العدد 3250 - الأحد 31 يوليو 2011م الموافق 29 شعبان 1432هـ

الوعي الجديد... وكبسة زر!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لا سلطةَ للحكومات على الأفق الافتراضي (الإنترنت). سلطتها في حدود إدارتها العادلة، أو إدارة الحال البوليسية التي اعتادتها، وأصبحت رمزاً لوجودها؛ لا حدود تحصينها من اختراق معلوماتي يصيب عقول أبنائها ومواطنيها فيمنحهم مزيداً من التحرر والخروج على الوصاية المتخلفة والبائدة.

لا سلطة للحكومات، وإن حجبت نافذة هنا، وأوصدت باباً هناك في ذلك الفضاء، تظل عاجزة عن مسايرة النَفَس الطويل للجيل الجديد الذي يُقلق المحيط من حوله بكبسة زر، فيما هي (الحكومات) تظل موهبتها الوحيدة في اتجاهين، كبسة زر المنع، وإطلاق رصاصة في طريقها لإسكات صوت فاعل ومحرك ومُقلق في المحيط والحياة التي تديرها!

هذا الجيل قادر على إعادة تموضعه في ذلك الفضاء بحرفية بالغة، أكثر من إعادة تموضع قوات عسكرية هنا أو هناك. وأكثر من إعادة تموضع قناعات وكتابات «مهلوسة» تلهج باللعنات والشتم البذيء والسقوط المريع، والتحريض الذي لا أفق له، كلما بدا لها أنها بحاجة إلى أن تعبِّر عن انهيارها العصبي الذي لن تنجو منه، إذا ما استمرت في التعاطي مع المختلف معها باعتباره خطراً وتهديداً لوجودها، إن كان لها من وجود فعلي وحقيقي مؤثـِّر.

بات هذا العالم مكشوفاً من خلال شاشة في غرفة، في مكان ناءٍ وقريب في الوقت نفسه، وبإمكانات يتيحها التواصل مع آخر تطورات السوق في التقنية المتحركة والمتجددة والمتفاعلة، تلك التي تغمر أسواق الدول والحكومات المصابة بموهبة المنع. تدخل آخر تطورات التقنية إلى السوق مثلها مثل أي مادة خام، ولفداحة غفلتها عن الإرباك الذي ستخلفه، ترهن السوق والوكالات للمحسوبين عليها لتصادر كل شيء من خلالهم، باعتبارهم أدوات وعصا في يدها؛ لكن النتائج لا تبشر ولا تعد باستقرار لأحد! استقرار، بمعنى أن يهيمن صاحب القوة على الفضاء والتحكم فيما يمر عبره ومن خلاله. لا أحد يملك تلك الطاقة والقدرة، ولن يفعل.

الأنظمة اليوم في فضاء محتبس ومحصور، فضائها الخاص. لا هواء يدخل منه أو من خلاله إلا باشتراطها. الفضاء الافتراضي متجدد، فاعل، متحرك، مستفز، قلق ومقلق، يقفز على الشرط ويتعدَّاه، ويعيد هندسة الشارع، وهندسة المكان، وهندسة الوقت، وهندسة الوعي، وأحياناً يعمل عمله في هندسة الخيارات: مع/ ضد. الصورة التي لا تنقطع. والنص على رغم ركاكته (أحياناً) عبر الحركة التفاعلية العامة عبر الشاشة؛ إلا أنه يضفي بهاء وقوة ومتانة في قدرته على البلوغ والوصول وإحداث الإرباك.

أمبرتو إيكو، في حديثه عن الثورة التي أحدثها الفضاء الافتراضي، يقرر أن «الأوراق ضرورية للتأمل»؛ لكنه لم ينف في الوقت نفسه قدرة هذا الجيل المتحكـِّم بحركة العالم بكبسة زر على جعل تلك الكبسة نوعاً آخر من مراحل التأمل - وإن جاء سريعاً - بحكم سرعة إيقاع الحياة وسرعة تحولاتها، وما يتبعها من تقريرات، وتحديد مصائر، وتثبيت لأكثر من واقع!

وفي الحديث عن الـ «الهايبرتكست» (النص الإلكتروني المتفاعل)، ثمة حراك اليوم يكاد ينقضُ واقعاً ليقيم مكانه واقعاً آخر مع حركة التحول والتجدد والحراك الذي هو من طبيعة هذا القرن والقرون التي ستليه.

والذين كانوا بالأمس، ومن على الجبهات أو في مختبراتهم العسكرية ومكاتبهم الفخمة يحددون ملامح ومصير هذا العالم بكبسة زر، بات كل بيت وشارع وزقاق ومرآب ومقهى، نوعاً من الجبهات والثكنات والمختبرات التي تقيس درجة الوعي، وتعمِّمه ومن ثم تطلق المدى له ليشيع في الناس وفي حركتهم.

الوعي الجديد الذي يتأسس اليوم من خلال الفضاء الافتراضي، مدفوعاً بتراكم أزمنة من التهميش والاستحواذ والهيمنة، وعقود من المصادرات، بات قادراً على تحديد خياراته وإفشائها؛ لا لتطال المكان الذي ينتمي إليه؛ بل يتعداه إلى ما بعد ذلك من جغرافيات متطاولة في نأيها وبعدها، ولكنها تظل أقرب إليه بكبسة زر

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3250 - الأحد 31 يوليو 2011م الموافق 29 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:07 ص

      مو مثل السبعينات

      يعتقدون ان الوضع كما كان في السبعينات. الزمن تحول يا جماعة.

    • زائر 1 | 4:43 ص

      • بهلول •

      كبسة الرز و الوعي المغيب

اقرأ ايضاً