قال الشيخ عائض القرني قبل عدة أيام على برنامجه الرمضاني (نبض): «إن الخطاب الديني اليوم يعاني أزمة فهم». ثم عرّج على بعض الممارسات الخاطئة التي يقوم بها (بعض) المتديّنين الذين يُحسنون التعامل مع الله ويحرصون على أداء عباداته بانتظام ولكنهم لا يحسنون التعامل مع البشر. ولقد صدق الشيخ الفاضل في كلامه، وأزيد عليه بأن الخطاب الديني - وليس الدين - يعاني أزمة وعي على مستوى المفاهيم والمبادئ وليس على مستوى الممارسات فقط، فالمنظومة المعرفية التي يستقي منها الخطاب الديني السلفي مفاهيمه تعاني بعض أجزائها من انفصامٍ عن الواقع الذي نعيشه، ناهيك عن أحادية طرحه أو ما يسمى بـ «الدوغمائية»، وتعني التعصب لفكرة معينة والاعتقاد المطلق بصحتها دون قبول النقاش فيها، ما أدى إلى تأزم العلاقة بين رجال الخطاب وبين أفراد المجتمع. فهم إما منساقون لكلامهم كلّه دون إعمالٍ للعقل، أو مخالفون له كله دون إعمال للعقل أيضاً، وقلما تجد من يقف على الحياد.
نقصد بالمنظومة المعرفية أي الكتب والأخبار والأدوات والرجال الذين يستقي منهم الخطاب الديني مكوّناته الإنتاجية اليوم، فلا يختلف أحدٌ على القدسية المطلقة لكلام الله عز وجل وكلام نبيه عليه الصلاة والسلام، ولكن الأزمة تشكلت عندما تم إضفاء قدر مشابه من القدسية على من يفسّر النص المقدس ويؤوله، فأصبح فهم هؤلاء البشر وكلامهم هو الإطار المعتمد والموحد لمن أتى بعدهم من طلبة العلم، وصارت كتبهم، كالتفاسير والشروحات، نصوصاً مُطلقة الصّحة على رغم تغير العصور. وأريد هنا أن أقف على نظرة تلك النصوص البشرية للمرأة في ذلك الزمن كمثال، حيث يقول أبوحامد الغزالي في إحياء علوم الدين في (باب آداب المعاشرة)، الأدب الثاني: «حُسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن ترحماً عليهن لقصور عقلهن»، ثم يورد وهو يوجّه الرجل في كيفية التعامل معهن في الأدب الرابع: «ألا يتبسّط في الدعابة وحسن الخلق والموافقة باتباع هواها إلى حد يفسد خلقها ويسقط بالكلية هيبته عندها». ثم يذكر قولاً لعمر بن الخطاب: «خالفوا النساء فإن في خلافهنّ بركة»، وقولاً آخر للشافعي: «ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك، وإن أهنتهم أكرموك: المرأة، والخادم، والنبطي». ولست متأكداً إن كان هذان القولان لعمر رضي الله عنه والشافعي أم لا!
وفي تفسير قوله تعالى: «الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض» يقول الطبري: «يعني في قوله، جل ثناؤه، الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن». ثم يورِدُ في تفصيل شرح الآية قولاً للزهري: «لو أن رجلا شجّ امرأته أو جرحها لم يكن عليه في ذلك قود، وكان عليه العقل ألا يعدو عليها فيقتلها». أما القرطبي فيقول في شرح الآية: «ودلّت هذه الآية على تأديب الرجال نسائهم، فإن حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسيء الرجل عشرتها، فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها».
يعلم الله أنني أحب هؤلاء العلماء الأفاضل وأجلّهم كثيراً، وخصوصاً الطبري الذي تعلمتُ منه الكثير، والإمام الشافعي الذي حفظتُ من شعره الكثير، أما سيدنا عمر رضي الله عنه فهو إمامٌ للحق بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولكنني عندما أُورِدُ هذه الأمثلة إنما أردتُ الإشارة إلى بعض المصادر التي يبني عليها المسلمون اليوم مفاهيم كثيرة في التعامل بينهم، وإذا ما حاول أحدٌ نقد هذه الأفكار، التي قد تكون صحيحة لزمنها، رُمِيَ بكرهه للدين وبالعلمانية وبغيرها من الأوصاف.
أتساءل أحياناً: لماذا يرتكز الإرهابيون الذين يصفون أنفسهم بـ «المسلمين» على نصوص مقدسة من القرآن والسنة، كسورة براءة، في أعمالهم التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، بينما لا يستطيع المسيحي فعل ذلك! لا يعني هذا أن الإسلام دينٌ يدعو إلى الإرهاب، ولكن تأويل بعض العلماء عبر التاريخ لبعض الآيات والأحاديث أعطى مسوّغاً للإرهابيين اليوم لكي يحتجّوا بها في عملياتهم. في أوروبا منذ القرن السادس عشر وعلى مدى ثلاثة قرون قام المفكرون في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا بنقد جاد ورصين للمفاهيم التي كانت تروّجها الكنيسة للنصوص الدينية آنذاك، واستطاعوا أن يفندوا كل مزاعم تطرفية قائمة على الدين، وهذا ما نحتاجه في العالم الإسلامي اليوم، دون أن ننزع الدين العظيم من حياتنا، بل نريد مراجعة لكثير من كتب التراث والتفاسير من قبل علماء دين وفلاسفة ومفكرين وعلماء اجتماع وأنثروبولوجيا وخبراء تاريخ معاً، فالنصوص المقدسة أعظم من أن يدرسها طلاب العلم الشرعي فقط، والهدف هو أن نصل إلى تأويلات ومفاهيم قريبة من واقعنا وقريبة من روح النصوص أيضاً. يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «القرآن حمّال أوجه»، أي أن دلالات مفرداته واسعة، وتحتمل آياته الكريمات وجوهاً عدة من التأويل والفهم.
إن من يتتبع نظرة الخطاب الديني إلى المرأة اليوم يجدها تكاد تكون مطابقة لما كانت عليه قبل ألف عام، حيث تتشابه الأنساق الفكرية لرجال الخطاب الأجلاء مع أسلافهم على رغم تباين ظروفهم، وقِس على ذلك تأصيل قضايا مصيرية أخرى كالحريات الفردية، ولذلك فإن العقل الإسلامي اليوم في حاجة إلى الخروج من بوتقة التقليد الأعمى، ليس من أجل إلغاء القديم بل من أجل بناء منظومة معرفية جديدة. فعندما ننقد شيئاً بحياديةٍ، فإننا نسعى إلى فهمه وليس إلى نقضه، ولا يكون النقد حيادياً إلا عندما يتحرر عقل الإنسان من العبودية الفكرية لأخيه الإنسان
إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"العدد 3254 - الخميس 04 أغسطس 2011م الموافق 04 رمضان 1432هـ
شيخ
زائر 4 الشيخ القرني اصاب في كلامة لاننا بشر غير معصومون عن الخطا ولا تظن ان من يخطى ويصحح خطئة فهذة سبة في شخصة بل هذا من نعم الله علينا
خطأ العنوان الكبير والمقدمة
نعم بلا شك نساؤنا مؤدبات طالما التزمن جادة الحق، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأما الخطأ الأكبر في مقالك عزيزي قول الدكتور القرني:(يُحسنون التعامل مع الله ويحرصون على أداء عباداته بانتظام ولكنهم لا يحسنون التعامل مع البشر) ووالله العظيم لو كانوا يحسنون التعامل مع الله تعالى لأحسنوا التعامل مع عموم خلقه وليس البشر فقط، ولكنهم ليسوا على الجادة الحقة
تهنئة من اهالي السنابس ومقابة جميعا
نبارك لك عودتك الميمونه يا دكتور منصور لجريدتكم الغراء والصادقة وقد عمت الفرحة معظم مناطق البحرين اما نحن فقد عبر البعض منا بدموع الفرح لرجوع الاسد لعرينه والف الف مبروك لك وكذلك الاستاذ العبيدلي
السبيل إلى المعرفة...
أهل البيت (ع) هم العترة الصالحة الى فهم القران الكريم ونصوصه - السبيل الاوحد الى قيام إن أردت منظومة قديمة جديدة معرفية تحاكي الحاضر والمستقبل وما سواه يدعو الى المتاهه وتضييع الوقت وحوار هدفه الجدل ونقض الحقائق .
لذلك قال رسول الله (ص) : كتاب الله وعترتي أهل بيتي
نحن أتباع مدرسة أهل البيت(ع) لا نجعل أحداً فوق النقد إلا المعصومين (ع) كمثال على ذلك الشيخ المفيد (رض) لم نرفعه فوق النقد رغم جلالته عندنا
باب الاجتهاد مفتوح ولانتعبد باسانيد الاحاديث كما يفعل غيرنا ....
المتقدم لهم مارق والمتأخّر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق