العدد 3256 - السبت 06 أغسطس 2011م الموافق 06 رمضان 1432هـ

ماذا لو كان التعليم «من أجل حقوق الإنسان»؟

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

يرتبط المشهد التعليمي عموماً بكثير من المواقف والأحداث اليومية التي تلامس مباشرة جوهر الفكرة التي على أساسها انبثق برنامج «التربية على حقوق الإنسان».

للتأكيد على هذا المعنى، يروي لنا معلم بالمرحلة الإعدادية موقفاً تعرّض له شخصياً أثناء قيامه بمهمة التدريس، حيث رأى طالباً يسخر من لون بشرة زميل له بالصف.

ماذا تتوقعون ردة فعل المعلم؟ سأل الطالب الساخر: ما الذي قلته لزميلك؟ فأجاب متهكماً: أسود! حينها نظر المعلم في وجه الطالب الآخر، وهو في حالة صمت وامتعاض، وقد تمكنت الدمعة في مقلتيه.

بكل هدوء وعفوية، تدخَّل المعلم واتبع استراتيجية الحوار ليقول للطالب الآخر: عزيزي الطالب... لماذا أنت منزعج من هذا التوصيف؟ قل له: إنني أفخر بأنَّ لون بشرتي هو اللون ذاته الذي يكتب به القرآن الكريم! فما كان من الطلاب إلا أن قاموا بالتصفيق للمعلم على جوابه العفوي الذي ينمّ عن وعيه وإدراكه بأهمية تعزيز قيم العيش المشترك، ونبذ كل ألوان التمييز أو التعصب تحت أي عنوان، فالمعلم هنا يوجِّه سلوكاً تربوياً مناهضاً لمبادئ حقوق الإنسان، بصرف النظر في أي حقل تعليمي يقع مجال تخصصه، كما يُحسب له قدرته على التعاطي الإيجابي والمسئول مع كل ما من شأنه تنمية الاتجاهات السليمة لدى الطلبة.

الموقف التعليمي السابق يضعنا أمام سؤال منهجي، ونحن في مرحلة إعداد خطة وطنية شاملة لدمج مبادئ حقوق الإنسان في مؤسساتنا التعليمية، فهل المطلوب إعداد معلمين لتدريس مادة «حقوق الإنسان»؟ بمعنى آخر: هل نريد تعليم «حقوق الإنسان»، أم نريد تعليماً «من أجل حقوق الإنسان»؟

للإجابة عن ذلك نقول بأن القضية ليست ذات أبعاد فلسفية معقدة، فغاية ما في الأمر ارتباط تعليم حقوق الإنسان بالقيمة الأخلاقية لدى الفرد، فبقدر التزام المعلم وقناعته الشخصية بهذه المبادئ، تتحقق الغاية الأسمى من العملية التربوية، فالتعليم من أجل حقوق الإنسان إنما يعني تعليم الطلبة على كيفية احترام حقوق الآخرين وحمايتها.

ربما لن يكون بوسع الطالب إدراك حقوقه ليدافع عنها لاحقاً إلا إذا اطلع على المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فهي تنطبق على جميع البشر، وليس بالإمكان تجزئتها. ولن يكتسب الطالب مهارات الإصغاء إلا إذا أدرك حقوق الآخرين في التعبير عن آرائهم، كما لا تزيد قناعاته بضرورة التعايش وتجنب الصراع إلا إذا تعرّض لمواقف عملية كما تطرقنا إلى قصة ذلك المعلم في بداية المقال.

إذاً، فالتربية على حقوق الإنسان تجعل من الطالب عنصراً إيجابياً وفاعلاً في البيئة المدرسية، بدلاً من كونه مجرد متلقٍّ سلبي للمعلومة أو الخبرة التي يقدمها له المعلم، فهو شريك حقيقي، وإذا تعرف على حقوقه فإنه لن يتردد يوماً بأن يقول للمعلم الذي لا يترك المجال للطلبة للتعبير عن آرائهم، بأن تصرفك هذا يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان!

واحدة من الملاحظات التفصيلية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تعليم حقوق الإنسان، تجنب الأسلوب التقليدي في كتابة عنوان الدرس على السبورة قبل بدء الحصة، أعني بذلك الطريقة القياسية التي تتقدم القاعدة في الدرس (من العام إلى الخاص) والتي لا تكرِّس عند الطلبة سوى الحفظ والتكرار، وإنما الأنسب تبنِّي الطريقة الاستقرائية (من الخاص إلى العام)، فالمعلم إنما يحرق درسه عندما يكتب مثلاً عنوان الدرس «المحافظة على الممتلكات العامة» قبل أن يلفت نظرهم مسبقاً ويناقشهم في بعض الكتابات والعبارات والرسومات العبثية لبعض الطلبة على جدران الصف أو الطاولات وغيرها، والتي تشوِّه مفهوم التربية الجمالية على سبيل المثال.

لدينا تجربة في منهج «التربية للمواطنة» بجميع المراحل التعليمية، ولكن الملاحظ أن من يقومون بتدريس هذا المقرر هم فقط معلمو المواد الاجتماعية، وبالتالي فصلنا هذا المقرر عن سائر المقررات الدراسية الأخرى. ويمكن القول، ومن وحي التجربة العملية، إن علينا في مرحلة تدريس مبادئ حقوق الإنسان اعتماد المنهج التكاملي بين المواد الدراسية بعضها البعض، فليس من المعقول الوقوع في الأخطاء نفسها كما اختزلنا مقرر «التربية للمواطنة» في قسم من الأقسام بالمدرسة.

لا يصح النظر إلى المسألة بهذه الصورة، فنحن نتعامل مع منظومة حقوقية متكاملة يتفاعل من خلالها كل من له صلة مباشرة أو غير مباشرة بالحقل التعليمي، سواءً كان المعلم (أياً كان مجال تخصصه) أو الطالب أو الإدارة المدرسية أو القيادات التعليمية أو المجتمع المدرسي بوجه عام، لذا فإن من المهم إجراء عمليات تقييم ومراجعة مستمرة لمقرر «التربية للمواطنة»، للوقوف على نقاط القوة والضعف فيه، وذلك قبل البدء في تدريس «حقوق الإنسان»، كمادة دراسية.

قبل أيام أعلنت وزارة التربية والتعليم عن إعداد خطة لتطبيق النقاط الواردة في البرنامج العالمي للتثقيف في مجال حقوق الإنسان بالتعاون مع بيوت الخبرة العالمية، مثل «اليونسكو» وعدد من المؤسسات المتخصصة في مجال المواطنة والمهارات الحياتية وحقوق الإنسان في المناهج الدراسية، وذلك بالاستفادة من الكتب والمطبوعات التابعة لمنظمة العفو الدولية وغيرها، حيث سيتم البدء بتدريب المعلمين مطلع العام الدراسي المقبل 2011ـ2012 على كيفية استخدام عدد من الأنشطة في تنمية الوعي بمبادئ حقوق الإنسان.

وبحسب الوزارة، فإن هذا البرنامج أثبت فاعليته ونجاحه كوسيلة لتطوير استراتيجيات التعلم مع الأطفال من سن 6-12 سنة لحل مشاكل الإقصاء والتمييز والاختلاف الثقافي وانتهاكات حقوق الطفل والنزاعات وتعزيز السلوك الإيجابي في عدد من الدول العربية، مثل اليمن والعراق وفلسطين والأردن والمغرب ومصر.

في السياق ذاته، فإن ثمة تحركات على المستوى الرسمي، فقد ترأس وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي، اجتماعاً مع المسئولين في الوزارة بهدف تنفيذ توجيهات مجلس الوزراء بشأن تشكيل فريق عمل لتفعيل المرئيات التي تم الاتفاق عليها في حوار التوافق الوطني، وفق خطة وجدول زمني محدد.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فمن ضمن المرئيات التي تمَّ التوافق عليها في حوار التوافق الوطني (المحور الحقوقي) «تعزيز مبادئ حقوق الإنسان في المناهج التعليمية»، حيث تمت مناقشة صياغة المرئية لتظهر بالشكل الملائم من حيث الدقة والمضمون، إذ تم استبدال كلمة «تعزيز»، بكلمة «تضمين» باعتبار أننا لم نبدأ فعلياً بتطبيق برنامج يختص بالتربية في مجال حقوق الإنسان، ولأن كلمة «تضمين» تتطابق تماماً مع البند (4) الوارد في المادة (3) لقانون رقم (27) لسنة 2005 بشأن التعليم

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3256 - السبت 06 أغسطس 2011م الموافق 06 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:10 ص

      كلام خطير

      لو تعلم كل ابناء البحرين بكل تلاونهم مباديء حقوق الانسان وتحولت هذه المبادئ الي ثقافة عامة ستكون أيها الفاضل استاذ فاضل قد خربت بيوت من يعيشون علي التفرقة ولن يجدوا عمل وتزيد البطالة أهذا ما تريد

    • زائر 1 | 6:37 ص

      مقال في وقته

      ما احوجنا لبناء جيل يتشرب قيم حقوق الانسان وكما ذكرت استاذي العزيز يتوجب انتهاج المنهج التكاملي في تضمين الممارسات التربوية في المؤسسات التعليمية لمبادئ حقوق الانسان. بدءاً من مكتب الوزير وصولا لغرفة الفراش، يجب على الجميع ممارسة احترام الآخر واحترام حقوق الانسان. .........

اقرأ ايضاً