العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ

غرب وشرق... عالم ينهار - عالم ينهض

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

عندما هاجمت الولايات المتحدة الأميركية أفغانستان واجتاحتها قبل أكثر من أربع سنوات على خلفية الانتقام لواقعة سبتمبر/ أيلول وتدمير «القاعدة» المتهمة بالتخطيط لها والقضاء على حكومة طالبان الداعمة والحاضنة لها قرأ البعض من العارفين ببعض خفايا الاستراتيجية الأميركية العالمية الشاملة ذلك الحدث في يومها على أنه أبعد من مجرد انتقام لمعركة مهما بدت يومها «مشروعة» ومبررة! ووضعوها في إطار الحرب الأهلية التي كانت تخوضها الولايات المتحدة ضد أقطاب الشرق المتنامية قوتهم أو التي يعد لاحيائها بعد فترة ضعف وهوان.

وقتها كتبت ملخصاً الخطوة الأميركية بأنها انزال أميركي خلف خطوط الصين وروسيا والهند وإيران في إطار معركة السيطرة على الثروات والموارد الفنية لبحر قزوين والاستعداد لمنع اكتمال قوة المارد الصيني الناهض، وتشديد الحصار المضروب على روسيا لمنعها من استعادة دورها كقوة عظمى دولية فاعلة واحتواء كل من الهند وإيران كقوتين إقليميتين فاعلتين في المعادلة الدولية.

اليوم وبعد كل ما جرى ويجري في نهر تلك الحوادث ولدى مطالعة الوقائع المتسارعة التي تجري في الحديقة الخلفية لكل تلك القوى الدولية والإقليمية المشار إليها نستطيع التسجيل أن ثمة بوادر فشل أميركي شبه محتوم في تلك الاستراتيجية.

لا بل ان التطورات السياسية والتحولات في المواقف الاستراتيجية لتلك الدول الأربع تكاد تجعل من هذه الدول مجتمعة في «شبه حلف» ولو غير معلن ضد واشنطن.

انها اليوم أركان منظمة شانغهاي للتعاون الآسيوي التي تستعد لاجتماعات قمة فريدة من نوعها سيكون في جدول أعمالها الرئيسي من جملة ما سيكون هو كيفية استيعاب هذا الفشل الاستراتيجي لواشنطن لمصلحة قيام تجمع عالمي بديل للتجمع الدولي التقليدي الذي باتت تسيطر عليه العاصمة الأميركية تحت عنوان: «مجلس الأمن الدولي»!

وإذا ما اضفنا التعثر الأميركي المتنامي في العراق الذي بدأ يلامس نقطة الفشل يمكننا أن نقول ولو مع بعض التحفظ ان ثمة «انقلاباً ما» يلوح في افق العلاقات الدولية قد يكون بعض نتائجه فقدان تلك «الهالة» العالمية التي ظلت تتمتع بها الولايات المتحدة تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي باعتبارهما من افرازات المنتصرين في الحرب العالمية الثانية لصالح «مظلات» دولية متعددة في طريقها إلى الظهور ليست «شانغهاي» الا مقدمة أولية لها، وقد تكون أميركا اللاتينية الحبلى هي الأخرى بالتحولات الاستراتيجية، المحطة الثانية التي ستعلن منها شهادة وفاة القوة الامبراطورية الأميركية!

إن مراوحة الاتحاد الأوروبي مكانه في مواجهة الملف النووي الإيراني و«كسله» وتردده وفقدانه لأية حيوية فاعلة في هذا المجال وظهوره بمظهر التابع إلى ما تمليه عليه الولايات المتحدة قد يكون هو الآخر من مظاهر العجز الأميركي أكثر مما يكون من مظاهر العجز الأوروبي وحده!

وإذا ما انضمت الإدارة الأميركية - سواء كانت مختارة أو مجبرة - إلى حوار الأوروبيين مع طهران كما يظهر من المؤشرات والدلائل المتاحة فإن ذلك سيؤكد هذا المعنى.

إن شبه الاجماع المتنامي في أفغانستان على عجز الحاملين للمشروع الأميركي هناك عن توفير الأمن والاستقرار اللازمين، وكذلك الأمر في ساحة الملف العراقي يدفع عملياً باتجاه ذلك «الانقلاب» المتوقع في موازين القوى العالمية بما يجعله «خريطة طريق» الخلاص من الوضع العالمي المضطرب والمحاصر بين فكي كماشة بن لادن - بوش!

وقد يكون ما يحصل في أفغانستان والعراق من مخاضات بمثابة الولادة القيصرية المفروضة الممهدة لظهور «القوة الثالثة» العالمية التي أعلنت مبكراً مواقفها ولو بشكل منفرد أن نظرية «كل من هو ليس معنا فهو ضدنا» انما هي نظرية خاطئة ومآلها الفشل لامحالة!

إن عالم العنف والاستئصال والنفي في التعامل مع الآخر يقترب من نهاياته على رغم كونه اليوم يعتلي القمم ويعانق أوج الصعود!

إن ظهور مقاومة وطنية أفغانية للمشروع الأميركي - الاطلسي هناك ولو بدا كأنه صنو للطالبان هو من نتائج تلك السياسة الأميركية الاحادية والانانية القاتلة. كذلك الأمر في الحال العراقية فإنه وعلى رغم كل مظاهر العنف الكريهة وكل مظاهر الفلتان الأمني والاضطراب من جهة، وكل مظاهر التحولات السياسية التي تراهن عليها الإدارة الأميركية من جهة أخرى كمظهر من مظاهر نجاحها في العراق فان جوف المجتمع العراقي يحمل في جعبته وفي احشائه مشروع ممانعة وطنية عريضاً يضم جميع اطياف الشعب العراقي المستباح يبدو أنه يستعد للتبلور والظهور في الأفق المتطور بما يؤمل بنهاية تراجيدية لمشروع الاقتتال والعنف الأعمى والاستئصال والاستئصال المضاد لصالح ممانعة عراقية ومقاومة وطنية شاملة تبني العراق على أسس ومبادئ جديدة.

يبقى على النخب المترددة أوالمنبهرة تجاه ما يجري أن تستوعب هذا الدرس الاستراتيجي قبل فوات الأوان وتنضم مبكراً إلى هوية أمتها التاريخية.

فاللحظة الراهنة هي لحظة مخاض تحاول فيها شعوب المنطقة المضطهدة من استقطاب العنف الاستعماري والعنف الإرهابي، ان تخرج إلى عالم مقاوم وممانع يرفض الهيمنة والتبعية كما يرفض التخلف والاستبداد والظلامية محاولاً الاقتراب من لحظة تطابق المطالبات التاريخية للناس وهي الحرية والاستقلال والتقدم مع الهوية التاريخية لهذه الأمة وهي الهوية الدينية العقلانية والمعتدلة. انها لحظة الأمل المشوبة بالرعب إذ نشهد عالماً ينهار وعالما ينهض فيما يشبه التسونامي المتعدد المستويات

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً