العدد 1364 - الأربعاء 31 مايو 2006م الموافق 03 جمادى الأولى 1427هـ

دراسة تدعو دول الخليج إلى النظر في معايير الوحدة النقدية

المنامة - المحرر الاقتصادي 

31 مايو 2006

دعت دراسة اقتصادية دول مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة النظر في معايير الوحدة النقدية فيما بينها وذلك لضمان الاستقرار الطويل الأجل للوحدة النقدية وعدم تعرضها لهزات في حال نضوب النفط عند بعض هذه الدول أو في حال تراجع إيرادات النفط في المستقبل.

وأضافت الدراسة التي أعدها مسئول الخزانة والأسواق العالمية في بنك ستاندر شارترد، دانيل حنا ان دول مجلس التعاون الخليجي اتفقت على تبني معايير الوحدة الأوروبية نفسها بحسب اتفاق »ماسترخيت» وهو: ألا يتجاوز العجز في الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي في المئة، وألا يتجاوز الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في المئة، ويجب أن تزيد الاحتياطيات الأجنبية عن حجم الواردات لمدة أربع شهور وألا تزيد أسعار الفائدة عن متوسط أقل أسعار فائدة في دول بأكثر من في المئة، وأن لا يزيد معدل التضخم عن المعدل الموزون لمعدلات التضخم في الدول الست بأكثر من في المئة. وفي حين اعتبر اتفاق ماسترخيت هذه المعايير شرطاً للانضمام للاتحاد الأوروبي، فإنه في حالة الدول الخليجية اعتبرت معايير لازمة للتوصل إلى الوحدة النقدية بحلول العام .

وأوضحت الدراسة أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الثلاث الماضية، مكن جميع الدول الخليجية الست الالتزام بالمعايير الأربع الأولى في نهاية العام الماضي. بينما في العام كان المعيار الثالث بالنسبة إلى البحرين أقل من النسبة المستهدفة بقليل (الاحتياطيات تعادل , مرات من الواردات)، والمعيار الثاني لدى السعودية يتجاوز قليلا النسبة المستهدفة إذ كان نسبته في المئة إلا أنه انخفض إلى في المئة العام . أما بالنسبة إلى المعيار الخامس والخاص بالتضخم فقد مثل بعض التحدي خصوصاً في البحرين وقطر والإمارات، إذ زاد في البحرين معدل التضخم بنسبة بسيطة، بينما اتسم الاقتصادان القطري والإماراتي بارتفاع معدلات التضخم فيهما طوال العقد الماضي. ومع ذلك، لم يكن لهذا الارتفاع تأثير واضح على القدرة التنافسية للصادرات من خلال التأثير على أسعار الصرف كون معظم الصادرات تتمثل في النفط (06 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي).

كما تتمتع دول المجلس بمزايا إضافية يسهل توصلها إلى الوحدة النقدية بخلاف وضع الدول الأوروبية. فهذه الدول تتشابه من حيث هياكلها الإنتاجية، واستقرار أسعار الصرف طوال العقدين الماضيين، إلى جانب تشابه التحديات الاجتماعية والثقافية، ووحدة الدين واللغة، والوضع نفسه بالنسبة إلى أسواق العمل. كما أنها اتخذت الكثير من الخطوات مثل الاتحاد الجمركي وتحرير حركة رؤوس الأموال والاستثمارات والتجارة والمواطنين، وهي جميعها تدفع باتجاه الوحدة النقدية مستقبلا.

وفي الوقت الذي يبدو واضحا أن معايير التوصل والدخول في وحدة نقدية خليجية العام تبدو سهلة نسبيا، فإن إضفاء الاستقرار الطويل الأجل على هذه الوحدة يتطلب إعادة النظر في بعض معايير الوحدة النقدية المشتقة من التجربة الأوروبية نظرا لاختلاف الأوضاع والهياكل الاقتصادية للبلدان في كلا المجموعتين. ففي حالة الدول الخليجية الست، فإن الاستقرار الطويل الأجل للوحدة النقدية سيعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية وهي: أولا: الانخفاض التدريجي في الإيرادات النفطية، إذ من المعروف أن ثلاث دول خليجية هي البحرين وقطر وسلطنة عمان يتوقع نضوب مواردها النفطية خلال العقدين المقبلين. غير انه في حالة قطر ستعوض ذلك عن طريق إنتاج الغاز الذي يتوقع أن تكفي احتياطياته لمدة سنة وفقا لمعدلات الاستهلاك الحالية. ثانيا: عملية التنويع الاقتصادي وخفض الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية، إذ يلاحظ هنا أيضا تفاوت درجة نجاح الدول الست في تحقيق هذا الهدف. ثالثا: الضغوط المتعلقة بالنمو السكاني وأسواق العمل، إذ تعاني بعض الدول الخليجية من ضغوط حادة فيما يخص توفير فرص العمل للمواطنين بينما لا تزال هذه الضغوط في بدايتها في دول أخرى. وتبلغ نسبة المواطنين الخليجيين ما دون سن العشرين نحو في المئة من السكان، بينما يتوقع نمو حجم القوى العاملة بنسبة في المئة حتى العام . لذلك، فإن معدلات البطالة في بعض هذه الدولة بدأت منذ الآن بالارتفاع إلى مستويات مقلقة.

ونظر لهذه الأوضاع، فإن دول الخليج الست ستواجه تحدي التعويض عن الإيرادات النفطية في أزمنة متفاوتة بعضها خلال عاما والبعض الآخر مثل دولة الإمارات خلال مئة عام. كما أن زيادة مساهمة العمالة الوطنية في القوى العاملة سيكون له مردود إيجابي على الاقتصاد ككل، إلا أنه سيقلص من مرونة تكيف هذه الأسواق من حيث الأجور في حال تراجع النشاط الاقتصادي. كما أن معدلات الصرف ستتأثر بدورها من هذه الفروق في الأداء الاقتصادي.

ونتيجة لهذه المعطيات، توضح الدراسة أن معايير الوحدة النقدية الأوروبية غير دقيقة في حالة الدول الخليجية الست، وخصوصاً معيار نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي والذي يفترض ألا يتجاوز نسبة في المئة. ففي حالة الدول الأوروبية، تم وضع النسبة كمعيار حمائي كيلا ينتقل الوضع المالي المتدهور في أي بلد أوروبي إلى البلدان الأخرى، ويعرض الاستقرار النقدي الأوروبي للخطر.

كما أن اختيار هذا المعيار والمعيار الأول الخاص بنسبة العجز إلى الناتج المحلي استند على التوقعات المستقبلية الطويلة الأجل لمعدلات التضخم (2 في المئة) والنمو الاقتصادي (3 في المئة). إلا أنه في حالة الدول الخليجية، فإنه لا يمكن الركون على مثل هذه التوقعات كونها تتجاهل حقيقة دور الإيرادات النفطية وتأثيرها على نسبة العجز إلى الناتج المحلي ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي (المعياران الأول والثاني).

لذلك، فإن ربط العجز في الموازنة إلى الرصيد الكلي للإيرادات قد يعطي دلالة خاطئة على مدى سلامة الوضع المالي للدولة وذلك عائد أولا إلى التقلبات المستمرة في أسعار النفط وثانيا تعرض الموارد النفطية للنضوب. ففي الدول المعتمدة على النفط، فإن زيادة الإنفاق العام مرتبطة بزيادة الإيرادات النفطية المرتبطة بدورها بزيادة أسعار النفط في الأسواق العالمية. ولكن أظهرت التجربة السابقة في حالة عدم استمرار ارتفاع أسعار النفط العالمية، فإن دول الخليج الست لا تتمكن من خفض النفقات بنفس وتيرة انخفاض الإيرادات، وأنها تلجأ إما إلى استخدام الاحتياطيات النفطية أو الدين العام، كما حصل في الثمانينات والتسعينات إذ بلغت نسبة الدين العام في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما تجاوزت نسبة العجز في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في بعض هذه الدول.

كما ينطبق الوضع نفسه على الدول التي سينضب النفط لديها خلال العشرين عاما المقبلة، وهذا يعني من وجهة نظر الاتحاد النقدي أن معايير الاتحاد ستخضع للاختراق من قبل هذه الدول مما يعرض صدقية الوحدة النقدية ككل للاهتزاز. وهذا من وجهة نظر الدراسة يمثل أخطر تحد أمام الوحدة النقدية.

وتقترح الدراسة أن يتم تبني معايير مالية للوحدة النقدية تمثل بشكل أدق العوامل الأساسية المتحكمة في استقرار الأوضاع المالية في دول التعاون الست، وتساعدها في المحصلة النهائية على الاستعداد التدريجي لمرحلة نضوب النفط والإيرادات المتأتية منه. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني معيار العجز المالي غير النفطي، وهو يعني الرصيد المالي الكلي مطروح منه الإيرادات النفطية.

وبالتالي، فإن على السياسة المالية لدى هذه الدول أن تعمل على تحقيق نسبة من العجز المالي غير النفطي التي تسمح بتراكم الموجودات المالية، وبحيث يمول العائد المتأتي من هذه الموجودات العجز المالي غير النفطي المستهدف عندما يحين موعد نضوب الموارد المتأتية من النفط والغاز. وهذا يضمن بدوره توزيع مدة استهلاك الثروة النفطية على الأجيال بصورة عادلة، كما يضمن لدول المجلس أن كل دولة عضو قد ضمنت الاستقرار لمواردها المالية على المدى الطويل.

إن تقدير حجم العجز المالي غير النفطي لكل دولة خليجية سيعتمد على حساب حجم الثروات النفطية لدى كل منها، وتقدير معدلات النمو السكاني المستقبلية. وتؤكد الدراسة أنه استنادا إلى هذا المعيار يجب النظر إلى الموارد النفطية لدول الخليج الست كعملية تحويل الثروة النفطية إلى ثروة مالية، كما يجب معاملة عوائد النفط والغاز ليس كإيرادات، وإنما استثمار أو استهلاك موجودات البلد. وبدورها فإن عملية احتساب الثروة النفطية الكلية ستعتمد على تقدير حجم الاحتياطيات والأسعار المستقبلية المتوقعة للنفط والغاز

العدد 1364 - الأربعاء 31 مايو 2006م الموافق 03 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً