في حديثنا عن الخطر الأميركي على سلامة وأمن العالم، نتسلح بأقوى الدلائل والمراجع الثبوتية غير القابلة للتشكيك بأن الخطر الأميركي يمثل حالاً يتواضع معه، ما واجهه العالم من أخطار العنصرية النازية، تلك العنصرية الهائجة، التي تتجلى في عبارة هتلر التي ضمنها في كتابه «كفاحي»:
«إن كل ما نراه اليوم في العالم من ثقافة انسانية ومن نتائج الفن والعلم والتقنية، هو النتاج الخلاق للجنس الآري... إن الآري وحده هو المؤسس لكل ما في الإنسانية من رفعة... فهو فروينوس الجنس البشري، الذي انبثقت من جبهته المتألقة الشعلة السماوية للعبقرية... وقد ظل السيد المطلق...».
ولعلنا نتساءل هنا، هل هذه النزعة العنصرية المتأججة في روح وسلوك وفكر هتلر هي نتيجة لإصابته بمرض العظمة التي كثيراً ما تدفع بالمصاب إلى الهذيان والأفكار الشاطحة التي تلقي به في النهاية في الضياع والتيهان، أم أنه أصيب بهذه الحالات المرضية بتأثير من الواقع الاجتماعي الذي سقط في ظله وبتأثير من أفراد متصيدين في المياه العكرة، وجدوا فيه أمعه مطواعة وعجينة سهلة التكييف، والتوجيه، حيث يكمن الهدف دونما أية مقاومة، فقدها تحت تأثير مرضة بالعظمة الزائفة.
ولعل من يجيب تساؤلاتنا بصورة قاطعة هو تثبيت ما توصلنا إليه من خلال بحثنا... فها هو «نيتشه» يقول في كتابه، «العزم على السلطان»، هناك عنصر حاكم وجريء يسير في طريق التكون... من الرجال الموهوبين في عقولهم وارادتهم، وستصبح هذه الطبقة المختارة سادة العالم.
وتأسيسا على ما سلف فإننا لا نشك مطلقاً بأن هتلر ليس وليد التأثير الاجتماعي الذي عاش في اوساطه، كما لا يمكننا الشك بأن الآري يجب أن يكون «السيد المطلق» الذي يحكم العالم، نرى الصهيوني في تماثل لا يمكن اخفاؤه. «بأن النازية والصهيونية التي تؤثر وتفرض القرار المناسب بما يتفق ومخططاتها على أميركا وجهان لعملة واحدة»، نرى هذا التماثل واضحاً نستقيه من كتاب «أسس القرن التاسع عشر» لـ «هوستون سيتوارن تشمبرلين».
وإنه لمن المفاجئ للقارئ الكريم ما يحدثنا به عن نفسه، أن يشعر دائماً بأن الشياطين هي التي تستحثه، على الكتابة «وإنه كان عاجزاً في غالب الأحيان عن اعتبار هذه الكتب من تأليفه لأنها تتفوق كل التفوق على ما كان يتوقعه من قلمه». (راجع تاريخ ألمانيا الهتلرية)
ولما أن الشياطين هي مصدر وحيه والهامه فإنه ألف كتابه المذكور الذي يقع في نحو صفحة، «وهو واقع تحت سيطرة «عفريته» في تسعة عشرة شهراً» (المصدر نفسه).
وعندما نستعرض بعض أفكار هوستن نرى التماثل الانطباقي بين النازية الهتلرية والصهيونية التي تقود أميركا.
فهوستن يرى أن العنصرية مفتاح التاريخ بل وأساس الحضارة وأن مظاهر هذا القرن مرتبطة أساساً ومستمدة من العهد القديم - متجاهلاً أن كتب العهد القديم ليست لها علاقة بموسى، وإنها ألفت على قدر كبير من التزييف والانتهاك والتحريف لكي تستجيب لخلق تاريخ ليس له وجود لبني «إسرائيل». كل ذلك تم في فترة السبي البابلي.
ويضيف هوستن: بأنها متمثلة في ثلاث معطيات تاريخية (أولها فلسفة الإغريق وفنهم، وثانيها القانون الروماني، وثالثها شخصية المسيح، ويرى هوستن من خلال نظريته أن ورثة العهد القديم (بكل زيفه وتلفيقاته) هم أيضاً ثلاثة «أولهم اليهود وثانيهم الألمان- وهما عنصران نقيان تمام النقاء - وهو كلام نفته علوم ومؤتمرات الأجناس البشرية) - راجع كتاب التاريخ اليهودي العام - لصابر طعيمة»، حيث يكذب المؤتمرون في أميركا، ادعاء اليهود بوجود جنسهم، ويؤكد أن ليس لليهود وحدة جنس بسبب الإنتقالات الترحالية للجنس البشري والاندماجات العرقية.
ويرى هوستن: أن ثالث ورثة العهد القديم اللاتين الهجناء الذين يقيمون على ضفاف المتوسط. ويستنكر هوستن اللاسامية البليدة التي تعافها النفس، ولكنه بعد هذا الدفاع عن السامية يوجه إليها طعنة نجلاء، فيقول إن المزيج الآري المتمثل في العموريين الطوال القامة والشقر الوجوه والجميلي الصورة، قد جاء متأخراً لسوء الحظ بحيث لم يتمكن من تحسين الشكل العبري الفاسد. إن اليهود قد غدوا عنصرا، سلبيا، وغير شرعي في سلالته، إذ أضحى للآريين كل مبرر في إنكار إسرائيل».
ولنعد إلى صورة أميركا البشعة ومدى ما تمثله من خطورة على السلم والأمن العالميين، وما يلتحق بها من عنصرية خطرة على العالم فإننا نرى هذه الحقيقة متجردة في مقدمة كتاب «من أجل صهيون» لفؤاد شعبان: « أذهلتني المعلومات التي أوردها هذا الكتاب... اعتراني منها ما يشبه الزلزال. لم تصدمني النبوءات المدمرة التي ترسم للبشرية... مصيرها المشئوم، كقدر محتوم، دما وخراب ودماء اشلاء واسماء وأرقام وإبادة وانتهاء زمان»... إنها العقلية والتفكير الأميركيين اللذين بلغا أوج الغرور، ووصلا إلى انفلات العقل، بحيث معه صار يخيل لليمين الأميركي، انهم ومن خلال نبوءاتهم السقيمة أنهم يرسمون خطوات الإله في سيرة نحو نهاية العالم وقيام الساعة، وأنهم من أوكلهم الله بتنفيذ خططه لنهاية الزمان كما سنبينه بعد قليل في سياق هذه الدراسة.
ويمضي الناشر قائلاً: «... إن أمة تتسنم اليوم ذروة الحضارة والتقدم، وترتقي أعلى درجات سلم التفوق العلمي والتكنولوجي، والاقتصادي، والسياسي، لتمسك بتفوقها زمام العالم، تتبنى ادارتها هذه النبوءات عقيدة راسخة، تعزوها إلى الله لتضفي عليها صفة القداسة، ثم تنسج منها خطة الله للدهر، ثم تزعم...( زورا وبهتانا وكذبا وتلفيقا) أن الله انتدبها لتنفيذ خطته... وجرح لكونه جل جلاله، أنه إذا اراد شيئا أن يقول كن فيكن، دونما أية حاجة لأنه يوكل لأميركا ولا لترسانة أميركا النووية أن تنفذ مقاصده في هذه الدنيا، ولكن الغرور والجنون والانفلات الأميركي الذي قذف بها إلى آماد لا يمكن في مداها الجنوني أن تعود إلى منطق الحكمة والعقل والتعقل.
وليس أفضل ما نختتم به هذه الحلقة البحثية، من أن نقتبس ما حفظته لنا غريس هالسل في كتابها «يد الله » نستقيه بالنص «كنائس الكتاب المقدس: تعتبر كلية اللاهوت في دالس مصدر العقيدة التي تقول إن الله يطلب منا تدمير الكرة الأرضية...».
فهل بقي لدى عشاق أميركا المتيمين المخدرين بكذبها أنها ستمنحنا الديمقراطية، وأنها ستهدينا نحن العرب المسلمين الكفرة، وفي اطار كفرنا المسلمين في شتى أنحاء العالم، بصورة عامة. أم أن أميركا في اطار انفلاتها الجنوني، وفي معيتها اسرائيل ودول الغرب ستقدم لنا معركة «هم مجيدون» التي ستستخدم أميركا في اشعالها ترسانتها النووية، لتثبت بالتلفيق وبالقهر صدق نبوءات جيش كذابيها من اليمين المسيحي الأميركي المتشنج والمعتوه بتطيير النبوءات الكاذبة.
ومعه ألا يحق لنا أن نسوق كلمة عتاب تقضي والود باقي إلى تياراتنا وطلائعنا الدينية، ونطالبهم بأن يترفعوا عن الانشغال بالشئون السياسية، وتفاهة النقاشات التي لا تجدي نفعا بل تجلب ضرا وتسبب تفرقة وتشرذماً.
فإنه بدلاً من كل ذلك، أن تدعوا رجالاتنا الدينية إلى تشكيل ورش عمل لتتدارس المحنة التي وقع فيها الغرب المسيحي، وضل طريقه، وإنه في طريق تيهانه ومحاولاته التمسك بقشة الغريق راح يطلق نبوءاته التدميرية
إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"العدد 1365 - الخميس 01 يونيو 2006م الموافق 04 جمادى الأولى 1427هـ