تحدثتُ قبل يومين عن عدم ترك المعارضة السياسية العربية للقضايا الاجتماعية والإثنية وغيرها دون معالجة لما بعد التغيير السياسي داخل قوام السلطة. فذلك من شأنه أن يُفجِّر صراعات اجتماعية لا قِبَل للشعوب بها. بل وستلهي المجتمع والدولة معاً للالتفات نحو حلّها عن البدء في التنمية وتطوير الدولة ونقلها من حالة الاستبداد إلى الحكم الرشيد والديمقراطي.
اليوم أكمل ذلك وأضيف عليه. فما يجب أن يُتنبّه له، هو أن الكثير من الأنظمة العربية غير الديمقراطية همَّشت الطبقة الوسطى أو أنهكتها، لصالح نظام سياسي واجتماعي فاسد، يقوم على الأوليغاريّة الحاكمة التي ليست بها مراوح ولا تشريبات من الجماهير والقواعد الشعبية، مع تكريس للطبقية والتملّق والتصقّر الأمني الحاد، ثم التحالف مع الأكثر ولاءً ودعماً من الفئات الاجتماعية، وتثوير الطوائف على بعضها أو تخويفها من بعضها بغرض الاستثمار السياسي لا أكثر، لذا فإن المعارضات العربية مطالبة بتغيير كلّ هذا الجو الفاسد ولكن بصبر أيُّوبي، وحكمة لقمانية، دون الوقوع في مستنقع الانفعال.
فالتغيير ضمن هذه الدائرة السياسية والاجتماعية الخطيرة يبقى محفوفاً بالمخاطر؛ على اعتبار أن تلك الدائرة أشبه بالمنطقة الجغرافية التي تشبَّعت بالألغام المزروعة قصداً والقابلة للانفجار في أيّة لحظة. وبالتالي فإن إيجاد كيمياء بيروقراطية وسياسية خاصة لمعالجتها هو أمر واجب وضروري، حتى لو اضطر ذلك أصحاب مشروع التغيير لأن ينتهجوا سياسة التسامح والتجاوز ولو وفق مسئولية المتبوع عن التابع للتخفيف من وقع الانهيار الرمزي المريع لشخوص النظام السابق، والمحاطين بِكَمٍّ غير قليل من الأتباع والأنصار، وهو أمر مطلوب لاستيعاب ذلك الوضع الموبوء الذي لا يُمكن الاستمرار به مع التغيير والنظام الجديد.
أما إذا نَحَت المعارضات العربية باتجاه التفكيك المباشر والثوري للمعادلة المنخورة والمنهارة فهذا يعني إعادة إنتاج للأزمة، على اعتبار أن تذاررها وتوسّعها مرتبط بأقصى حدّ من العنف معها، بالضبط مثلما تفعله الخلايا السرطانية داخل جسم الإنسان. فإذا كان كلُّ حَلٍّ هو مشكلة جديدة حسب الأديب الألماني يوهان غوتة فما بالك بالحلول المنفعلة والموتورة والمباغتة فإنها بالتأكيد ستنتج عشرات المشاكل من مِخرَز حلٍّ واحد، وهذا ما لا يريده أحد من التغيير لكي لا يُصبح هذا الأخير وبالاً على الجميع فيُوضع مع سابقه في كفة واحدة.
أمر رابع وختامي، وهو التأكيد للمعارضات العربية على أن الغرب ليس عَوْناً ولا شريكاً جيداً للتغيير السياسي، بل على العكس من ذلك، فهو الذي تعامل مع هذه الأنظمة منذ الاستقلال وحَمَاها، ووفَّر لها غطاء الشرعية الإقليمية والدولية، وأدخلها في حروبه، وأسال من دماء شعوبنا دماً عبيطاً في فلسطين والعراق ولبنان، لذلك فليس من المعقول أن يبيع الغرب هذه الأنظمة لمعارضات مجهولة القرار والهوية مهما قيل (لاحظوا الموقف الفرنسي من الأزمة في تونس على سبيل المثال). وبالتالي فإن الثقة في الغرب تعني الثقة بمصالحه على حساب المشروع والوطن الذي هو أكبر من أيّ شيء آخر، وهي خيانة ما بعدها خيانة.
دقّقوا في السياسات الغربية جيداً سترون أنها لا تسير بأيّ نوع من الأخلاق (وهو بالمناسبة ديدن السياسة). لقد بِيعت شعوب بأكلمها في سايكس بيكو وفي وعد بلفور، بل وبيع العالَم بأسره وقسِّمت مناطقه في مؤتمر يالطا في العام 1945م بين الزعماء الثلاثة: ستالين عن الاتحاد السوفياتي، وتشرشل عن بريطانيا، ورزفلت عن الولايات المتحدة الأميركية.
واستعبِد الألمان بعد الحربين الكونيتين الأولى والثانية، مرة في معاهدة فرساي ومرة في يالطا رغم أنهم من جنسهم، ومن ذات النَّسق الإمبريالي إلى حد ما. ولم يستحوا من قتل 140 ألف ياباني في هيروشيما وسبعين ألفاً في ناكازاكي. ما أقوله ليس هراءً ولا قومية شوفينية ولا عداءً مجنوناً، وإنما هي أرقام سطّرها لنا تاريخ لا يبعد عنا سوى نصف قرن فقط!
خلاصة القول هو أن الأنظمة العربية غير الديمقراطية اليوم والتي يُراد لها أو منها أن تتغيّر لا يمكنها أن تقبل بغير ما كان عندها من نفوذ وقوة، وهي مستعدة لأن تمنح الغرب ما يريد لكي تبقى. والأكثر من ذلك هو أن تلعب بالنار وليس بمستصغر الشَّرر فقط، حتى ولو كانت تلك النار هي بحجم الطائفية القذرة؛ لكي يتحوّل النظام من نظام سياسي يُراد له السقوط والاندحار إلى نظام يُرَاد منه حفظ الفوضى، وبالتالي يتحوّل من نظام منبوذ إلى نظام مطلوب وفي الحال أيضاً، وليست أوضاع سورية ببعيدة عنا من ذلك المثال.
لذا فإن أهم الوصايا التي يدخرها القلم (بمقداره المتواضع) هو أن تتنبّه هذه المعارضات العربية إلى طبيعة خصومها في الحكم، وأيضاً إلى ضرورة وضع خارطة اتفاق مع الهويات (وخصوصاً الإثنية من أكراد وغيرها) والمكونات الأخرى على كلّ شيء ما عدا الديمقراطية والمساواة التي تبقى خطاً أحمر، فليست الأنانية أن يعيش الشخص كما يريد، بل أن يعيش الآخرون كما يريد هو، كما كان يقول الشاعر الأيرلندي أوسكار وايلد
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3243 - الأحد 24 يوليو 2011م الموافق 23 شعبان 1432هـ
الغرب لا يريد منا اكثر من خدمة مصالحه
ليس الغرب حضن حنان ودار خيرية. الغرب لا ينظر إلا لمصالحه أولا وأخيرا. إنما يتميز به الغرب عنا هو وجود الحرية ووجود الحرية يجعل من البعض في الغرب وبسبب الثقافة لديهم يعرفوا الهدف السامي لوجود البشر. لذلك نرى حكومات الغرب تعمل حسب مصالحها فتعادي دولة وتتحالف مع أخرى بحسب المصالح فقط وفقط. حتى تحاول تسخير بعض المنظمات الإنسانية وتجيّرها لنفس الأهداف إذا استطاعت ذلك.والمعارضات العربية بعضها يعي ذلك
والبعض رغم وعيه وقناعته بذلك إلا أنه يضطر لمحالفته
بسبب ضعفه وعدم وجود داعم آخر له
في اليمن ايضا
ليس الموقف الغربي والفرنسي بالتحديد هو من يخون الثورات بل حتى الموقف الامريكي في اليمن والذي يعتبر متواطئا مع نظام صالح
عبد علي البصري (اعزائي)
لذلك الاسلام حذر من التقسيم الاثني وأثنى على التقسيم العرقي . فقال (وان هذه امتكم امه واحد ) وقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }نحن ضحيه الانانيه التقسيم الاثني تقسيم مقصود اصلا لخلق مجتمع ضعيف ليسهل ابتزازه وأستهجانه ونهب ثرواته ، هكذا صنع بنا في زمن الدول البائده وهكذا تصنع بنا الدول الاستعماريه وعلى رأسهم امريكا .
طابت أوقاتك يا عزيزي "محمد"
و عوفيت على هذا الطرح الموفّق الفائق الروعة حقيقة!!
و أظنّ بأنّ رسالتك قد وصلت بوضوح للمعنيين بالأمر.
عبد علي البصري
لذلك فالعديد من الجرائم والصراعات القديمه مثل فرعون عندما قسم المجتمع المصري الى فئتين احداهما بني اسرائيل فاستضعفهم ، ليستمر به الملك اكثر عندما يكون مجتمع مفكك . كذلك في الدوله الامويه وكذلك العباسيه و المجازر التي كانت في التتسي وارتكبت فيها الجرائم وكذلك الصراع في البوسنه والهرسك وفي العراق في عهد صدام كلها صراعات اثنيه . مع كون هذه الشعوب تنتمي الى عرق واحد .
عبد علي البصري
الصراع الاثني (( المجتعات تنقسم اما على اساس العرقي او على اساس الاثني وألاثنيه تعني اشتراك امه او مجتمع في ثقافه أو حراك اجتماعي أو اديولوجيه معينه)) هو صراع أزلي من هابيل و قابيل الى فرعون وأنصاره وموسى وشيعته الى التقسيم الاسلامي في مذاهبه كلها صراعات اثنيه . وقليلا ما نرى صراع على اساس عرقي .