قد لا يرضي الأطراف جميعاً ما سيصدر عن الحوار من نتائج وما ستتمخض عنه من توافقات، فهذا أمر وارد وبديهي. فالبون شاسع بين ما يطرحه هذا الطرف ويراه الطرف الآخر، ليس في المعالجات فقط بل في تشخيص المسألة أساساً. ولا يقتصر ذلك على هذا المنحنى بل إن هناك مستويات من الخلاف والاختلاف بين المتحاورين وفي درجات قد تصل إلى عدم التوافق مئة في المئة، أو التوافق مئة في المئة.
المسألة ليست بالسهولة التي يروّج لها البعض، وما يتمناه البعض الآخر، فالذي حصل في بلادنا لم يكن بالأمر الهيّن والبسيط بين الحكم والمعارضة فقط، فالمسألة أعقد بكثير من رسم خط فاصل بين من يقف في هذا الخندق أو الخندق المقابل، فهناك من التشابك بين الخطوط والامتدادات والمصالح ما لا يمكن حصره في فئتين متقابلتين متعارضتين. فالخارطة السياسية في البحرين ليست خارطة بحرينية بحتة، بل إن لها امتدادات تلامس بشكل أو بآخر مصالح قوى إقليمية ودولية وتوجهاتها، وتداخل أدوارها التي تلعبها ضمن الخارطة الأوسع وما يسمى بتشكل الشرق الأوسط الجديد، ومن يقف وراءه من قوى علنية أو خفية.
الوضع في البحرين يرتبط ويتأثر سلباً أو إيجاباً بصراع أوسع وأشمل من الرقعة الضيقة للبحرين. فالمخططون الإستراتيجيون ربما يرسمون لنا مستقبلاً قد يصعب علينا التنبؤ به بوضوح الآن، منطلقين من معطيات وحقائق ثابتة ومتغيرة في الوضع العربي والشرق أوسطي الذي نعيشه ربيعاً كان أم خريفاً.
وعوداً على بدء، فإن الخارطة الداخلية للصراع أو الخلاف والاختلاف، معقدة بمقدار التعقيد الخارجي (الإقليمي والدولي). فهناك تشابك وتداخل طائفي في الظاهر، لكن في الجوهر هو سياسي بامتياز، يستثمر البعد الطائفي المحلي والإقليمي للوصول إلى استراتيجيات ومصالح كبرى، تتقاطع وتتناقض أحياناً مع مصالح الدول الإقليمية في الجوار ومصالح الدول العربية.
الذي لا يدركه الكثيرون من أبناء شعبنا الطيب بأنهم يساقون وينساقون من حيث يعلمون أو لا يعلمون إلى مواقع وخنادق طائفية من قبل جهات وأطراف وجمعيات قد تجرّ البلد إلى الهاوية، في قراءات خاطئة للوضع السياسي والتوازنات القائمة، وهو ما حصل في الأحداث الأخيرة المؤسفة. وبعد أن هدأت العاصفة وركد الغبار بدأ كل طرف يعيد مراجعة حسابات البيدر والحقل، بعد أن تبين لهم بأنه ليس هناك منتصر في هذه المعركة. لذلك لم يكن أمام الجميع إلا الرجوع لطاولة الحوار والبحث عن الحل السياسي المرجو في مواجهة الحل الأمني المؤقت. وتراجعت بذلك حدة التوتر الطائفي والانشطار المذهبي، بعد مخاض طويل ومعاناة شديدة وآلام مبرحة. وبدأ الناس يتنفسون هواءً غير «مكربن» بنشاذر الطائفية البغيضة التي كادت تأكل الأخضر و اليابس.
وجاءت مبادرة الحوار الوطني التوافقي بكل إيجابياته وسلبياته، وعلى الرغم من كل التحفظات المثارة على فحواه ومنهجيته وآلياته وشخوصه التي تديره وتشارك فيه، لتعلن انتهاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة انتقالية، فاصلة بين مرحلة الانفلات والبغضاء والضغينة إلى مرحلة عودة الوعي والهدوء والحياة إلى طبيعتها، ضمن قواعد جديدة للعبة السياسية، آخذةً بعين الاعتبار كل التعقيدات المحلية والإقليمية والدولية التي تشابكت في الوضع البحريني. ولعل المبادرة الإيجابية الأخرى التي تمثلت في الأمر الملكي السامي بتشكيل لجنة تقصي الحقائق من شخصيات حقوقية دولية مرموقة للتحقيق فيما جرى من أحداث مؤلمة ألمت بنا وببلدنا في غمرة اندفاعة الجماهير وتداخل المخفي والمعلن، والتي تمخضت عن انشطار مجتمعي طائفي لم يولِّد إلا الضغينة والبغضاء والحقد بين الإخوة والأشقاء.
وإذا كان الحوار الوطني قد فرمل توجهنا نحو الوصول إلى حافة الهاوية وأيقظ شعوراً بالندم وبأن الجميع قد أخطأ في انسياقهم نحو التوجهات الطائفية البغيضة، فإن الوضع لم يرجع إلى سابق عهده بعد وقد لا يرجع بهذه السهولة، قبل أن نشخّص المشكلة ونقف على حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي تواجه شعبنا وبلدنا، سواء من خلال مخرجات الحوار أو خارجه وكذلك التحديات الكبيرة التي تواجهنا في إعادة اللحمة الوطنية ولمّ الشمل، والنهوض باقتصاد البلد ونمائه وإعادة الكرامة للإنسان البحريني الذي لايزال يناضل في سبيل لقمة عيشه الكريمة والسكن المناسب والخدمات الطبية والتعليمية المتقدمة، في مجتمع يؤمن بالعدالة الاجتماعية ودولة المؤسسات والقانون، حيث تكون السيادة للمؤسسات التي يشكلها الشعب مصدر جميع السلطات وفقاً لميثاق العمل الوطني ودستور البحرين، وليس الأفراد، وفي ظل قانون مديني متطور يطبق على الجميع دون استثناء، وبمشاركة فعلية وحقيقية في رسم سياسات البلد واتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بشعبنا بكل شفافية وإفصاح.
إن الأمل معقود في تمكن شعبنا بوعيه من تخطي الوضع القائم، وتجاوز المحنة الصعبة التي مر بها، كذلك فإن الأنظار شاخصة إلى ما سيتخذه جلالة الملك حفظه الله من مبادرات وقرارات مهمة ترسم معالم المستقبل المشرق لشعبنا ووطننا الحبيب
إقرأ أيضا لـ "يوسف زين العابدين زينل"العدد 3247 - الخميس 28 يوليو 2011م الموافق 27 شعبان 1432هـ
ياليت
استاذنا العزيز والله الذي لا اله ل هو انك اصبت الحقيقة في قولك الذي لا يدركة الكثيرون من ابناء الشعب الطيب بأنهم يسأقون وينساقون من حيث يعلمون او لا يعلمون الي مواقع وخنادق طأئفية من قبل جهات واطراف وجمعيات قد تجر البلد الي الهاوية
الشكر ثم الشكر
ليس لدي تعليق على مقالك يا استاذي غير الشكر و الامتنان، احيي فيك هذه النظرة و التحليل العميق و اوافقك فيه.
نحن لم ننساق وراء الطائفية بالمرّة
مطالبنا وطنية وستبقى وطنية لخير الجميع لا يستثنى منها أحد فالحرية والديمقراطية والعدل والكرامة هي لكل الناس وليست لأحد دون أحد ما نطالب به هي أن كل هذه الأمور تكون للجميع على قدر المساواة وحتى لا انظر لأخي وصديقي وقريبي من أي طائفة كانت أنه
سبب في سلبي حقي أو ان النعمة التي ينعم بها
من المفروض ان أكون شريكا فيها معه
يجب أن نتقاسم خيرات البلد بالتساوي قدر الإمكان نحن نعرف أنه لا يوجد عدل كامل ولا شيء كامل
ولكن لنحاول أن نأخذ أكبر قدر من المساواة ليكون الوطن للجميع
تحليل عميق البصيرة
بدايةاحي عمق البصيرةفي مرئياتك لمجريات الامور وابعادها البعيدة عن العصوبية الطائفية والسياسية والمتميزة عن اقرانك من الكتاب وبالاخص منهم رفاقك السابقين واشاطرك الراي في ما ذهبت اليه من تحليل وتفصيص لواقع المشكلة والحل وان هذه الرؤية المتعقلة هي التي ينبغي ان تسود وليس غريبا عليك حداقة رؤيتك في مخرجات الحلول في القضايا التي تعترض طريقك فانا الناس الذين خبرو حسن تدبيرك وتلك الفئة من الناس التي يحتاجها الوطن في هذه المرحلة الحرجة لبلادنا ونتمنى ان تواصل هذا النهج لايجاد ظاهرة ايجابية للوحدة الوطنية
The New Middle East
The new middle east would shaped up by the people of the area as a result of the people straggle against the brutalities of the Fascist rulers and government towards the people and not as a
result of strategic planing of the super power in general and the US in particular as you are suggesting because the new middle Middle East of the people will be against the the interest of the super power and Us
لم يلامس أي شيء من مشاكل الناس
................