من جديد تعود الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا للاجتماع اليوم في فيينا لبحث الملف النووي الإيراني، وسط خلافات في وجهات نظر القوى المعنية بالمسألة.
الاتحاد الأوروبي كرر دعوته إلى عقد لقاءات مباشرة بين طهران وواشنطن مؤكداً أن الدول الست ستقدم حزمة من الحوافز أو الاجراءات لتشجيع إيران على تليين موقفها. فالعرض كما قال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية خافيير سولانا سيكون مغرياً ولن تتردد إيران في قبوله.
الولايات المتحدة تعاني من انقسامات في إدارتها بين طرف تقوده وزيرة الخارجية كوندليزا رايس يضغط باتجاه إعطاء المزيد من الوقت للدبلوماسية وبين طرف يقوده الثنائي الشرير نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي يشترط تقديم إيران تنازلات قبل البدء في التفاوض معها، فالثنائي يرى أن سياسة الليونة التي تعتمد تقديم حوافز هي هدية مجانية تعرض على دولة معادية للسياسة الأميركية.
الخلافات لا تقتصر على الداخل الأميركي أوبين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بل تمتد أيضاً إلى موسكو وبكين. فالثنائي الروسي - الصيني يرفض الحل العسكري ويتمسك بالخيار الدبلوماسي، لأن الأول يمكن أن يجر جر منطقة «الشرق الأوسط» إلى فوضى أمنية أسوأ بكثير من تلك التي سببتها واشنطن في أفغانستان والعراق.
حتى الآن تبدو الأمور متأرجحة على «حد السيف». ولا يعرف الاتجاه الأخير الذي ستصل إليه المسألة. فأوروبا تراهن على خطوة مرنة ستقدم عليها قيادة إيران السياسية حين تسمع بالحوافز. وأميركا تراهن على فشل المفاوضات الدبلوماسية حتى تتذرع به لنقل الملف إلى مجلس الأمن واتخاذ إجراءات سلبية مالية واقتصادية وغيرها من عقوبات تعتقد أنها كافية للضغط على إيران.
طهران حتى الآن لم تتراجع، لكنها أرسلت إشارات إيجابية أبدت فيها استعدادها للتفاوض المباشر وربما البحث في تجميد أو نقل بعض الأنشطة المتصلة بتخصيب اليورانيوم. هذه المرونة تراهن عليها بعض دول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى الثنائي الروسي - الصيني. فهذه الكتلة من الدول تشكل في النهاية خط دفاع لابد منه لوقف تهور إدارة واشنطن التي لا تتردد في تسريب سيناريوهات حربية تهدد بتدمير البنى التحتية وتقويض الدولة في إيران.
الإدارة الأميركية تنتظر مفاوضات فيينا التي تبدأ أعمالها اليوم وهي تعمل علناً وفي الخفاء على تعطيل امكانات نجاحها. فالنجاح يعني بداية فشل للسياسة الأميركية في المنطقة وخطوة جديّة للضغط على «البيت الأبيض» لإعادة النظر في استراتيجيته التي اعتمدت فلسفة «الغاية تبرر الوسيلة»، وهي أن الوعود بإصلاح المنطقة تعتبر كافية لتغطية مشروع التقويض الذي بدأ في أفغانستان ولا يريد له أن ينتهي في العراق.
واشنطن تراهن على فشل مفاوضات فيينا بل إنها تتحدى الدول الأوروبية وتعارض من ناحية المبدأ تقديم تلك «الحوافز». كذلك تتمنى إدارة «البيت الأبيض» أن ترفض طهران ما يسمى بالاجراءات التشجيعية حتى تكسب جولة في إطار خطة نقل الملف إلى مجلس الأمن وتدويله تمهيداً لعسكرته.
السياسة الأميركية حتى الآن لم تتغير على رغم مشاهد البؤس والدمار والخراب التي تظهر يومياً على شاشات التلفزة والفضائيات من كابول إلى البصرة وبغداد. فالولايات المتحدة ترى، بدعم من الحكومة البريطانية، ما يحصل هو مجرد مشاهد مؤقتة وعابرة وستأتي بعدها فترة استقرار تساعد على البناء وصناعة «الديمقراطية».
هذا العناد في قراءة الحوادث يدل على أن القوى الشريرة التي تدير مفاتيح القرار في واشنطن ولندن لاتزال تتحكم بتلك الآلة العسكرية التي ترى فيها قوة بطش تختصر الزمن وتعدل الموازين وتعيد تشكيل توازنات على الأرض تسهل لاحقاً على الإدارة إعادة رسم خريطة «الشرق الأوسط».
هذه القناعات العنصرية تختزن الكثير من الكذب والسذاجة، لكنها لاتزال تسيطر على عقل الثنائي بوش - بلير. فهذا الثنائي اعترف أخيراً في مؤتمر صحافي مشترك عقد في «البيت الأبيض» بوجود أخطاء وارتكاب تجاوزات ولكنه لم يعتذر عن الخطأ الأصلي الذي سبب كل تلك الترددات السلبية. فالثنائي أشار إلى أخطاء ارتكبت في النتائج ولم يتراجع أو يعتذر عن «أم الأخطاء» التي ولدت كل تلك الكوارث في افغانستان والعراق.
يراهن هذا العقل الشرير على فشل مفاوضات فيينا ليعطي نفسه فرصة ثالثة لاستكمال ما بدأه من سياسات تقويض في كابول وبغداد. فهل تقطع الدول المجتمعة اليوم الطريق على واشنطن التي تعاني من عجز تجاري بلغ مليار دولار في العام الماضي أم تواصل «أم الاخطاء» سياسة الشر بذريعة الإصلاح والديمقراطية؟ الإجابة مرهونة بمدى جدية تلك الحزمة من الحوافز
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1364 - الأربعاء 31 مايو 2006م الموافق 03 جمادى الأولى 1427هـ