العدد 3253 - الأربعاء 03 أغسطس 2011م الموافق 03 رمضان 1432هـ

لا مخيلة في الجحيم

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يتساءل أدونيس في كتابه «رأس اللغة ... جسم الصحراء» في مقال ضمن الكتاب بعنوان «المثلث والدائرة»: «من أين يجيء ذلك الفن الآخر الذي يبرع فيه الساسة العرب. فن تحويل الحياة إلى حريق متواصل؟».

إذن سيظل هذا «الفن» حريقاً متواصلاً وستظل الحياة تحت رحمته. هل يمكننا إزاء هذه الصورة أن نطلق عليها مسمى حياة؟

ما يصدم العقل اليوم هو السياسات ونتائجها على الأرض؛ بدءاً بالمرور وليس انتهاءً بالمشاجرات ما قبل مدفع الإفطار!

سياسات الدول اليوم تنعكس على كل شيء. لا زاوية في الحياة لم تطلها يد تلك السياسات. مزاجنا العام المرتبك والمندفع إلى اللاشيء هو الآخر انعكاس لسياسات يظن أكثرنا أنها مشغولة بتحسين الموارد والاقتصاد والحقوق. فلا الموارد تتحسن، ولا الاقتصاد ولا أدنى الحقوق تلك يجد مكانه تحت الشمس، ولا تفاصيل حياتنا تنعم بما يثبت إنسانيتنا وانتماءنا إلى هذا الكوكب.

هذا التخبُّط في السياسات على أكثر من مستوى، بات ثقافة مكرَّسة ودائمة. لا شيء يدل على تحول وتغيّر. على العكس من ذلك. كل شيء يدل على مزيد من الإمعان في التخبط والارتكاس.

ثم إن الذين يقودون تلك السياسات لا تهمهم المخاطر الناتجة عنها. المخاطر كامنة هناك مع كل تراكم لها. والذين يطالهم سوء وكوارث تلك السياسات هم خارج الحسبان. خارج التخطيط لتجنيبهم تلك المخاطر؛ ما دام الذين يقودون ويديرون تلك السياسات يجدون في اتباعها ذروة التخطيط؛ ولكنه التخطيط لبقائهم واستمرارهم في إدارة ورعاية تلك السياسات.

شعوبنا لم تعد بحاجة إلى استعمار يفقرها ويدفع بها إلى أتون الجهل والمرض والتخلف. ثمة أدوات تركها وراءه أخلصت بالقيام بذلك الدور خير قيام وإن في صور مختلفة وسياسات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب!

ضمن ذلك كله، وفي ظل غياب ثقافة النقد وأفقه ومصادرة ذلك الأفق؛ سيظل ذلك «الفن» - فن تحويل الحياة إلى حريق - مستمراً ومؤبداً بحسب رؤية أدونيس. ثقافة لا مكان لها ليس في مطبخ الذين يديرون السياسات فحسب. إنها شائعة في كل مفصل من مفاصل الحياة. وفي ظل ذلك الغياب؛ يحق للعرب أن يمتازوا عن سواهم بقدرتهم على الاستمرار في الحياة (شكلاً) في ظل حريق متواصل لا موت فيه. كيف يحق لحريق أن يمنح الحياة؟ الإعلام نفسه ضمن هذا الحريق (الجحيم) يستعمر الحياة من حوله. يستعمر معناها الأول (وعي الناس وإدراكهم) بضرورة القبول بتلك السياسات وتخبّطاتها وقدرتها على دفع الجماهير دفعاً إلى عناق الجحيم من حولهم باعتباره خيارهم الوحيد. إعلام لا يستسخف الذين لا حظ لهم من المعرفة بقدر استسخافه لوعي وإدراك الذين هم في اللب من المعرفة؛ ولكنهم برسم الإقصاء وركنهم جانباً في تغييب إما يطالهم بشكل مباشر أو عبر التهميش، من دون أن ننسى نشرات التحذير الصحي من الاقتراب منهم!

بعد تساؤل أدونيس الذي بدأت به هذا المقال، أطرح تساؤلاً: هل ثمة مخيلة في الجحيم وبعده؟ هل يراد لنا أن نحسب على هذه الحياة وباعتبارات الساسة شرط ألا نتجّرأ على تربية مخيلتنا والدفع بها كعين أخرى ترصد تجاوزات وتخبطات ما حولنا وما يحاصرنا من سياسات لن تقودنا بكل تأكيد إلى فردوس لن نبلغه في ظلها؟

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3253 - الأربعاء 03 أغسطس 2011م الموافق 03 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 11:01 ص

      تحية

      ياله من مقال يسر الخاطر ويؤلمه في الوقت نفسه مقال يعبر عن واقع نعيشه بكل الالم والتعب استاذة سوسن شكرًا لك وارجو ان نستطيع ان نجد يوما قيادات ...قادرة على الاهتمام بنا وايصال اصواتنا

    • زائر 3 | 10:07 ص

      جميل

      كريم

    • زائر 2 | 6:55 ص

      مقال رائع

      شعوبنا لم تعد بحاجة إلى استعمار يفقرها ويدفع بها إلى أتون الجهل والمرض والتخلف. ثمة أدوات تركها وراءه أخلصت بالقيام بذلك الدور خير قيام وإن في صور مختلفة وسياسات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب!

اقرأ ايضاً