في بلادنا الحبيبة المعطاء أناس وما أكثرهم يبادلونها عطاء بعطاء وحباً بحب وفداء بفداء، خالقين من هذا التفاعل والتلاحم والتجاوب بينهم وبين وطنهم ملحمة إنسانية رائعة وجميلة، إنهم لا يتاجرون بالوطنية، ولا يتمظهرون بشعارات فارغة، ولا يسوقون أنفسهم في أسواق النخاسة الرخيصة، ضاحكين على ذقون الجماهير البسيطة. إن هؤلاء الذين يبادلون بحرينهم الوفاء والأمانة والإخلاص والتفاني ونكران الذات يعملون بدأب وصبر في أحلك الظروف وأصعبها من أجل رفعة البحرين وتقدمها، من دون ضجيج يصاحب أعمالهم العظيمة في سبيل وطنهم بنكران ذات لافت، ومن هؤلاء المواطنين الوطنيين الذين هاموا ببلادهم عشقاً وهياماً يأتي المواطن الإنسان مجيد مرهون، الذي أجرينا معه هذا اللقاء للتعرف على سيرته الذاتية والامتحان العصيب الذي مر به، ورحلته الموسيقية المتميزة. وكان بداية أسئلة اللقاء سؤال حول التعريف بنفسه، فأجاب محدثنا قائلا: اسمي عبد المجيد عبد الحميد حسن مرهون، واسم الشهرة مجيد مرهون مولود في يوم أغسطس / آب العام م، متزوج ولي ولد واحد من هذا الزواج اسمه عبدالرضا، أصلي من رأس رمان إلا أن سنوات من عمري لم أعش فيها هناك لأسباب عدة، ولكن عشت سنوات بين الحورة والقضيبية قرب قصر الشيخ حمد، وكان أبي - رحمه الله وأحسن إليه - يعمل سائقا في شركة نفط البحرين (بابكو) في سيارة طويلة يطلق عليها الأهالي سيارة «سالم خطر»، مهمتها نقل منتسبي الشركة من محطات تجمعهم بالقرب من مساكنهم إلى مقرات عملهم، ولكونه طباخا ماهراً فقد أصبح فيما بعد الطباخ الخاص لنائب رئيس الشركة (بابكو)، وكان أبي متزوجا زوجتين أنجب منهما أخي الكبير حسن الذي توفي وكذلك عبدعلي وعبدالغني وعبدالرحمن وأختاً.
أين درست وما هي الظروف التي مررت بها خلال دراستك؟
- درست المرحلة الابتدائية فقط، ولظروف اقتصادية ومالية ومعيشية توجهت للعمل في شركة بابكو بعد إنهائي المرحلة الابتدائية وحصولي على شهادة السادس ابتدائي، مقتفياً آثار أبي الموظف ببابكو. وكانت ظروف دراستي بالمرحلة الابتدائية عادية كأي طالب بحريني من الطبقة الفقيرة، إلا أن الطموح والتفوق والجد في الدراسة كان نصب عيني دائماً.
هلا حدثتنا عن سنوات عملك في بابكو؟
- عندما التحقت بشركة بابكو دخلت مدرسة التدريب الخاصة (برنتس) بموظفي الشركة وخصوصا الشباب والتي تتوسم فيهم الشركة إدارة أعمال فنية وميكانيكية وإدارية وإشرافية وكنت أعمل بوظيفة عامل فني في مصنع التكرير، وفي الوقت نفسه أدرب بعض التلاميذ الجدد على العمل، واستمررت في عملي هذا لمدة عشر سنوات، أجدت خلالها اللغة الانجليزية كتابة وقراءة ونطقاً والممت بعلم طبقات الأرض (الجيولوجيا)، كما ترقيت في عملي الذي كنت جاداً فيه.
* ما هي قصة اعتقالك، ومن الذي أطلق عليك لقب منديلا البحرين؟
- تم اعتقالي في الساعة التاسعة صباحاً من شهر فبراير/ شباط من العام ، وأنا على العمل في بابكو، وقدمت للمحكمة بتهمة تفجير ضابط مخابرات في مارس/ آذار من العام ، وكان قرار الحكم سجن مؤبد وعشر سنوات أخرى وكان الذي دافع عني المستشار القانوني لمجلس الشورى حالياً المحامي محسن حميد مرهون، ولما كنت أعرف سلفاً بقرار الحكم، فقد رفضت الاستئناف، ولكن تحت إلحاح أمي وإصرارها وافقت على الاستئناف مع عدم اقتناعي بجدواه، وجاء قرار محكمة الاستئناف كما توقعت وهو الرفض.
هناك مفارقة واضحة بين التهمة الموجهة إليك الواقعة في مارس وفترة الاعتقال وإلقاء القبض عليك في فبراير وهي نحو ثلاث سنوات فما هو تفسيرك لذلك؟ يجيب مجيد مرهون قائلا: يجب على المناضل أن يختفي ويظل غير معروف لأطول فترة ممكنة.
* أين قضيت فترة عقوبتك؟
- بعد إصدار الحكم رحلت إلى جزيرة جِدة تلك الجزيرة التي اختارها الانجليز للمحكوم عليهم في قضايا سياسية أو جنائية لمدد طويلة إذ قضيت فيها مدة سنة أما الخمس سنوات الأخيرة فقد قضيتها في سجن جو إذ قضيت واحد وعشرين سنة في السجن.
* كيف قضيت هذه السنوات الطويلة في السجن وكيف كانت معاملتك مع سجانيك ومع المعتقلين والمساجين الآخرين؟
- تعاملت أولاً مع نفسي بكل ثقة واطمئنان، فلم أيأس ولم افقد الأمل ولم أجزع قط فهذا قدري الذي يجب أن أتعامل معه وأوطن النفس عليه، ولأتعايش مع الواقع الجديد اعتبرت جزيرة جدة هي أمي. هي وطني، هي عالمي، ولم أشعر قط أني معزول عن وطني. أما مدير السجن الانجليزي وغيره من الشرطة فقد تعاملت معهم على اعتبار أنهم موظفون يؤدون واجبهم، إلا أنني عندما أواجه استفزازاً من قبلهم فإنني أواجهه بكل استفزاز لهم كرد فعل مقنعاً نفسي بقول ذات النطاقين «ما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها». لذلك لا أرضى بأي استفزاز أو إهانة، كما انني إذا شعرت أن أي طلب هو حاجة لي وحق من حقوقي فاني أصر على توفير هذه الحاجة ولا أيأس، ولأضرب لك مثلا على ذلك كنت أرزح في القيود الحديد (السلاسل) لمدة أربع سنوات ولما وصلت إلى قناعة تامة بأن هذه السلاسل الحديد التي تمتد من قدمي إلى وسطي عند السر لابد أن تفك، أخذت أطالب مدير عام السجون واسمه فرانك سميث وبعد مشاوراته مع القسم الخاص تمت الموافقة على نزع السلاسل الحديد، ومنها انني وصلت إلى قناعة، ومن ثم قرار دراسة القرآن الكريم دراسة متعمقة مع التفسير ولما كلمت مدير عام السجون فرانك سميث رفض رفضاً باتاً، فأخذت أناقشه قائلاً له هذا كتابي المقدس ويجب أن أقتنيه فهل تسمح أن يحرموك من اقتناء كتابك المقدس ولكونه مؤمن بالمسيح فقد جاء رده عفوياً وسريعاً لا، فقلت له أنا كذلك، فقال لي لن يوافقوا في القسم الخاص، فقلت له أنا أخاطبك أنت بصفتك مدير عام السجون، تقول لي القسم الخاص لن يوافق، أنا الآن في عهدتك ولست في عهدة القسم الخاص، فإذا أنت لا تستطيع اتخاذ قرار كهذا اخلع قبعتك وبدلتك، فزعل وبعد كم يوم تأكد لي أنه شاور القسم الخاص في ذلك فتركوا له حرية اتخاذ القرار فقال لي قل لأسرتك يحضرون إليك القرآن وفعلاً أحضرت أمي لي القرآن الكريم وتفسير الجلالين، وفي زيارة أخرى طلبت إحضار كتاب نهج البلاغة وكذلك كتابي الشيخ محمدمهدي شمس الدين، ثورة الحسين، ظروفها الاجتماعية، وآثارها الإنسانية وكذلك ثورة الحسين في الوجدان الشعبي. ثم أخذت مطالبي في حدود المعقول تتكرر ومنها الكتاب المقدس للعهد القديم والجديد (التوراة والإنجيل). ومسئولو السجن يلبون الطلب حتى أطلق عليّ في السجن السجين المميز. وساعدني في ذلك مدير عام السجون الانجليزي الذي يرغب في تعلم اللغة العربية فعلمته إياها.
* كيف قضيت الأيام والليالي في السجن وما هي المهمات التي كنت تؤديها؟
- قضيت أيامي في السجن في أداء الوظيفة التي أسندت إلي من قبل مسئولي السجن لكوني عاملاً فنياً، لذلك أسندت إليّ مهمة الإشراف على الإصلاحات كإصلاح الكهرباء والماء للسجن وللمكاتب ومنازل الضباط، وعندما اكتشفوا لدي القدرة على إجراء الدراسات والبحوث عن البحار وطبقات الأرض بحكم خبرتي ومعلوماتي عن التيارات المائية والجو والتربة من حيث الملوحة والتيارات الهوائية والافطار، وكان مشروع جسر الملك فهد قد بدأت الدراسات بشأنه لذلك طلبت مني إدارة السجن بإيعاز من الشركات العاملة في الجسر ومنها شركة بلس نيدم madeeN tselaB الهولندية وشركة بيت الدراسات المائية eutitsnI tsiluamdyH acsidlooN الدانمركية إجراء دراسات علمية عملية ونظرية عن الضغوط المائية في مياه منطقة مرور الجسر وملوحة الأرض ودراسة عن درجة الحرارة والتبخر وذلك لان الجسر سيقام من الحديد والخرسانة والصباغة وقد أعطي عمراً قدر بـ عاماً، وكانت هذه الشركات تقوم بدراساتها الخاصة عن طريق قمر صناعي ولكنهم لمزيدٍ من الاطمئنان للنتائج أرادوا المقارنة بين النتائج التي أتوصل إليها والنتائج التي تردهم عن طريق القمر الصناعي من خلال الدراسات التي يقوم بها، وكم كانت دهشتهم كبيرة عندما كانت نتائجي متطابقة مع نتائج القمر الصناعي. وقد كان خبراء تلك الشركات يأتون إلى السجن في البداية ثم امتنعوا لأن ظروفهم لا تتناسب مع الأجواء التي بالسجن، لدرجة انه خلال الشتاء تكون مياه البحر باردة جداً حتى أن السمك الصافي يطفح على الفشت من شدة البرودة ولا يستطيع الحركة بسبب برودة الجو، لذلك أعطيت مطلق الحرية بأمر من مدير عام السجون في التحرك ومقابلة خبراء الشركات خارج سجني ولكن في نطاق الجزيرة (جدة) وذلك بعد ما اطمأن لي وخصوصاً بعد أن عرض عليّ التعاون في إجراء الدراسات لصالح جسر الملك فهد الذي سيربط البحرين والمملكة العربية السعودية فقلت له أنا أعيش في جزء من بلدي، وعندي استعداد أن اخدمه بروحي قبل عيني، بل أنا على استعداد تام لتقديم حياتي دفاعاً عن بلدي، لذلك كنت وقت الفراغ أدور في أنحاء الجزيرة بكل حرية كما كنت أصيد السمك الصافي، وعلى فكرة أنا الذي نبهت مدير عام السجون ومن ثم الشركات العاملة في الجسر عن الظروف التي كانت تواجهها الأسماك هناك وذلك أنني عثرت على سمكة صغيرة ميتة فاحتفظت بها لفترة بعد أن أجريت عليها دراسة لمعرفة سبب موتها ولما عرف بذلك مدير عام السجن مستر فرانك سميث أعطاها لخبراء الشركة الذين اجروا عليها الدراسة لمعرفة سبب الوفاة، وكانت المفاجأة هي تطابق النتيجة التي توصلوا إليها مع النتيجة التي توصلت لها.
ومن الأعمال التي كنت أزاولها والعناصر الخيرة من المعتقلين ومنهم عوض اليماني وإبراهيم سند سلطان وأحمد قاسم عبدالرسول البوسطة وحسن علي محمد المحرقي أننا فتحنا صفاً دراسياً كما ذكرت سابقاً لتعليم من يريد التعلم ومواصلة دراسته وخصوصاً المعتقلين والمسجونين الطلبة، وكنا ندرسهم الكتب نفسها التي تدرس في المدارس كل حسب مستواه إذ جرى تعاون وثيق بين إدارة السجن ووزارة التربية والتعليم وكان من نتائج هذا المشروع أ
العدد 1365 - الخميس 01 يونيو 2006م الموافق 04 جمادى الأولى 1427هـ