أضحكني أحد الدعاة وهو يتحدث في ندوة بعنوان «الآلام مخاض الآمال»، حينما قال للجمهور المبتهج من حوله: إن القوات الأميركية تتكبد خسائر جسيمة جداً في عدد القتلى، ولكنها تتكتم على الرقم الحقيقي، فبينما قتل نحو ألفاً منذ بداية الحرب يقال للعالم إنهم بالآلاف، وأضاف هذا الشيخ أن سائلاً توجه بسؤال عن حكم أكل السمك العراقي، إذ إن الأميركان لكثرة قتلاهم لجأوا - طمساً لحقيقة فشلهم - إلى رمي جثث جنودهم في الصحراء أو في دجلة والفرات، فـ «تسمّم السمك، وداخلته النجاسة»؟!
بهذه العقلية العاطفية لايزال بعض المشايخ والدعاة يخاطب الجمهور من حوله في سياسة لا تخلو من تجهيل واستغفال، بهذه العقلية خرج أولئك البسطاء للجهاد، ابتداء من أفغانستان وليس انتهاء بالعراق، ليتحوّلوا إلى قتلة ومجرمين، بخطاب يعتمد الإشاعات والأرقام المجهولة المصدر برزت جماعات لا تبالي بقتل أمثال خباب بن الأرتّ الصحابي الجليل، وتتساءل عن قتل الذمي، تستحل دماء الأولياء وتسأل عن دم البعوضة...
قد يتفق البعض على أن هناك مقاومة «شريفة» (بالتعبير الصدري)، وهي تتخذ أشكالاً متعددة بين الدبلوماسية والعسكرية، إلا أن هناك عنفاً يتلبّس بلباس الجهاد، ذلك العنف تغذى بخطاب انهال من كثير من بلدان العالم الإسلامي، فجرف من جرف. لقد حان الوقت لتشذيب خطاباتنا الدينية وعقلنتها، فنحن نتحمل أولاً وأخيراً كل ما يجري من مآس لأبنائنا في غوانتنامو، فهم ضحية تربية طائفية عمياء
العدد 1364 - الأربعاء 31 مايو 2006م الموافق 03 جمادى الأولى 1427هـ