العدد 3240 - الخميس 21 يوليو 2011م الموافق 19 شعبان 1432هـ

حقول تنقّي مياه الصرف

عبدالحليم سواس comments [at] alwasatnews.com

.

معالجة مياه الصرف الصحي عامل رئيسي في تحقيق الاستدامة البيئية. وهي تعتمد على أكسدة هوائية ولا هوائية تحفزها البكتيريا المعوية التي تطرح مع فضلات الإنسان في مياه الصرف الصحي. ويعتبر توافر الأوكسيجين مفتاح نجاح المعالجة الهوائية، حيث تتحول بقايا المواد الغذائية والشرهة للأوكسيجين إلى مركبات ذات كثافة أعلى من الماء، فترسب وينساب الماء رائقاً.

الأوكسيجين الهوائي هو أرخص المصادر لتنفيذ عملية المعالجة. ولقد طبقت تقنيات، من أهمها التخمير المنشط والترشيح، تحتاج إلى تقنيات عالية في التشغيل وتتأثر بالظروف البيئية من حرارة وارتفاع عن سطح البحر لارتباطهما بنسبة ذوبان الأوكسيجين. كما أنها تتم في حوض أسطواني قد يصل ارتفاعه إلى عدة أمتار، ما يجعل ذوبان الأوكسيجين الهوائي عبر عمود خزان المعالجة غير متجانس، وبالتالي تكون الأكسدة الهوائية متغيرة. وقد تنافس الباحثون في تطوير تقنيات هذه المعالجة لزيادة كفاءة نتائجها، بما في ذلك تركيب صفائح عائمة لزيادة مساحة سطح التهوية في خزان المعالجة، وإضافة بكتيريا محوَّرة وراثياً، وكلاهما يتصاحب مع نتائج إيجابية إلا أنها ذات كلفة اقتصادية عالية، كما قد تنطوي البكتيريا المحوَّرة على مخاطر بيولوجية عند الطفرات الوراثية أو كوسيط لنمو بعض الفيروسات. وكثيراً ما يفشل تطبيق المعالجة، خصوصاً في البلدان النامية التي تفتقر إلى الكفاءات التقنية والخطط الإنمائية والخدمات المساندة.

لكن ثمة وسيلة حيوية تعتمد الآن بنجاح في بلدان متقدمة ونامية، وهي استخدام النبات في معالجة مياه الصرف الصحي وأشكال أخرى من المياه الملوثة. ويحتاج النبات لنموه إلى الهواء الجوي في محيطه وحول جذوره. بيد أن نقص الأوكسيجين للجذور يثبط فاعلية النمو. إلا أن بعض النباتات تمتلك خاصية اجتذاب الأوكسجين الهوائي من الغلاف الجوي عبر الأوراق والساق ذات النفاذية للأوكسجين الذي يسري إلى الجذور ويغنيها عن أوكسيجين التربة. ومنها نبات الحلفا القصبي (reed) الذي يستوطن المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وينتشر في دول عربية أخرى ومنها مصر والسودان. ولقد فطن العالم الألماني أود باولي لهذه الخاصية وطورها في بحث نال عليه درجة الدكتوراه العام 1980، ومن ثم سهلت له هيئة البحث العلمي الألماني اختبار التطبيق الميداني الأول في منطقة نورديني الألمانية العام 1991. وقد تم اعتماد بحثه وطريقته لمعالجة مياه الصرف الصحي في مناطق كثيرة.

صمم باولي وحدة معالجة مياه الصرف الصحي والحمأة مستخدماً الآتي:

- خنادق أرضية مخروطية معزولة تماماً عن طبقة المياه السطحية باستخدام غلاف عازل من اللدائن البلاستيكية غير النفاذة.

ـ طبقة ترشيح طبيعي مكونة من أحجام متدرجة من الحصى، وفي أعلاها الرمل الذي يلي طبقة زراعة النبات السطحية. هذا يسمح للماء المعالج عبر جذور النبات بأن يترسب محتواه عبر طبقات ذات مسامية متزايدة تدريجياً، بالتصفية والانسياب تحت تأثير الجاذبية الأرضية، ثم ينساب في ميزاب مخروطي في قاع الخندق.

ـ طور نبات الحلفا وراثياً كي تزداد قدرة الجذور على تزويد الأوكسيجين، ما يسمح بتوضُّع البكتيريا الهوائية في جوار الجذور، تليها منطقة مجاورة من البكتيريا اللاهوائية. وهكذا فإن ماء الصرف الصحي الذي يضخ عبر الجذور يتعرض للأكسدة الهوائية واللاهوائية في آنٍ واحد وبصورة متجانسة نتيجة التحكم بمعدل جريان ماء المعالجة.

ـ تحقق هذه التقنية استخلاص 85 في المئة من الماء المعالج، ويفقد 15 في المئة بالتبخر الجوي. وإلى ذلك تمتد بقعة خضراء تثبت التربة وتمنع العواصف الرملية، وتلطف الجو. وهذه التقنية في معالجة حمأة الصرف الصحي تسمح باستخدام الحمأة كأسمدة عضوية مأمونة تغني عن الأسمدة الصناعية.

توالت مشاريع الحلفا في ألمانيا حتى زادت على خمسين، لمعالجة مياه الصرف الصحي في بلدات ومدن مختلفة. وامتد تطبيقها إلى النمسا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا والأرجنتين. كذلك استخدمت في المنتجعات السياحية في تايلاند وفي الأقصر في مصر، وخصوصاً لمعالجة مياه الصرف الصحي لمراكب الرحلات النيلية، ما يدل على إمكان تطبيق هذه التقنية بطاقة استيعابية صغيرة أو كبيرة وبمواصفات بيئية وجمالية عالية. وحديثاً تم تطبيقها في منطقة هرينغن الألمانية العام 2010 لمعالجة مياه المسابح وإعادة استخدامها، ما يشير أيضاً إلى كفاءة المعالجة التي تفي بالصحة البيئية. ونجحت هذه التقنية في مشاتل أوسترالية بإزالة 90 في المئة من النيتروجين و96 في المئة من الفوسفات من مياه الصرف الزراعي.

لقد اهتدى هذا العالم الألماني إلى نعمة من نعم الله سخرها كي يسترشد بها الإنسان ويعالج مخلفات صرفه الصحي، بما فيها الحمأة التي تتحول إلى سماد معالج وصالح للزراعة. وغاب عن أبناء منطقتنا، ونبات الحلفا حولهم، التفكير فيه وتسخيره لخدمة الاستدامة البيئية. ولقد زرت منطقة بحيرة اصطناعية من مخلفات مياه الصرف في المنطقة الشرقية في السعودية، وفوجئت بأن نبات الحلفا يحيط بجنباتها بكثافة. وسألت من زرعه، فأخبروني أنه نما تلقائياً. حتى في مياه الصرف الصحي المعالج بصورة غير كاملة ينمو هذا النبات تلقائياً في أحواض المعالجة، كما في برنامج الصرف الصحي في مدينة الرياض. وكان نموه في تجمعات مياه الصرف الصحي أكبر مما في المياه المعالجة بصورة غير كاملة. كما أنه نما في مدخل المياه غير المكتملة المعالجة وليس في أدنى الحوض، ما يشير الى أن نموه يتناسب طردياً مع نسبة تركيز المخلفات. وهنا نتساءل، هل ينمو هذا النبات عفوياً أم أنه «غراب قابيل» سخره الله العلي القدير كي يرشد الإنسان لمعالجة ما يلوثه من مياه ويحافظ على مصادرها فتتحقق الاستدامة البيئية؟

العدد 3240 - الخميس 21 يوليو 2011م الموافق 19 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:54 م

      دعم العلوم

      ليت تنفق الأموال في دولنا في تمويل الأبحاث العلمية والمشاريع البيئية ...........

اقرأ ايضاً