بعد احتلال العراق في 9 أبريل/ نيسان من العام 2003م كنتُ حينها مشغولاً ومهووساً بمسألة الأمن الاجتماعي، وأنا أشاهِد ما آل إليه العراق بعد انفراط الدولة العراقية على يد الأميركيين، فقد كان البلاء مُزدوجاً. ففي الوقت الذي كان فيه البلد يترنح تحت ضربات الأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي المغيَّب وتبعاته، كان البعض من العراقيين ممن طفح بهم الكيل يتحدث بصراحة عن أهمية وجود ذلك الأمن حتى ولو على يد نيرون نفسه، الذي أحرق روما بمن فيها في السنة الميلادية الرابعة والستين. بالتأكيد كان ذلك (البعض الذي تحوّل لاحقاً إلى ظاهرة حقيقية) غمزاً منهم لعهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي حَكَمَ العراق من العام 1979م وحتى العام 2003م بقبضة من حديد قلّ نظيرها بوصفه ضرورة حكم ودولة مَهْمَا كان شكلها لتحقيق الأمن للناس بعدما ذاقوا الفوضى.
وحتى عندما بدأ التغيير في تونس ومصر، كانت الصورة بالنسبة لي أسيرة للمشهد العراقي. اتصل بي أحد الأصدقاء قبل تنحي مبارك بفترة ليست قصيرة، وقال لي: ماذا تقرأ في سلوك النظام المصري أمام ما يواجهه من تظاهرات، سواء عن عبر عمر سليمان أو غيره؟ قلت: يبدو أن النظام لايزال متماسكاً، مع توالي التقارير التي تفيد بانفضاض أجزاء من الجماهير عن ميدان التحرير. وقد خالفني الصديق الرأي، وثبت لاحقاً أنه على حق. في المجمل، فإن الأمر بالنسبة لي لم يكن تحليلاً واقعياً بقدر ما هو غُصَّة نفسية مربوطة بما حدث في العراق لا أكثر عندما بدأت الأحداث في تونس ومصر. فموضوع العراق جعلني (كما جعل غيري) في أتون حسابات مختلفة، دفعت بي نحو التوجس من التغيير الحاد خشية أن يتكرّر ما جرى في العراق في بلدان عربية أخرى أطاحت بنظمها السياسية بطريقة راديكالية. بالتأكيد لم يكن ذلك الأمر دقيقاً، مع وجود فرص للتغيير داخل أنظمة شمولية استبدادية (وهذا ما حدث) ولكن بأشكال مختلفة وأكثر نضجاً تقودها معارضات ناضجة.
هنا، يجب التفريق بين مشاهد مختلفة من المعادلة. المشهد الأول، أن يكون هناك نظام سياسي أقلّي مستبد يعتمد على تعاضديات قومية وعلمانية تقابله معارضة يحكمها منطق استبداد الرأي الغالب. وفي المشهد الثاني، أن يكون هناك نظام سياسي أوليغاري دكتاتوري يقوم في جوهره على الطائفة، لكنه يُسيِّر الدولة بفضاء الحاجات الاجتماعية والدينية للناس تقابله معارضة مُهلهلة، لا يجمعها سوى ميكرفونات القنوات الفضائية والإذاعية. وفي مشهد ثالث، أن يكون هناك نظام سياسي دموي يرتكز على الشّلليّة القبلية والعائلية، تقابله معارضة تشكّلت في ذات اللحظة التي انهار فيها النظام أو أوشك على ذلك. رأينا النموذج الأول يتحقق في العراق بعد الغزو الأميركي له في أبريل من العام 2003، والنموذج الثاني في سورية، والنموذج الثالث يتحقق الآن في ليبيا.
في الحالة العراقية، أصبحت التجربة الديمقراطية المزعومة هناك أسيرة الأغلبيات والأقليات العددية، التي تسير على منطق القهر الديمقراطي، بالضبط مثلما جرى إبان الحقبة الروبيسبييرية في فرنسا عقب الثورة التي اندلعت في العام 1789م. فرغم التشريبات الطائفية والقومية التي أقامها الغالبون في الائتلاف تارة عبر الشيخ خالد الملا في الجنوب، وتارة أخرى عبر جزء من الصحوات في الوسط، وتارة ثالثة عبر الأكراد في الشمال إلاّ أن الأمر لم يختلف كثيراً، مع وجود سيطرة عددية على مفاصل الدولة العراقية الناشئة. وهو الأمر الذي تسبب في إيجاد حالة من التقابل، والخلل الأمني يقوده مجتمع مشطور، التأم أنصاره المشتتون والمتباينون أصلاً تحت شعار التهميش السياسي لا أكثر، ودخول البلد في أسوأ اختلال أمني واجتماعي تشهده المنطقة منذ مئات السنين.
في الحالة السورية، ومع وجود نظام قمعي استبدادي، يستند في جوهره على القوام الطائفي، وفي سلوكه على القوام العلماني البعثي، ويُكيِّف الدستور كيفما يشاء، ويُغوِّل من الحضور الأمني والاستخباراتي داخل اجتماع الناس، نجِد أن المعارضة أمامه في الخارج لا تزيد عن مؤتمرات تنسيقية يشوبها الخلاف العلني كالذي حصل مع الأكراد، ولا يصلها بالداخل السوري سوى شهود العيان ومقاطع الفيديو. ولو أن هذه المعارضة كانت تمتلك قدرة سياسية حصيفة لعقدت حلفاً مع الداخل السوري المعارض منذ البداية، بدل التورط في إبراز الخلاف معه. كما كان عليها أن تسوّي مشاكلها مع 11 حزباً كردياً، وأن تقوم في ذلك بالتنسيق مع الدول الحاضنة للشتات الكردي بغية تحييدها. لكنها مع الأسف لم تفعل، وهو ما يجعل الفضاء الاجتماعي والسياسي الداخلي طلقاً أمام النظام وعلاقاته الإقليمية، وتعرية للجماهير التي تكتوي بناره وقمعه الدموي.
في الحالة الليبية، يظهر أن المعارضة هناك أخطأت التقدير بما فيه الكفاية. فالخطأ الجسيم الذي وقعت فيه هو تدويلها للقضية عبر الاستعانة بالضربات الأطلسية لقوات العقيد القذافي. فحين تغيب المعارضة عن تقدير قوة الخصم في الداخل وهو السلطة، ثم تلجأ إلى معالجة الأمر عبر ذراع عسكري دولي يجعلها أسيرة لمصير المعارك على الأرض. فالغرب الذي كان يريد معركة بعدد الأيام، بدأ يلحظ أن معركته المكلفة استمرت لأشهر، وأن عليه أن يجري تقييماً جديداً للمعركة. وهذا يعني أن المعارضة الليبية ستكون أسيرة للعبة قد يعقدها الغرب مع النظام الليبي ليصبح أصحاب الأمر مجرد صرف عملة بين الجانبين، مع وجود مساومات على أمور جوهرية يجريها نظام القذافي مع الغرب.
وما بين النموذج الأول وحتى الثالث تظهر الخشية من هكذا معارضات؛ لأن الحال يقول إن أهم شيء كان يجب أن تحوزه هذه المعارضات قد فشلت في نيله، وهو عدم تحويل مثل هذه الأنظمة إلى ضرورات حكم، يحسّ رجل الشارع العادي أنها ستقيه من مشكلة الانقسام الاجتماعي وتردي الخدمات وغياب الأمن
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3248 - الجمعة 29 يوليو 2011م الموافق 28 شعبان 1432هـ
بعض الأنظمة السياسية عندنا تحولت الى ضرورة وعبء ثقيل من زمان ......... ام محمود
بالرغم من البطش الصدامي تمنى الكثيرون الحياة تحت ظل مملكته لأنهم فقدوا الكثير بعد رحيله وأولها الشعور بالامان والاطمئنان فاجتياح العراق العسكري خلف مآسي كثيرة متواصلة الى الآن ونحن لا نلومهم في ذلك الخيارات عندهم مرة الطعم
_
نفس الشيء نراه الآن بعد رحيل مبارك و على صالح فبعد نشوة الانتصار يظهر الفراغ الكبير في السلطة وغياب القائد ونجد البلد يترنح وسط عواصف الفوضى والقتل الذي لا يتوقف والانقسامات وعدم الثقة في من يدير البلاد
ولا ندري الى متى سيستمر المستقبل الغامض يلف هذه الدول العربية الكبرى
الترنح تحت ضربات الأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي المغيَّب وتبعاته .... ام محمود
معك في ان المعارضة في بعض الدول مثل اليمن وسوريا وليبيا تنقصها بعض الخبرة والمهارة في ادارة الثورة بحرفية تامة هناك اختراق في صفوف المعارضة وهناك سقطات وأخطاء ولكن هذا لا يعني بانها لم تنجح أو تتقدم .. تدخل الناتو لحل مشكلة ليبيا لم يكن بطلب من المعارضة وانما بعد تصويت لمجلس الأمن اتخذوه لضرورة الوضع الخطير المشتعل .وهناك أهداف لهم غير معلنة ويمكن عندهم اتصالات مع القذافي يعني هم منافقين يعملون بوجهين مختلفين
_
نتذكر بعد سقوط صدام الكثير من العراقيين تمنوا العيش في حكمه لأنه كان يوجد أمن
السعي وراء السعادة .... تتمه ......... ام محمود
مشرعة الأبواب التي فتحتها لجماهير الفقراء كانت قد بدأت من قبل هؤلاء على الاطلاق كما انه ما من ثورة مهما كان التذمر واسعاً والتآمر منتشراً في قطر ما , جاءت نتيجة فتنة على الاطلاق وعلى العموم يمكننا القول إنه ما من ثورة تكون ممكنة إذا كانت سلطة الكيان السياسي سليمة حقاً .. إن الثورات تنجح على ما يبدو دائما بسهولة مذهلة في مرحلتها الاولى والسبب بداية هو إن الذين يقومون بها إنما يتولون السلطة لنظام حكم هو في حال تفكك إن هؤلاء هم نتائج سقوط السلطة السياسية وليسوا أسبابها أبداً.
الثورات تعني بأن مسارات تاريخية قد بأت من جديد ...... 2 ..... ام محمود
.. لم يكن لدى أحد من المشاركين في ما وقع أي هاجس بشأن عقدة الدراما الجديدة وما يمكن أن تكون عليه قبل مشاركتهم في الفعل الذي تبين انه ثورة بيد انهُ ما بدأت الثورة تأخذ مجراها وقبلها عرف المشاركون كيف سينتهي فعلهم وهل سينتهي بنصـــــر أم بــــكارثة ,,
وفي الفصل الثالث بعنوان (السعي وراء السعادة) تقول أرندت ( .. علينا أن نشير الى أولئك الذين أسميتهم رجال الثورات تمييزاً عن الثوريين المحترفين لكي نفهم شيئا عن المباديء التي ألهمتهم و أعدتهم للدور الذي قاموا به , ذلك انه ما من ثورة مهما كانت
الثورات تعني بأن مسارات تاريخية قد بدأت من جديد ..... 1 .... ام محمود
يا أخ محـــــــــمد من كثر ما كتبت عن حنّة أرندت الفيلسوفة الامريكية أنا تشوقت و قمت بتحميل كتابها "في الثورة" لقراءته لأعرف الفرق بين التحرر والحريه ومعنى الثورات القائمة الان في الشرق الأوسط ولقد اخترت من كتابها المترجم هذه الفقرة:
(إن المفهوم الحديث للثورة المرتبط ارتباط لا انفصام له بالفكرة التي تقول بان مسار التاريخ بدأ من جديد فجأة وبأن قصة جديدة تماماً قصة لم ترو سابقاً ولم تعرف قط هي على وشك أن تظهر هو مفهوم لم يكن معروف قبل اندلاع الثورتين العظيمتين في نهاية القرن الثامن عشر
ردا على البصري
ومن قال لك يا اخي ان حكم معاوية كان كله امان؟ هل قرأت قصة حجر بن عدي؟ وهذا غيض من فيض
عبد علي البصري(ضروره النظم السياسيه)
الواقع ان النظام السياسي يرتكز على شيأين مهمين هما توفير الامن ولقمه العيش ، وهناك امور اخرى مثل المساواه والعداله ... . لقول امير المؤمنين عليه ا لسلام (وإنه لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر (6) يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوى، حتى يستريح برّ، ويُستراح من فاجر) (7). ومن علامات ذهاب اي نظام سياسي هو عكس ما قال الامام علي عليه السلام . عندما يفقد الامن ووو فالنتيجه سقوط نظام.
عبد علي البصري
تنصيب زين العابدين بن علي على سده الحكم وخلعه سابقه الحبيب بورقيبه لم يكن تغير في سياسه تونس في هيكليتها فالسياسه الخارجيه والداخليه ونظام الحكم هو هو لم يتغير لذلك لم ينتج من هذا التغي اي خلخله امنيه ، وكذلك مصر واليمن الآن مع أستمارار الاطرابات الا ان سيستقر قريبا بدون اي مشاكل لان النظم الذي سيتكون هو على نفس نهج السابق في فلسفته وسياسته ، بيد ان لو هذا التغيير على مستوى الحياه الاجتماعيه والاديولوجيه لا لا فسيكون هناك شيئ مثل العراق طبعا مثل العراق .
عبد علي البصري ( اين السبب و العليه)
بالرجوع الى مقال الكاتب العزيز محمد عبد الله (الانانيه هي ان يعيش الآخرون كما اريد) حيث تكلم عن الاثنيه ، وهي الجماعة التي لها تراث تاريخي وحضاري مشترك (تاريخ مشترك ـ لغـة ـ طعـام ـ ملْبـس ـ موسيقى.. إلخ فالتغير الحاصل في الازمان والبلدان عندما يكمن في هذه النقطه ، أنا لا انكر ان هناك حروب طائفيه تقوم على اساس عرقي فهذا نادرا ما يكون . أذن صراع الحضارات وميلاد حضاره وموت اخرى تنتج عنها معاناه وخلخله امنيه . تكمله
عبد علي البصري
بينما حكم معاويه يمتاز بالهدوء والطمأنينه . فمن يشك في موسى ومن يشك في القرآن والاسلام ومن يشك في عداله الامام علي ونزاهته ؟ فما هذه النتيجه المخيبه للآمال ؟ اذن المشكله حريه بالدراسه والتمعن والعقلانيه (المنطقيه) . اين غاندي الذي كان حريصا على وحده الهند ، وعدم تقسيمها الى بنكلادش وباكستان ، فلم تستقر الامور الا على التقسيم الذي لم يجر شبه القاره الهنديه الا الى الحروب وقتل غاندي! فأين العله والسبب ؟
عبد علي البصري
(قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) قوم موسى يتبرمون من موسى لانه لم يغير لهم حال فسيان مجيئه وعدمه ؟ من الناحيه الواقعيه صحيح استقرائيا ناقصا طبعا . كذلك حال العرب من قبل كانو شتات واليوم هم شتات بعد مجئ الاسلام والمحصله كما هو الحال سابقا . هذه النظره قاصره بقصور قوم موسى عن فهم الواقع والحقيقه . كذلك وبالمثل الثالث حكم الامام علي عليه السلام ، كان كله حروب وفتن واغتيالات وخوف ، بينما حكم معاويه امتاز بالامان تكمله
كربابادي
لما نزل أمير المؤمنين (ع) الربذة لقي بها آخر الحاج فاجتمعوا إليه ليسمعوا من كلامه - وهو في خبائه - قال ابن عباس فأتيته فوجدته يخصف نعلاً ، فقلت له : نحن إلى أن تصلح أمرنا أحوج منا إلى ما تَصلح . فلم يكلمني حتى فرغ من نعله ، ثم ضمها إلى صاحبها وقال لي : قوِّمها . فقلت : ليس لهما قيمة ، قال : على ذاك ، قلت : كسر درهم قال :
" واللـه لَهُمَا أحَبُّ إلَيَّ من أمركم هذا ، إلاّ أن أُقيم حقّاً أو أدفع باطلاً "