تحيرني ناطحات السحاب التي تتوالد هذه الأيام في خضم الحركة العمرانية الضخمة في البحرين. والمشروعات السياحية والمنتجعات الكثيرة التي تطالعنا بها الصحف كل يوم... وكأن منطقة الخليج تعيش في أمن وسلام.
ألم يتبادر إلى أذهان أصحاب المشروعات الضخمة إلى أين ستؤول مشروعاتهم إذا شبت حرب في الخليج عندما تهاجم الولايات المتحدة الأميركية إيران، وهي تهددها كل يوم بالهجوم عليها إذا لم تنصع إلى أوامرها وتكف عن تخصيب اليورانيوم الناتج للذرة؟.
أشعر كل يوم وكأننا على كف عفريت، لا يوجد لدى المواطن أي إحساس بالأمان وسط الحوادث السياسية المتلاحقة، وكأن الاقتصاديين في البحرين ودبي لا يعون هذه المخاطر على الاقتصاد الخليجي.
ولنفترض أن الحرب لم تنشب... والأحوال سارت على ما يرام على رغم أنها لا تنذر بذلك، هل أعد المسئولون عن وزارة الكهرباء والماء والأشغال في البحرين لهذه المشروعات الضخمة... إذ كيف تقام حركة عمرانية ونهضة اقتصادية سياحية بهذه الضخامة والبحرين مازالت تعاني من انقطاع الكهرباء في الصيف؟. هل سيزود كل مشروع بمولد كهربائي احتياطي فيما لو انقطعت الكهرباء فجأة عن ناطحات السحاب التي أخذت في الزيادة بشكل ملحوظ في البحرين؟ وهل أعدت الدولة دراسة إذا كان الاقتصاد البحريني يتحمل إشغال هذه المباني والمشروعات الضخمة... أم سيظل معظمها خالياً؟
ألا نلاحظ أن القطاع الخاص يضع أمواله في مشروعات سياحية وعمرانية... وغير القادرين مادياً يقرأون في الصحف أرقاماً بالملايين لمشروعات يتمتع بها القادرون مادياً فقط... ولا يصاب المواطن من الطبقة المتوسطة والأقل منها إلا بالإحباط... كيف لا وهو غير قادر على شراء قطعة أرض صغيرة وبناء منزل بسيط عليها... ويعيش الآلاف منهم في غرف ضيقة مختنقة... والملايين تنفق على مشروعات ترفيهية وسياحية. ونادراً ما نقرأ عن مشروع اقتصادي خاص يبني الإنسان القادر على صنع نهضة بلاده... أو صناعة تضيف إلى الصناعة البحرينة وتقوم بتشغيل العاطلين عن العمل ممن تقوم الدولة بتأهيلهم، أوتسربوا من المدارس بسبب كثرة الإنجاب والفقر... إلا فيما ندر.
ولأوضح أكثر ما لفت اهتمامي حلقة رأيتها منذ يومين لبرنامج «الدكتور فيل» في «إم بي سي » يتحدث عن تكوينه لمؤسسة تحمل اسمه تتعاون مع مؤسسة أخرى لمساعدة الطلبة الذين يعيشون ظروفاً معيشية بائسة مع آباء مدمنين... أوفي فقر شديد... وهم أذكياء ومكافحون... لبناء مستقبل علمي مشرق لهم. كانت الفتاة التي تكافح ظروفها القاسية لتحصل على علامات متفوقة... تبكي فرحاً عندما تبرعت لها مؤسسته بـ ألف دولار لتتمكن من الإلتحاق بالجامعة... وتهتم بإخوتها الذين تعيش معهم مع والدين مدمنين للمخدرات... كانت تعتني بهم وتعمل وتدرس... ومع ذلك وبسبب إصرارها على النجاح حصلت على درجات مرتفعة... لكنها لا تملك المال لتدرس في جامعة جيدة تتناسب مع مستوى طموحها وذكائها فمنحها فيل فرصة لم تكن تحلم بها. جعلتها تشعر أن الدنيا مازالت بخير... وإن الله كافأها عن طريق النفوس الطيبة لتبني مستقبلاً أفضل لها ولإخوتها... فهل نستطيع أن نبدع في اختيار المشروعات البناءة للتبرع لها ولتحقيقها... ونستطيع أن نبني مستقبلاً أفضل للشباب البحريني المكافح الذي يعاني من ظروف معيشية قاسية، إلى جانب اهتمامنا بالمشروعات السياحية والعمرانية للطبقة القادرة مادياً ومشروعات الخير التقليدية الأخرى
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ