بلي المجتمع البحريني في السنوات القليلة الماضية وفي هذه السنة بالذات بتزايد نبرة الطرح الطائفي في صحافتنا المحلية بشكل بات يهدد وحدة المجتمع وكيانه ما لم يتدارك عقلاء القوم هذا الموقف الخطير والمدمر. ولم يأت هذا الطرح من فراغ، وإنما بات يغذى من قبل أفراد وجماعات انعكست رؤاها وأهدافها على صدر صحافتنا المحلية في هذه الأيام بشكل غير مقبول تماماً. يذكر أن هذه الظاهرة السيئة والممقوتة أخذت تنتشر وللأسف الشديد بين طلبتنا الأعزاء، وبدت واضحة في الانتخابات الطلابية الأخيرة في جامعة البحرين. وكان الأخرى أن يتحد طلاب وطالبات الجامعة باعتبارهم يمثلون الجيل الصاعد المتنور، ويتقدمون ببرامج تدافع عن هم الطالب ومشكلاته الدراسية، والتفكير في بناء مستقبله وسط التحديات التي يواجهها توظيفهم مستقبلاً.
ان اللوم يقع على الجمعيات التي تدفع بهم إلى هذا المنعطف الخطير ما يؤدي إلى إذكاء روح البغضاء والتنافر بين أبناء المجتمع البحريني.
إن المشهد الذي نراه هو في غاية الخطورة، وما زاد من خطورته أن بعض كتاب صحافتنا في هذه الأيام يصب الزيت على النار بدلاً من أن ينادي بوحدة الصف وتطهير النفوس من درن الطائفية. وكنا نتطلع إلى أعضاء مجلس النواب باعتبارهم يمثلون شعب البحرين ليضربوا المثل الرائع في الوحدة والتلاحم، وأن يحاربوا الطائفية، وإذا بنا نرى غير ما كنا نتوقع. لقد شاهدنا نزاعات وشتائم وكلمات لا تليق بأن ينطق بها الرجل العامي غير المتعلم، إلا أنها أصبحت مستساغة لهم.
إن إجراء مقارنة بين ما كان يكتب عبر صحافتنا في خمسينات القرن الماضي وما يكتب في صحافتنا هذه الأيام تجاه محاربة الطائفية والمطالبة بالإصلاح، يبين مدى تقدم صحافتنا في الخمسينات ومدى نضجها في التعامل مع تلك المشكلات على رغم صدورها والبلاد كانت تحت وطأة الاستعمار البريطاني.
لقد نبذ أبناء المجتمع البحريني حينذاك ظاهرة الطائفية، وحاربها عقلاء القوم ورجال الدين والشعراء والأدباء، ورجال الفكر والسياسة، ولعبت صحافتنا الوطنية دوراً مميزاً وفاعلاً في محاربة الطائفية عندما تطل برأسها. وتميزت صحافة الخمسينات بخلوها تماماً من المقالات التي تثير النعرات الطائفية. كما أن المقالات التي تنبذ الطائفية قليلة جداً، لأن المجتمع يمقت كلمة «الطائفية» ولا يريد رؤيتها مطلقاً، وان وجدت مقال فهدفه نبذ الطائفية بكل أشكالها والدعوة إلى الوحدة الوطنية، كمقال حسن جواد الجشي الذي نشر في العدد الثاني من مجلة «صوت البحرين» الصادر في ذي الحجة هـ/ م بعنوان: «الطائفية علتنا الكبرى» وجاء في آخر المقال: «لقد تحدثت إلى كثير من شباب السنة والشيعة، ناصحاً بالاقلاع عن هذه النزعات الطائفية الهدامة، فوجدت كل فريق يحاول أن يضع اللوم على الفريق الآخر. وكلمتي الأخيرة إلى هؤلاء: ليبدأ كل منكم بتطهير نفسه من رجس هذه النزعات وليكن مثلاً حياً على حب التعاون والإخاء في أعماله وأقواله وسيجد أن سرعان ما يجمع حوله كثيراً من الرفاق المعجبين بإخلاصه وصفاء قلبه. وهكذا تتسع دائرة التعاون ويسود الوفاق».
ونظم مبارك الخاطر قصيدة بعنوان: «في الطائفية» نشرتها صحيفة «القافلة» في عددها التاسع الصادر في ابريل/ نيسان م نبذ فيها الطائفية ودعا إلى الوحدة قائلاً:
ها هي الفرقة سادت واستقرت بين شعبي
ها هموا قد عشقوها وتبنوها وربي...!
فمتى أبصر منهم نبذها المنعش قلبي
فأرى السني يدعو وأرى الشيعي يلبي
في إخاء يتسامى عن ألاعيب الأوروبي
وخلاصة القول إن الأمور لن تسير على ما يرام، وان الوضع خطير متأزم ويحتاج إلى التدخل لوأد هذه الفتنة قبل أن يستفحل خطرها كما تم وأدها حين برزت في العام م، إذ استدرك عقلاء القوم آنذاك أهمية القضاء على تلك الفتنة، وعقد على الفور اجتماع في منزل السيدعبدالله الزين بفريق كانو بالمنامة حضره معظم أعضاء الهيئة التنفيذية العليا التي تشكلت فيما بعد، وتم تدارك الأمر فقضي على الفتنة في مهدها، وانطلقت الصحافة حينذاك تطالب بالوحدة ونبذ الطائفية.
فأين موقف عقلاء قومنا في هذه الأيام؟ وأين موقف صحافتنا الحالية من هذه الظاهرة الخطيرة؟ أما آن لنا أن نقتدي بصحافة خمسينات القرن العشرين
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ