العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ

وزارة التنمية والصناديق الخيرية... البحث عن خيار ثالث أفضل

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم أكن أتخيّل مقدار ما أثارته رسالة وزارة التنمية الاجتماعية من ردة فعلٍ عنيفةٍ لدى الصناديق الخيرية حتى حضرت اجتماع هذه الصناديق مساء الأربعاء. وقد حرصت على حضور الاجتماع الذي دعت إليه اللجنة التحضيرية لاتحاد الصناديق الخيرية بنادي سار، لأرى وأسمع.

عند وصولي كانت السيارات مزدحمة أمام مدخل النادي، وفي القاعة جلس مندوبو صندوقاً خيرياً، أغلبهم من الكهول، لحاهم بيضاء، وقلوبهم مثلها، إذ يحملون هموم فقراء هذا الوطن. جاءوا من مختلف مناطق البحرين لمناقشة «تعميم» وزارة التنمية الاجتماعية الذي حصر حل «الثغرة القانونية» التي اكتشفوها حديثاً، في خيارين: التحوّل إلى جمعية أو توسيع قاعدة المؤسسين، وإلاّ... «فإنها تعتذر عن المصادقة على اعتماد توقيع الأعضاء من خارج المؤسسين على حسابات الصندوق»، مع اعتبار مجالس الإدارات المنتخبة غير شرعية! وهو كلامٌ مفاجيءٌ وغير مفهوم وغير مبرّر، وقع كالصاعقة على رؤوس الجميع، خصوصاً أنه يضرب في صميم العمل المؤسسي الناجح والمشرّف في هذا البلد العزيز.

هذه اللهجة سبق أن انتقدتُها بشدة في مقالات سابقة، باعتبارها تحمل كمية كبيرة من الاستفزاز وتنم عن طريقة تعاملٍ غير لائقٍ مع مؤسساتِ مجتمعٍ مدني تدعم أهداف الوزارة المعنية نفسها. وكنت يوم الثلثاء الماضي ضمن وفدٍ من ثلاثة أعضاء من صندوق منطقتنا الخيري، في زيارة لمديرة إدارة المجتمعات، التي استقبلتنا في مكتبها وفتحت لنا صدرها، وأعدت على مسامعها الانتقاد نفسه، فاعتذرت عن ذلك - والحق يقال - موضحةً انه لم يكن مقصوداً على الإطلاق.


هواجس وشكوك

مساء الأربعاء، اكتشفت مقدار الغضب الذي خلفه التعميم المذكور، إلى درجة أن بعض ممثلي الصناديق طالبوا بمقاطعة اجتماع يوم الاثنين المقبل، في مقابل رأي آخر دعا إلى طلب تأجيل اللقاء، بينما تغلّب رأي الغالبية بالحضور والاستماع لما ستطرحه الوزيرة، ومراجعة مجالس الأمناء الشرعية المنتخبة، واستشارة القانونيين قبل اتخاذ قرار مصيري من هذا الحجم.

الاجتماع كشف لي شخصياً عن وجود خللٍ كبيرٍ في العلاقة بين المؤسسات الأهلية والرسمية، وما يسودها من عدم ثقة. يؤسفني ويحزنني قول ذلك، ولكنها حقيقةٌ يجب البوح بها ليعرف كل صاحب قرار ما تسببه القرارات المتسرّعة وغير المدروسة على المجتمع ومؤسساته من آثار، خصوصاً عندما تتم من دون مشاورةٍ أو رجوعٍ إلى أصحاب الشأن. أحد المندوبين قالها بالحرف الواحد: «إن الوزيرة منذ لقائها الأول بنا كان لديها نوع من الريبة والشك، وهاجمت الصناديق الخيرية بشدة من دون سبب ولا مبرّر».

هناك هواجسُ كبيرةٌ لدى الصناديق الخيرية تجاه سياسات الوزارة، وهي هواجس تتزايد مع الأيام، وربما كان التعميم الأخير القشّة التي قصمت ظهر البعير. مندوب آخر قال: «إن هواجسنا من الوزارة مازالت قائمة، ونحن نرفض أي قرار يؤخذ من دون مشورة»، وخاطب الحضور قائلاً: «أنتم أعلم بالصناديق والعمل الخيري من الوزارة، أنتم من أسستموها، وأعلم بها من الوزيرة نفسها».

مندوبٌ ثالثٌ طالب ببناء الثقة، وأن تخصّص الوزارة شخصاً جديراً بالثقة للتعامل مع الصناديق الخيرية، فحتى لو أقرّ المجتمعون التحول فإن العملية ستحتاج إلى عدة شهور حتى إتمام تلك المهمة، فليس في طاقة الوزارة القيام بتسجيل أكثر من صندوق واحد في اليوم. (والجزء الأخير من الكلام يتفق مع رأي مديرة إدارة المجتمعات).

مندوبٌ آخر قال: «ليس هناك ضمان بأنه لو أقررنا التحول، ألاّ تخرج علينا الوزارة بين فترة وأخرى بقرارات أخرى، أو طلبات أخرى». بل إن مندوباً آخر عبر عن وجهة نظره بصورةٍ أكثر صراحةً حين قال: «عمر الوزارة ما راح تسوّي شغلة في صالحنا». وكما هو واضح، هواجس متراكمة، من الحكمة أن تعالجها الوزارة بسعة صدر، وألاّ تندفع إلى أسلوب التهديد والوعيد، فتلك سياسة الضعفاء الذين لا يبحثون عن حلول وإنما يندفعون في طريق المواجهة والصدام. بينما العقلاء يبحثون عن حلولٍ عقلانيةٍ مقبولةٍ من الناس؛ لأنهم هم أدوات التنمية وهدفها كما تقول الأدبيات التنموية.

مندوبٌ آخر طرح فكرته على هيئة سؤالٍ مشروع: «هناك بند واحد يتكلم عن (المؤسسين) هو سبب كل هذا الإشكال، فلماذا لا تغيّر الوزارة نفسها هذا البند بدل أن تطلب منا نحن أو صندوقاً أن نغيّر كل أوضاعنا؟»، وهو موضوع طرحناه على مديرة إدارة المجتمعات، فقالت: «ستجتمع بكم الوزارة يوم الاثنين المقبل فاطرحوا عليها ما لديكم». وهي فكرة معقولة يجب أن تفكّر الصناديق بطرحها.


خيارٌ ثالث

بالإضافة إلى ذلك، هناك طرح بضرورة البحث عن طريق ثالث، فليس بالضرورة حصر الموضوع في التحوّل إلى جمعية أو توسيع قاعدة المؤسسين، مع وجود سلبيات وإيجابيات لكل خيار، بل علينا التفكير في بديلٍ أفضل، وهو التفكير في وضع الصناديق الخيرية كمؤسسات اعتبارية ذات خصوصية تامة، فلا هي مؤسسات خاصة ولا مؤسسات ثقافية ولا سياسية، فدورها يتركز في العمل الخيري، وهو ما يستحق التفكير جدياً بوضع قانون خاص لها يتناسب مع دورها وجهودها في التنمية وخدمة المجتمع، يحفظ خصوصيتها ويجنّبها الإشكالات التي قد تبرز بين فترة وأخرى حتى لو تحوّلت إلى جمعيات. هذا الخيار «الثالث» ينبغي على الوزارة أن تفكّر فيه بسعة صدر وانفتاح، من أجل الوصول إلى حلٍ يصب في المصلحة العامة، وبما يخدم استمرارية العمل الحالي في الصناديق وما تؤديه من رسالةٍ ساميةٍ وخدمةٍ إنسانيةٍ لشريحةٍ كبيرةٍ من الفقراء والمحتاجين، كما نصت توصيات ممثلي الصناديق.


ثغرة قانونية أم خطأ إداري؟

أحد الخبراء القانونيين اقترب من وضع اليد على الجرح، إذ أوضح انه ليس هناك فرقٌ بين الصندوق والجمعية، وقال: «عليكم بالرجوع إلى الوزارة وقولوا لها: نحن لسنا مؤسسةً خاصةً، وإنما نحن مؤسسةٌ خيريةٌ عامةٌ اعتبارية، وهم يريدون أن يطبقوا عليكم قانون المؤسسة الخاصة، وهو خطأٌ إداريٌ ارتكبته الوزارة منذ بداية تأسيس الصناديق، وقد نبّهناهم عليه فلم يستمع لنا أحد، الآن فقط اكتشفوه».

مندوب الماحوز الخيري قدّم شهادة لها أهميتها الخاصة، تعزّز كلام الخبير القانوني، من حيث عدم اهتمام الوزارة، فقال: «نحن أرسلنا بأنفسنا تعديلات على القانون قبل أربع سنوات، ثم أدخلنا تعديلاً آخر أيضاً بعد ذلك، وأرسلناه إلى الوزارة، وطلبنا إقرارها، ولكن لم نتلق منهم أي رد أو تعليق».

خلاصة القول، وعلى رغم كل الغضب الذي عبّر عن نفسه في مواقف المندوبين وانعكس على آراء بعضهم، فإن الحكمة تغلّبت فاستقر رأي الغالبية على الاجتماع بالوزيرة، وسماع ما عندها، مع الاحتفاظ بحق مراجعة مجالس الأمناء. وهي بادرة خير، نأمل أن تمد الوزارة يدها لتلتقي بالصناديق في منتصف الطريق، بما يحقّق الأهداف المشتركة في التنمية المستدامة التي يعمل من أجلها الجميع في هذا البلد الكريم

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً