أرجأت المحكمة الصغرى الجنائية الرابعة قضية متهم بتقديم شيك بدون رصيد حتى 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 وإخلاء سبيله ومنعه من السفر واستدعاء مقدم البلاغ وتكليف النيابة بتقديم أصل الشيك.
وكانت النيابة العامة وجهت للمتهم بأنه أعطى بسوء نية شيكاً للمستفيد (شركة) وقدره عشرون ألف دينار مسحوب على بنك والذي ليس له مقابل وفاء كافٍ وقائم وقابل للتصرف.
وطالبت بمعاقبته وفقاً لنص المادة 393/1 من قانون العقوبات.
وقد تقدمت المحامية نفيسة دعبل بمذكرة دفاعية جاء فيها عدم توافر أركان جريمة إصدار شيك بدون رصيد، إذ بينت عدم توافر الشروط الشكلية الإلزامية التي اشترطها القانون في الشيك، قائلة لما كان من المقرر بالفقه القانوني من أن هناك شروط شكلية يستلزم تواجدها الشيك ليصدق عليه مصطلح (شيك) ويحظى بالحماية الجنائية ومتى انعدمت هذه الشروط كلها أو إحداها انـحسرت الحماية الجنائية التي فرضها القانون عليه.
ولما كان قانون التجارة قد اشترط أن يشمل صك الشيك على كلمة (شيك) وأن يرد هذا اللفظ في متن الشيك أي في (صلبه) فلا يتحقق هذا البيان إذا وردت كلمة شيك في أعلى الصك كعنوان له ولا في نهاية الشيك الأسفل توقيع الساحب وإنما ينبغي إثباتها في عبارة الأمر بالدفع كأن يقال (ادفعوا بموجب هذا الشيك) والحكمة من كتابة لفظ (شيك) بمتن الصك لتفادي أن تضاف هذه الكلمة إلى الصك بعد إصداره فليلتزم الساحب بالالتزامات الناشئة عن الشيك في حين إن لم يقصد تحرير شيك بل تحرير سند آخر فلا يتضمن ذلك.
وأضافت ولما كان الشيك موضوع الدعوى كما هو ثابت لعدالة المحكمة يتضح أنه لا يحتوي على لفظة شيك لا في المتن كما اشترط القانون بل ولا في أعلاه أو أسفله وهو بذلك يخالف شرطاً شكلياً إلزامياً لا يمكن أن تعتبر الورقة بدونه شيكاً وذلك حسب القانون المنظم لهذه الورقة وفق قانون التجارة في مادته 447 والتي تحدد البيانات التي يشملها الشيك ومن مقدمتها لفظ شيك مكتوب في الصك باللغة التي كتب بها كما جاءت المادة 448 لتقرر بأن الصك الخالي من أحد البيانات المذكورة من المادة السابقة (المادة 447) لا يعتبر شيكاً.
والبديهي كما هو معلوم لعدالة المحكمة الموقرة بأنه طالما لم يتوافر في الصك شرط جعله شيكاً انحسرت عنه الحماية الجنائية وأصبح الصك موضوع هذه الدعوى ليس شيكاً مما يؤدي إلى القول بعدم توافر أركان جريمة إصدار الشيك بدون رصيد.
كما دفعت بانعدام القصد الجنائي، وذكرت رجوعاً إلى الفقه العقابي فإن القصد الجنائي يتطلب انصراف إرادة الجاني إلى إحداث النتيجة الإجرامية مع علمه بأن سلوكه الذي يأتيه يؤدي إلى ارتكاب جريمة الشيك بدون رصيد، وقد استلزم مصطفى القللي صفحة 264 (شرح قانون العقوبات في جرائم الأموال) نية خاصة للجاني لاعتباره مرتكباً للجريمة محل الاتهام تتمثل في سوء نية الجاني بقيامه بسلب مال المستفيد من الشيك.
وبإنزال ذلك على واقعات الدعوى نجد أن المتهم قام بإعطاء شيك للمجني عليه كضمان لسداد قيمة الخضار والفواكه التي اشتراها، وبناءً على رغبة الأخير ولم تنصرف إرادته إلا لاعتبار الشيك كضمان والمجني عليه هو الأكثر علماً بهذه الحقيقة، كما أن لدى المتهم شهود على أتم الاستعداد للمثول بين يدي عدالتكم لتأكيد هذه الحقيقة، ولتأكيد الحقيقة الأكثر أهمية من ذلك وهي قيام المتهم بسداد كامل المبلغ محل الشيك كما هو ثابت من خلال الحوالة التي تمت من خلال الصرافة.
ويذكر أن المتهم طالب المجني عليه باسترجاع الشيك بعد قيامه بالسداد إلا أن المجني عليه وبسوء نية امتنع عن ذلك، وخير دليل على ذلك هو قيام المتهم برفع دعوى مدنية باسترجاع قيمة الشيك.
وأفادت أنه وبذلك نصل لنتيجة مفادها عدم قيام القصد الجنائي في الجريمة المنسوبة للمتهم والتي تكمن في انصراف إرادته نحو الامتناع عن دفع ما يقابل قيمة الشيك والأهم من ذلك انعدام سوء نية المتهم، باعتباره لم يتملص من سداد القيمة الواردة بالشيك وإنما قام بسداد قيمته كاملةً، وحيث إن الفقه الجنائي وكما ابتغى حماية الشيك في التعامل بوصفه أداة وفاء تقوم مقام النقود فإنه لا يمكن أن يهدر حقوق الساحب إزاء تصرفات المستفيد.
كما دفعت دعبل بتعديل القيد والوصف الوارد بأمر الإحالة، وذلك لأن ما قام به المستفيد يعد خيانة للأمانة المنصوص عليها بالمادة 395 من قانون العقوبات، إذ بينت أن الشيك سلم المجني عليه على سبيل الرهن ضماناً لسداد قيمة الخضار والفواكه التي اشتراها من المجني عليه وكان موقعاً على بياض فسلمه إلى المشخص الذي استخدمه بدوره في غير الغرض المحرر من أجله.
فالبيِّن من أوراق الدعوى وما اتفق عليه المتهم والمجني عليه بأن الشيك مسلم إلى الأخير كضمان لسداد قيمة الفواكه والخضار الذي حصل عليها المتهم من المجني عليه، والذي قام بسداد قيمتها كاملة بموجب كشف حساب عن طريق حوالة للصرافة، إلا أن المجني عليه وبعد أن تسلم هذا الشيك على سبيل الرهن كضمان لسداد قيمة الفواكه والخضار وكان المفروض عليه أن يرده إلى المتهم بمجرد سداد قيمة الفواكه والخضار الذي أخذ الشيك ضماناً له إلا أنه وبسوء نية منه قام بملء هذا الشيك الموقع من المتهم على بياض بقيمة المبلغ المذكور الذي سبق وسدده كاملاً وسلمه للمجني عليه ليقوم الأخير بتقديم شكوى بأن الشيك بدون رصيد وهو ما يؤكد سوء نيته ويؤكد على ارتكابه جريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها بالمادة 395/1 والتي نصت على الآتي (يعاقب بالحبس من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو سندات أو أي مال آخر منقول إضراراً بأصحاب الحق عليه متى كان قد سلم إليه على وجه الوديعة أو الإجارة أو الرهن أو عارية الاستعمال أو الوكالة).
وذكرت دعبل أنها احتياطياً تطالب استعمال منتهى الرأفة وإعمال وقف تنفيذ العقوبة لتحقق شروطها، وأفادت لما كان بالرجوع للمادة 70 من قانون العقوبات التي بينت ظروف التخفيف وللمادة 81 من القانون نفسه والتي نصت على الآتي (للقاضي عند الحكم في جريمة بالغرامة أو الحبس مدة لا تزيد على سنة أن يأمر بوقف تنفيذ العقوبة إذا تبين أن أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو ظروف جريمته أو سنه ما يحمل على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى ارتكاب جريمة جديدة).
وبتطبيق ذلك على واقعات الدعوى يتضح لعدالة المحكمة الموقرة أن المتهم حسن السيرة والسلوك بشهادة أصحابه الذين على أتم استعداد للمثول وبيان ذلك، هذا وتخلو صحيفة أسبقياته من أي جريمة، ووضعه في الحبس مع عتاة ومعتادي الإجرام من شأنه أن يؤثر سلباً عليه وخصوصاً أن واقع ما حصل لا يدل بأي شكل من الأشكال على الخطورة الإجرامية لديه، فكل ما قام به هو إعطاء المجني عليه لشيك كضمان، قام بسداده نقداً قبل أن يحل ميعاد الاستحقاق وطالب باسترجاعه من المجني عليه إلا أن الأخير لم يقبل وتوجد دعوى مدنية لديه بطلب استرجاع الشيك، كما أن لديه شهود على قيامه بسداد قيمة الشيك فضلاً عن كشف بعمل حوالة للصرافة العربية بسداد القيمة، لذلك نجد ضرورة تطبيق المادة 81 لتوافر شروط إعمالها، لما قمنا ببيانه لعدالتكم سابقاً يتجلى من خلال ماضي المتهم وأخلاقه والخوف من ضياعه وأسرته.
والتمست دعبل قبل الفصل في الموضوع: الاستماع لشهود النفي، لبيان قيام المتهم بسداد قيمة الشيك قبل أن يحل ميعاد استحقاقه، وقيام المتهم بعد قيامه بسداد المبلغ محل الشيك بمطالبة المجني عليه بإرجاع الشيك ورفض الأخير.
وفي الموضوع: الحكم ببراءة المتهم من التهمة المسندة إليه وإحالة القضية إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها بتحريك الدعوى الجنائية قبل المجني عليه وفقاً للمادة 395/1 من قانون العقوبات.
وعلى سبيل الاحتياط الكلي استعمال منتهى الرأفة ووقف تنفيذ العقوبة رجوعاً للمادة 81 أو الاكتفاء بعقوبة الغرامة
العدد 3240 - الخميس 21 يوليو 2011م الموافق 19 شعبان 1432هـ