استقال وزير الخزانة الأميركي جون سنو يوم الثلثاء الماضي، ورشح الرئيس جورج بوش مكانه رئيس بنك غولدمان ساكس هنري بولسون. وتعتبر هذه خطوة أخرى في التغييرات التي يجريها الرئيس الأميركي في إدارته لإحيائها، فيما يعتقد محللون أن إدارة بوش تهدف من ترشيح بولسون إلى إيجاد متحدث يستطيع شرح المنجزات الاقتصادية للإدارة خصوصاً فيما يتعلق بخفض نسبة البطالة والمحافظة على نمو اقتصادي جيد. ووصف الرئيس بوش بولسون بأنه ذو خبرة طويلة ومقدرة على شرح الأمور الاقتصادية بطريقة واضحة وبأن لديه دراية كبيرة بالأسواق المالية. وفي إعلانه عن التغيير، أثنى بوش على سنو مؤكدا مهارته القيادية، وقال إن على الولايات المتحدة أن تأخذ الخطوات التي تمكنها من استمرار دورها القيادي في العالم.

من جانب آخر، تقلد سنو المنصب منذ فبراير/ شباط وراجت شائعات منذ أكثر من عام حول احتمال استقالته، أما هنري بولسون فهو رئيس واحد من أكبر المصارف الأميركية في حي المال أو وول ستريت في نيويورك منذ ثماني سنوات. وينتظر بولسون تصديق مجلس الشيوخ على ترشيحه.

ولم يكن الخبر مفاجئا للأوساط التي تتابع التحركات التي بدأها الرئيس بوش منذ أكثر من عام من اجل ضخ بعض الدماء المختلفة في الادارة الاميركية الهادفة إلى انعاش الولاية الثانية للرئيس الاميركي جورج بوش الذي يعاني تراجعاً في شعبيته.

ومما يشير إلى أن الأمور لم تكن مفاجئة، بل سبقتها بعض الترتيبات التي من ضمنها أن غولدمان ساكس استطاع أن يدفع بعدد من موظفيه إلى مناصب عليا في واشنطن من بينهم جوشوا بولتين الذي يترأس إدارة موظفي البيت الأبيض.

غولدمان في سطور

والمرشح الجديد هو رئيس مصرف »غولدمان ساكس» هنري بولسون جونيور الذي يتمتع بثقل كبير في »وول ستريت«، في محاولة لاعطاء سياسته الاقتصادية مزيداً من البريق. ومنذ ، يدير بولسون (06 سنة) »غولدمان ساكس» أحد أشهر مصارف الاعمال الاميركية.

ويعرف بولسون، الثري جداً في »وول ستريت» بتأييده الكبير للقضايا البيئية. وفي وقت سابق من هذه السنة، قدم هبة قيمتها مليون دولار لمؤسسة عائلية تهتم بالمحافظة على البيئة.

وحاول بوش أن يبرر اختياره لغولدمان فقال في خطابه في حديقة الورود بالبيت الابيض الذي أعلن فيه عن هذا التغيير، فنوه بالخبرة الواسعة لبولسون في قطاع الاعمال، كما شدد على »معرفته الممتازة بالاسواق المالية» و»قدرته على شرح المسائل الاقتصادية المعقدة بلغة سهلة«، مشيرا إلى أن بولسون سيتابع تنفيذ السياسات الاقتصادية التي ينتهجها البيت الأبيض منذ فترة طويلة.

وترشيح بولسون يوفر لبوش شخصية ذات ثقل في »وول ستريت» للدفاع عن سياسات خفض الضرائب التي يقول إنها عامل مهم في نمو الاقتصاد، بينما يرى خصومه أنها ساهمت في عجز طويل الامد في الموازنة.

ومن القضايا المهمة الاخرى على جدول أعمال بولسون، محاولة توسيع التجارة، وحض بكين على التحرك بسرعة أكبر نحو تبني سعر صرف يستند إلى قوى السوق كوسيلة لتعزيز القدرة التنافسية لمنتجات المصنعين الأميركيين في الصين.

وفي أول تصريح له بعد هذا التعيين قال بولسون إنه طوال سنة أمضاها في القطاع المالي كون تقديراً عميقاً للدور الذي تضطلع به أسواق رأس المال في قيادة نمو الاقتصاد. ورأى أن »قوة اقتصادنا تكمن في روح المغامرة والحماسة التنافسية للشعب الأميركي وفي سوقنا الحرة والمفتوحة». لكنه أكد أنه »يجب أن نتخذ خطوات للحفاظ على ميزتنا التنافسية في العالم».

ويبدو ان بحوزة غولدمان بعض الأوراق التي قد يحتاجها في الشرق الأوسط، ففي يونيو/ حزيران من العام الماضي اختارت الحكومة الاردنية مؤسسة »غولدمان ساكس» كاستشاري مالي في عملية بيع الحصة المتبقية في شركة الاتصالات »جوردان تليكوم» والبالغة في المئة، كما ذكر مسئولون لوكالة »بترا» الرسمية للانباء، وفازت »غولدمان ساكس» بالعقد بعد منافسة مع »دويتشه بنك» و»سيتي غروب» و»مورغان ستانلي» و»سي اس فيرست بوسطن».

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي اقام بنك الكويت الوطني مأدبة عشاء خاصة على شرف رئيس مجلس ادارة بنك غولدمان ساكس العالمي هنري بولسون والوفد المرافق الذي يزور الكويت حاليا للاطلاع على آخر التطورات المالية والمصرفية في البلاد ولقاء اهم الفعاليات الاقتصادية.

وفي شهر أبريل/ نيسان الماضي، قام الرئيس التنفيذي لغولدمان ساكس هنري بولسون بزيارة مركز قطر المالي أمس لتأكيد اهتمام مصرفه في افتتاح مكتب في المركز واجتمع مع الرئيس التنفيذي ومدير عام مركز قطر المالي وسلطة مركز قطر المالي ستيوارت بيرس والرئيس التنفيذي للسلطة التنظيمية لمركز قطر المالي فيليب ثورب وقام بولسون خلال الاجتماع بمناقشة تطورات أعمال غولدمان ساكس في قطر

ويتوقع ان يقوم المصرف بمجموعة واسعة من النشاطات في قطر ولديه مليار دولار من تمويل المشروعات متوافرة على مدى السنوات الست المقبلة.

مؤسسة غولدمان ساكس

ويقف وراء بولسون مؤسسة ضخمة لا تقف حدودها عند تخوم العمل المالي والمصرفي. يبدو ذلك جليا في مقال تحليلي واسع نشرته صحيفة »فايننشال تايمز» البريطانية في مطلع هذا العام تحدث بالتفصيل عن هذه المؤسسة.

واستهلت الـ »فايننشال تايمز» المقال بمجموعة من الاستفسارات من أهمها: هل هو مصرف استثماري أم صندوق تحـــوط... ام هو مؤسسة اسهم خاصة؟ هذه الاسئلة تتداول منذ سنين في دوائر وول ستريت، لكنها عادت تطرح من جديد، خصوصاً حين بدا غولدمان ساكس اجراء جملة من العقود الاستثمارية الكبرى في المملكة المتحدة وفي مختلف دول العالم.

إذ يتولى غولدمان ساكس قيادة كونسورتيوم يدرس تقديم عرض لاستملاك شركة اسوشيتد بريتش بورتس، وهي شركة بريطانية تبلغ قيمتها السوقية ملياري جنيه استرليني (4.2 مليار دولار). وعلى رغم ان عرض الاستحواذ غير معاد، فان الشركة المعنية لم تطلب تقديمه.

وفي اتجاه آخر، ينشط غولدمان ساكس في قيادة كونسورتيوم آخر مؤلف من شركات أسهم خاصة لتقديم عرض للسيطرة على شركة »اي تي في» البريطانية لبث البرامج الاذاعية والتلفزيونية. كما ان غولدمان ساكس عضو في كونسورتيوم ثالث قدم عرضا بقيمة , مليار جنيه استرليني بالتعاون مع رجل الاعمال روبرت تشينغويز لشراء شركة ميتشلر اند بتلر، وهي مجموعة بريطانية لادارة الحانات.

ويعتقد ان غولدمان ساكس يؤسس »كونسورتيوم» لتقديم عرض لشراء شركة بي ايه ايه البريطانية المالكة لكل من مطاري هيثرو وغاتويك البريطانيين.

في غضون ذلك، قام غولدمان ساكس بملاحقة عقود استملاك لشركات اوراق مالية خاصة خارج المملكة المتحدة وخصوصاً في آسيا. ففي اليابان مثلا تمكن المصرف من اقتناص ملاعب للغولف وشركات لتشغيل شبكات الهاتف النقال. وبالاضافة الى ذلك استملك المصرف في مطلع هذا العام محفظة العقار لشركة كاراستادكويل الالمانية لتجارة التجزئة من خلال صندوق العقار المسمى »وايتهول». وغير ان المصرف في اعتراف ظاهر بالانتقادات الموجهة اليه، عين العام الماضي غوين ليبستاغ، وهو مسئول استثماري مصرفي كبير، ليكون اول رئيس لقسم استحدث تحت مسمى »اختيار العمل وازالة تضارب المصالح».

كل هذه الثروة الضخمة والخبرات الغنية التي بحوزته من الصعب التفاؤل بقدرتها على ان تعالج الحالة الاقتصادية ومن ثم السياسية التي تعيشها الولايات المتحدة. فأمام بولسون قائمة طويلة من المشكلات الخارجية قبل الداخلية والتي تنعكس سلبا أو إيجابا على الوضع الاقتصادي الأميركي. تبدأ هذه القائمة من القدس ولا تنتهي عند بكين.

فهل ينجح بولسون حيث فشل سنو؟ هذا ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة