العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ

التخصيب أولاً... أم المفاوضات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

وقْف التخصيب قبل بدء المفاوضات، أو بدء المفاوضات قبل وقف التخصيب. هذه هي المعادلة التي وصلت إليها المحادثات التي تقودها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا بشأن ملف إيران النووي.

المعادلة تكشف من جديد تلك المناورات التي تصر واشنطن على اتباعها لجرجرة الدول الكبرى إلى موقف مشترك يتوافق على نقل الملف إلى مجلس الأمن بغية تدويله. أميركا تلعب في الوقت الضائع وتراهن على إمكان التفاهم مع الثنائي الروسي - الصيني على أوراق عمل يمكن الاعتماد عليها للضغط على طهران من خلال التهديد بنقل الملف إلى نيويورك.

حتى الآن يتمسك الثنائي الروسي - الصيني بمواقفه المعلنة وهي رفض اللجؤ إلى دبلوماسية القوة والعمل على اقناع إيران بضرورة التجاوب مع تلك الحزمة من «الحوافز» والإجراءات التشجيعية. أي أن الثنائي لايزال يتخذ موقف الوسط بين وجهة النظر الأميركية التي تدعو إلى «وقف التخصيب قبل بدء المفاوضات» ووجهة النظر الإيرانية التي وافقت على مبدأ «بدء المفاوضات قبل وقف التخصيب».

الأولوية لاتزال حتى الآن تشكل نقطة خلاف بين الطرفين. والثنائي الروسي - الصيني يحاول الدمج بينهما حتى يضبط إيقاع الخلاف على منطقة وسطى تلبي مصالح الفريقين. إلا أن فكرة الجمع بين الوجهتين التي يقودها الثنائي ترفضها إدارة جورج بوش بذريعة أنها لا تريد تقديم هدية مجانية إلى دولة تعتبرها أميركا من «محور الشر».

الولايات المتحدة تعتبر أنها قدمت أقصى التنازلات حين وافقت من ناحية المبدأ على فكرة الدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران. لكنها اشترطت، وهذا هو محور الخلاف، على قيادة طهران وقف التخصيب مضافاً إليه وقف ما أسمته بتدخل طهران السياسي في الشئون الإقليمية.

إيران بدورها وافقت على مبدأ التفاوض المباشر مع أميركا والدول الكبرى بشرط أن يحصل اللقاء من دون شروط أي أن يبدأ التفاوض قبل وقف التخصيب.

وصلت المعادلة إذاً إلى نقطة خطرة. وكل فريق يسير في حقل ألغام وأي خطأ في الحسابات أو تقدير الموقف ربما يدفع القوى نحن التصادم أو انفجار لغم في أحد الطرفين.

التجاذب هذا تراقبه معظم الدول الأوروبية من جهة والثنائي الروسي - الصيني من جهة أخرى. ولذلك اتجهت معظم القوى إلى التفاهم على ضرورة تقديم «حوافز» تشجع طهران على التنازل عن حقوقها المشروعة وحقها في البحث عن مصادر بديلة للطاقة.

حتى الآن لم تعلن الدول التي اجتمعت وتفاوضت في فيينا الخميس الماضي تلك الاجراءات التشجيعية. فهناك مجرد كلام وتصريحات صحافية عن عناوين عامة. إلا أن التصريحات التي صدرت عن الثنائي الروسي - الصيني بشأن ضرورة موافقة طهران على «الحوافز» تشير إلى احتمال أن يكون العرض جيداً كما تراه موسكو وبكين. لكن المشكلة تبقى في امكان قبول إيران تلك الاجراءات التشجيعية وبالتالي التفاهم على الأساليب التي تضمن تطبيق تلك «الحوافز» من دون تدخل أميركي مباشر بهدف تعطيلها أو تأخيرها كما حصل سابقاً في العام .

هذا جانب من الصورة. الجانب الآخر يتعلق بمدى جدية الثنائي الروسي - الصيني من المسألة وقدرته على احتمال نتائج سلبية تدفع واشنطن الدول الأخرى نحوها. فالكلام الروسي - الصيني بشأن ضرورة موافقة إيران على العرض الدولي يعني أيضاً أن الثنائي بدأ يغادر منطقة الوسط والانحياز بتردد إلى الجانب الأميركي - الأوروبي. وفي حال صح هذا التقدير تكون واشنطن كسبت من خلال مناورة الوقت الثنائي إلى جانبها... الأمر الذي يعطيها أفضلية في ممارسة ضغطها وتغليب فكرة «وقف التخصيب قبل بدء المفاوضات».

إيران الآن أصبحت في موقع حساس للغاية. فهي إذا رفضت «الحوافز» واشترطت بدء المفاوضات من دون شروط مسبقة ستظهر أمام العالم أنها الطرف المشاغب الذي أصر على موقفه على رغم كل الوعود والاغراءات. وهذا بالضبط ما يمكن فهمه من الكلام الروسي - الصيني بشأن حث إيران على ضرورة الموافقة على «الحوافز».

ما هي «الحوافز» إذاً حتى تقبل بها إيران أو ترفضها؟ حتى الآن لم تعلن. لكن مجرد إعلانها في مناخ ضجيج إعلامي دولي محكوم بسياسات الإدارة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي ومقبول من طرف الثنائي الروسي - الصيني، يضع طهران في زاوية صعبة. فهي إذا رفضت تعطي المبرر للولايات المتحدة بنقل الملف إلى مجلس الأمن باعتبار أن «الحوافز» وافق عليها الثنائي إضافة إلى الاتحاد الأوروبي. وإذا وافقت بشروط تكون أيضاً فتحت المجال لإدارة بوش للتصعيد السياسي. وإذا وافقت من دون شروط تكون أسهمت في قلب الطاولة على رأس إدارة واشنطن ومنعتها من خطة إفشال المفاوضات.

هذه الاحتمالات الصعبة كلها واردة، وهي في النهاية محكومة بمدى جدية «الحوافز». والخوف الحقيقي هو أن تكون الاجراءات التشجيعية بسيطة وتافهة وتحظى بإجماع دولي... وهذا ما يجعل إيران غير قادرة على قبولها، الأمر الذي يعني بدء العد العكسي للانتقال من دبلوماسية التفاوض إلى دبلوماسية القوة.

أيهما قبل الآخر، وقف المفاوضات أم وقف التخصيب؟ هذا الأمر يحتاج الى معرفة حقيقة الحوافز ومدى جديتها وبعدها يمكن قراءة الرد الإيراني على المسألة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً