في 22 من شهر فبراير/ شباط الماضي، أضِيفَت لقاموس الخطاب السياسي مفردة جديدة شكْلها وسياقها مختلف. ففي ذلك اليوم (الثلثاء)، ألقى الزعيم الليبي العقيد معمَّر القذافي خطاباً من داخل منزله الذي هَدَّتهُ غارة أميركية استهدفته في العام 1986م قال فيه بالحرف «أنا أوجِّه نداء للملايين، من الصحراء إلى الصحراء، سنزحف والملايين لتطهير ليبيا شِبر شِبر، بيت بيت، دار دار، زَنْقَة زَنْقَة، فرد فرد، حتى تتطهَّر البلد من الدَّنس والأرجاس».
استَهَوى الجميع كلمة زَنْقَة زَنْقَة دون غيرها من الكلمات نظراً لموسيقيتها على الأذن وغرابة لفظها. كرَّرَها الأطفال كما الكبار في كلّ محفل ومكان. بل وأصبحت في مرات كثيرة مدعاة للسُّخرية سواء في نَغَمَات الهواتف الجوَّالة، أو في محتوى البريد الإلكتروني. وقد قادني الفضول حينها لأن أبحث عن معنى هذه المفردة في معاجم اللغة العربية فوجدت أن لسان العرب قد ذَكَرَ بأن الزَّنَقة هي: ميلٌ في جدار أو سكة (ضيِّقة) أو ناحيةِ دارٍ أو عُرْقوب وادٍ، يكون فيه التواء كالمَدْخَل، وهكذا قالها القاموس المحيط، والصِّحاح في اللغة ومقاييسها.
لكن، ما بين هَزليَّة التناول وجِدَّته لمفردة زَنْقَة زَنْقَة، ظَهَرَ أن ما كان يقوله العقيد القذافي في خطابه، لا يستحق كلّ هذا التهكُّم والضحك من المتهكِّمين والضاحكين، سواء أكَان ذلك على اللفظ، أو على قوَّة الرجل السياسية والعسكرية وفرصة بقائه في السلطة مدة أطول. فما نراه اليوم بعد تمرُّد الشرق الليبي في بنغازي، وغارات الأطلسي على المناطق التي يُسيطر عليها القذافي أهمها العاصمة، هي معادلة غريبة جداً بما للكلمة من معنى.
عالَم غربي مُجمِعٌ على خلع الشَّرعية عن العقيد الليبي، ويعتبر وجوده إلى زوال حتمي، ثم يقوم بِدَكِّ العاصمة طرابلس ومحيطها ومبانيها الحيوية بالطائرات الحربية، ويُدمِّر أجهزة اتصالاتها، مع قصف مُركَّز على خطوط الجبهة الأمامية لما يُسمَّى بكتائب القذافي، ولمخازن السلاح والذخيرة، مع معارضة عسكرية كبيرة في العِدَّة والعتاد، وتحظى بدعم إقليمي ودولي واسع على جميع المستويات، دون أن يحدث تغيير في الموقف الحربي على الأرض، يُوازي ما تقوم به المعارضة الليبية المسلحة ومعها قوات حلف شمال الأطلسي هو أمر غريب فعلاً.
عندما كنتُ أقرأ الحلقات الخمس من مقابلة مُطوَّلة، أجرتها صحيفة «الحياة» اللندنية مع مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة عبدالرحمن شلقم والذي انضمّ إلى صفوف المعارضة الليبية، والذي كان يتحدث فيها عن شخصية العقيد القذافي وعائلته وشبكة علاقاته، وأطوار تفكيره الغريبة، تخيَّلت نفسي وأنا أقرأ مُذكرات رجلٍ حي عن آخر مَيِّت.
الرجل الحي هو شلقم، والرجل الميِّت هو القذافي. هكذا أوحى شلقم للقارئ دون أن يُدرك، وفي اعتقادي فقد أخطأ في تقدير قوة وشكل ذلك النظام؛ رغم أنه عَمِلَ معه منذ العام 1974م وعرِف أسراره ودهاليز علاقته، وتقلَّد بداخله مناصب سياسية عدَّة أرفعها، منصب وزير الخارجية، أو كما يُسمّى في ليبيا والكتاب الأخضر بـ «أمين اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي للجماهيرية العربية الشعبية الاشتراكية العظمى».
صحيح أن النظام في ليبيا يُديره القذافي بالهاتف كما كان يقول شلقم، وصحيح أن ليبيا هي من الدول العشرين الأكثر فقراً في العالم، وأن كرسي القذافي فوق كل اعتبار كما قال شلقم أيضاً، لكن الحقيقة هي أن معمَّر القذافي لا يبدو بهذا الضعف الذي رُوِّجَ له، لا مِن قِبَل المعارضة ولا الغرب معاً. فالميدان أظهر أن نظام القذافي، هو ليس في فرو دولة وجغرافيا لا خيوط بها، أو ليس بها بيروقراطية عسكرية في أضعف الأحوال. الموضوع غير ذلك تماماً.
هنا، هل يبدو أن في الأمر لغزاً وسراً؟ كلا، الموضوع ليس به لغز ولا سر، بل هو في أوضح أوضاعه. فالقضية ليست في أن القذافي ولا نظامه، يمتلكان قوَّة ذاتية أبداً؛ وإنما المشكلة هي في قيام المعارضة السياسية بتعمير السلاح، وتحوّلها من معارضة تقوم على الجماهير، والشارع إلى معارضة تقوم على العمل الحربي. وقد وجَدَ القذافي في ذلك فرصة لتعييرها بالعمالة، وإظهار نفسه بالرجل المستهدف من «المستعمِر الخارجي» ثم العمل الممزوج بالمصالح القبلية والدينية، والاستعانة بالمخزون البشري الإفريقي إلى أبعد الحدود، بالضبط مثلما استطاع فرانكو أن يُبقِي حكمه في إسبانيا من خلال خمسين ألفاً من المغاربة الريغولاريس منذ العام 1936م!
لقد كانت ليبيا بعد حركة 17 فبراير ذاهِبة إلى تفسّخ النظام من الداخل وترهّله بعد استقالة عدد كبير من طاقمها الدبلوماسي في الخارج وفي طليعتهم مندوبها في الأمم المتحدة عبدالرحمن شلقم، وكذلك استقالة عدد مماثل من طاقمها الأمني في الداخل كرئيس الاستخبارات موسى كوسى، ووزير الداخلية عبدالفتاح يونس، وانشطار الستين قبيلة التي يستوي عليها المجتمع الليبي من الشرق إلى الغرب إلى سماطين، مع توسّع في المظاهرات الشعبية التي كانت تقترب من العاصمة الليبية ومحيطها شيئاً فشيئاً.
وبالتالي فقد كانت الثورة الشعبية في ليبيا تقترب من خنق عنق النظام بشكل سَلِس. وهي وإن لن تقم بتذويبه بالكامل، فإنها بالتأكيد ستكون في وارد عملية جراحية غائرة في عظمه السَّميك، واستبدال بنيته التحتية عبر نزع الطاعة عنه. لكن ومع الأسف استمرأت المعارضة أن تقوم بعسكرة تحركها بالتحالف مع حلف الناتو، ليجد النظام في ليبيا نفسه أمام طوق النجاة، القائم على الشعار الديني مدفوع الأجر، وعلى النزعات القومية الحادة.
المعارضة الليبية تقول اليوم: بأن القذافي لا يعرف كيف يُصنع القرار، ولا كيمياء العملية السياسية في الغرب والشرق، ولا يعرف تفكيك أي مشكلة ليعيد تركيبها، لكن الحقيقة المرَّة هي أنه غير ذلك. فقد استطاع بيْعَ هذه المعارضة في سوق النَّخَّاسين في العام 2004م عندما فكَّك برنامج أسلحته للدمار الشامل ويُقيم علاقات غزل فاحش مع الغرب على حسابها، ويُستقبل استقبال الزعماء والقادة الأبطال، بالهيئة التي يريدها هو، وبخيمته وجِماله. وأخوف ما يُخاف منه هو أن يستطيع ذلك أيضاً في هذه المرة، مع توسّع المعركة من سياسية إلى عسكرية، وهي المجال الذي تكون فيه المساومات أدسم. والبوادر في ذلك شاهدة
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3257 - الأحد 07 أغسطس 2011م الموافق 07 رمضان 1432هـ
إلى زائر رقم 4
المهم أن الناتو جاء وقصف وانتهى الامر سواء جاء عبر الامم المتحدة أو جامعة الدول العربية. لم يصبر الليبون كثيرا لكي يتحولوا من سلميين إلى عسكريين وهذي هي المشكلة
جانبك الصواب
يبدوا أن الكتاب ليس على علاقة وثيقة بالمشهد الليبي ، و كل تدليل على ان هناك تحالف بين المعارضة و الناتو هو استدلل غير منطقي ، الجامعة العربية و منظمة المؤتمر الاسلامي وقفتا بدون حراك حول ماجرى من مذابح ذهب ضحيتها 10الالاف قتيل ، وعمليات تدمير و اغتصاب ، و تم تفويض الامم المتحدة وليس الناتو ، ولم يفعل العرب بعد التفويض أي شي و هو نفس مايحصل الان في سوريا ، يجب ان نخرج من طوبية فكرة أننا مابين مستبد او استعمار ،الثوار ينقصهم السلاح ، و نحن ندعوا كل العرب الى تحرير بلدانهم قبل تحرير فلسطين
خبر آخر
وقال قائد ميداني للثوار إن 1500 من المقاتلين انضموا للمعركة، التي تبادل فيها الطرفان القصف بالصواريخ قبل أن تندلع اشتباكات بالأسلحة، استمرت خمس ساعات (((نقلا عن سي إن إن)))
آخر الأخبار
قوات القذافي تستعيد بلدة بئر الغنم الاستراتيجية بعد يوم فقط من استيلاء الثوار عليها
شكر وعرفان
شكرا لك اخ عبدالله هذه هى الحقيقه الماثله وهذا هو الواقع لقد قدم المتمردون الليبيون ولا اقول الانتفاضه ارض ليبيا وبنيتها التحتيه وامنها وسلامة شعبها على طبق من ذهب لحلف الناتو
الحقيقه ان فى استطاعت الناتو دخول مقر القزافى فى ساعات قلائل ولكن الهدف هو تدمير البنيه التحتيه للبلد وظهور عراق اخر
وعلى اسرائيل ان تمد رجليها
سودانى مقيم