا السياحي إن هذه المنطقة كانت تزود روما بالرخام الفاخر من مناجمها لبناء منشآتها ومعالمها التاريخية، وكذلك تصدر إليها المرجان الأحمر الجميل. وبقي أن أزجي الشكر والتقدير لوزير الثقافة عبدالباقي الهرماسي لوجوده معنا في الكثير من الرحلات التي رتبتها لنا وزارة الخارجية التونسية
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1367 - السبت 03 يونيو 2006م الموافق 06 جمادى الأولى 1427هـ