اشتهر الرئيس الأميركي ابراهام لنكولن بشيئين: بإطلاق لحيته دون الشارب، مع أنه لم يُطِل لحيته إلا في الأعوام الأخيرة من حياته؛ وبدعوته لتحرير العبيد.
قصة التحائه بدأت عندما كان يقوم بجولات في بعض الولايات أثناء حملته الانتخابية، فتوقف عند إحدى البلدات حيث استقبله أهلها، وكان من بينهم طفلة صغيرة، أخذ يداعبها فاقترحت عليه أن يطيل لحيته، فأخذ باقتراحها حتى ارتبطت صورته باللحية إلى الأبد.
لنكولن (1809 - 1865)، هو الرئيس الأميركي السادس عشر، ويعتبر من أهم الرؤساء الأميركيين وأكثرهم تأثيراً في بلاده والعالم. ففي عهده حدثت حرب أهلية انفصلت على إثرها إحدى عشرة ولاية وأعلنت الاستقلال باسم «الولايات الكونفدرالية الأميركية». ولكنه أعادها إلى حظيرة الاتحاد، ويمكنك أن تتخيل كيف سيتغير تاريخ العالم لو استمر الانفصال، ليس على مستوى السياسات الدولية، بل حتى على مستوى التقدم العلمي، وهل كانت ستتاح بين أيدينا أجهزة الكمبيوتر والآي باد.
على أن القرار الأهم الذي خلَّد اسم لنكولن في التاريخ البشري أنه صاحب قرار إلغاء الرق العام 1863، فهذا الرئيس وُلد لأسرة فقيرة من المزارعين، ولم يلتحق بالمدرسة، لكنه ثقف نفسه ذاتياً، وانكب على قراءة الكتب، وتعلم مبادئ القانون حتى أصبح محامياً.
كان الأوروبيون الذي استعمروا العالم الجديد، قد دأبوا على جلب الرقيق من إفريقيا لأكثر من ثلاثة قرون، حيث أفرغت القارة السوداء من 25 مليون نسمة، وكان نصف الرقيق يموت أثناء شحنه في البواخر فيلقى بجثثهم في المحيط. ومن يصل منهم يباع في سوق النخاسة لينتهي مزارعاً أو خادماً في بيت.
في بداية القرن التاسع عشر، أخذت الولايات الشمالية بالنظام الصناعي، فتخلت عن الرق، بينما تمسكت به الولايات الجنوبية القائم اقتصادها على الزراعة، وأصر البيض الجنوبيون على إبقاء الجيل الجديد من الزنوج في الرق بعد منع استيراد العبيد. وكانت هذه القضية أحد أسباب الحرب الأهلية منتصف القرن بين الجنوب والشمال، حيث نشطت الحركة المطالبة بمنع الرق والاستعباد، وفي تلك الفترة برز لنكولن حيث التحق بالحزب الجمهوري، واشتهر بخطبه النارية ضد مؤسسة العبودية ونظام الرقيق، وتنديده بالطبقة المالكة للعبيد وتهديدها لوحدة أميركا.
كان يحارب جداراً شاهقاً، ونظاماً اقتصادياً قديماً، فاتهمه خصومه بمحاباة «الزنوج» والإيمان بالمساواة بين السود والبيض، فتلك كانت تهمة خطيرة في ذلك الزمان. ولذلك أنكرها وأوضح أنه لا يسعى إلى المساواة (فذلك كفرٌ وتجديفٌ وخروجٌ من الملة) وإنما دعا فقط إلى إلغاء استرقاق الرقاب!
في الانتخابات الرئاسية للعام 1860 اشتد الخلاف على الرق، وطرحت قضية الانفصال، وفاز لنكولن، لكنه لم يحصل على أصوات مؤيدة في ولايات الجنوب رغم مناهضته للعبودية. بل إن الكثير من الساسة ورجال الإعلام وكبارات المجتمع هدّدوا بالانفصال في حال فوزه. فالصحافة التي يفترض أن تحمل مشعل الحرية وتقف إلى جانب المساواة بين البشر وتتبنى القيم الإنسانية الكبرى، انحازت بسبب مصالحها إلى العبودية وأخذت تناهض الحرية والدعوة إلى المساواة.
في سبتمبر 1863، أصدر لينكولن «إعلان التحرير» الذي قضى بمنع الرق في بعض الولايات، وكان يطمح إلى اجتذاب العبيد للتحرّر من قبضة الملاك، ما أدى إلى استنفار هؤلاء. ومع استمرار الخسائر في الحرب الأهلية تولدت ردة فعل لدى الشماليين، إذ اعتقد بعضهم أنهم لا يخوضون حرباً من أجل توحيد وطنهم بل من أجل تحرير الزنوج، وهي قضية أقل أهمية لديهم، بعيداً عن تقدّم البشرية وأفكار الإنجيل والأخوة الإنسانية! ومع ذلك واصل لنكولن الحرب واستطاع إنهاءها وإخضاع الجنوب، بعد مقتل أكثر من نصف مليون نسمة غير الجرحى، فضلاً عن حرق وتدمير المدن، كل ذلك من أجل فرض فكرة بديهية تماماً: أن البشر متساوون.
كان الجو مشحوناً وموبوءًا بالتحريض والكراهية ضده، فذهب لنكولن إلى حفل تتويجه متنكراً مخافة الاغتيال. وفي خطابه كان يحاول التوفيق، فأكد أن لا نية لديه لإلغاء الرق في كامل التراب الأميركي، ومع ذلك لم ينل رضا القوى المتطرفة، فانبرى إليه أحدهم وهو يشاهد عرضاً مسرحياً، وأطلق عليه النار فأرداه قتيلاً في أحد أيام أبريل/ نيسان 1865.
لم يكن لنكولن قديساً ولا ولياً صالحاً، بل كان رجل سياسة، أخطأ وأصاب، ومما كتب عنه أنه رغم حربه لإنهاء العبودية إلا أنه لم يكن مؤمناً بفكرة المساواة بين الأجناس، ويستدلون بميله إلى فكرة إرسال الزنوج المحررين إلى جزر البحر الكاريبي أو إعادتهم إلى سواحل إفريقيا، بدافع سياسي بحت، وهو الحفاظ على السلم الأهلي!
إحدى الظواهر التي أثارت حيرة الباحثين، أن هناك شريحةً من السود كانوا من ضمن معارضي لنكولن في دعوته لإنهاء العبودية، وبعضهم قاتل مع البيض ليبقى عبداً إلى الأبد. بعض هؤلاء كان ينقصه الوعي والبصيرة التاريخية، فهم عاشوا عبيداً ولا يسوؤهم أن يورّثوا لأبنائهم العبودية والقيود. وبعضهم كان من الفقراء المعدمين، وبعضهم عاش خادماً حتى هرم، لا يجيد صنعةً ولا يحسن الاعتماد على النفس، ولو خرج من بيت سيده لجاع وضاع في زحمة الحياة.
يعتبر لنكولن اليوم من أعظم الرؤساء في التاريخ الأميركي، ويجمع الجمهوريون والديمقراطيون على اعتباره المؤسس الثاني للولايات المتحدة، وقد صنعوا له تمثالاً أمام الكونغرس نقشت في قاعدته كلمات من خطبه التاريخية، ويعتبره الرئيس الزنجي باراك أوباما قدوته الكبرى.
كلمةٌ أخيرةٌ توضيحية، استخدمتُ كلمة «العبيد» في هذا المقال وأنا غير مؤمن بهذه الكلمة المهينة، وإنّما أخذاً بالمصطلحات الشائعة، فأنا من المؤمنين بوجود مستَعْبَدِين ولا يوجد عبيد. تلك من بدع الأرض وليست من بضاعة السماء. ورحم الله شاعرنا الكبير أبا العلاء المعري حين ثار على عقلية السادة و «العبيد»:
ويقولُ داري من يقول وأعبُدي... مَهْ! فالديارُ لربِّنا والدارُ
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3239 - الأربعاء 20 يوليو 2011م الموافق 18 شعبان 1432هـ
سوسو
أن هناك الكثير من أنواع العبودية و منها العبد باختياره و عبد الدينار و عبد الدنيا و عبد المصلحة و عبد الطائفة و عبد العصبية و عبد الجهل و عبد الحقد و عبد الغباء و عبد الجهل المركب و عبد الشيخ و عبد الإستحمار و عبد البلاهة و عبد العمى و عبد الفتات و عبد المقفل ...........
كلودا
ههههههههههههههه جيد جدا شكرا
قصة من معلمي في المدرسة
عن قصة لنكولن و العبيد, بعد أن مضى وقت على تحريرهم, و بينما كان لنكولن في عربته, صادف بعض الزنوج ممن يحتاجون لتوصيلة. أذن لهم ركوب العربة, فركبوا الزنوج و أبقو أمتعتهم على رؤوسهم. قال لنكولن: ربما حررتهم بإلغاء الرق لكن لم أحرر عقولهم.
شكرا" سيدنا
نشكرك على هذه المقالات الرائعة التي تزيد الالفة فيما بيننا, بذلك أصبحت أفضل من بعض الصحفيين, للأسف, الذين لا زالوا يصبون الزيت على الحريق و ينادون الآخرين بإخماده.
إسم القصيده اللُّــــــــــــبُّ قُطــــــــــبٌ، والأمــــــــورُ له رَحًــــــى، لأبو العلاء المعري ............... ام محمود
هذي الشخوص، من التّراب، كوائِن
فالمرءُ، لولا أن يُحِسّ، جِدار
وتَضِنُّ بالشيءِ القليلِ، وكلُّ ما
تُعطي وتَملِكُ، ما له مقدار
ويقولُ داري، من يقولُ، وأعبُدي
مَهْ! فالعبيدُ، لربّنا، والدّارَ
يا إنسَ! كم يَردُ، الحياةَ، مَعاشرٌ
ويكونُ، من تلفٍ، لهم إصدار
أترومُ من زمنٍ وفاءً مُرضياً
إنّ الزّمانَ، كأهلِه، غدّار
تقِفونَ، والفُلكُ المُسخَّرُ دائرٌ
وتقدِّرونَ، فتَضحكُ الأقدار
__
أهنئك استاذ قاسم لروعة المقال
و لاختيارك الأبيات الشعريه المعبره
زبدة المقال
أن هناك شريحةً من السود كانوا من ضمن معارضي لنكولن في دعوته لإنهاء العبودية، وبعضهم قاتل مع البيض ليبقى عبداً إلى الأبد. بعض هؤلاء كان ينقصه الوعي والبصيرة التاريخية، فهم عاشوا عبيداً ولا يسوؤهم أن يورّثوا لأبنائهم العبودية والقيود. وبعضهم كان من الفقراء المعدمين، وبعضهم عاش خادماً حتى هرم، لا يجيد صنعةً ولا يحسن الاعتماد على النفس، ولو خرج من بيت سيده لجاع وضاع في زحمة الحياة.
بين عبيد الأمس وعبيد اليوم هناك قاسم مشترك وهو ظهور المنقذ والمخلص من العبوديه .... ام محمود
**في النهاية ، العِبرة ليست بالسنوات التي عشتهــــــــــا ، بل بنبــــــض الحيـــــاة
في تلك السنوات " (إبراهام لنكولن)
__
الأحداث الجسيمة التي حدثت في الشرق الأوسط في الشهور الماضية أثبتت وكشفت لنا ان الشعوب مستعيده من زمان والقيود التي تكبلها سميكة جدا
في قصة لنكولن هناك حروب قامت وتضحيات كبيره وقتلى كثيرون سقطوا بما يقارب نصف مليون نسمه لنيل الحريه وكسر الرق وحياة العبيد المذله.. ونرى العدد الذي سقط في ليبيا واليمن وسوريا ومصر وغيرها هائل جدا
مساكين عبيد القرن ال 21 أم
محظوظين
هناك زعماء ورؤوساء دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه وسطروا أسماؤهم من ذهب وهناك من ذهب لمزبلة التاريخ ... ام محمود
- يقول إبراهام لنكولن: أنا أمشي ببطء، ولكن لم يحدث أبدا أنني مشيت خطوة واحدة للوراء.
- إن صديقك الحقيقي هو الصديق الذي له نفس عدوك
-أقوى هزيمة لعدوك ، هو أن تجعله صديقك
___
ويقول ونستون تشيرشل .
التاريخ يكتب من الإنتصار و المنتصرين ، و ليس من الهزيمة و المنهزمين
و يقول المهاتما غاندي
في البداية سيتجاهلونك ، ثم سيسخرون منك ، ثم سيحاربونك ، ثم ستنتصر ، ثم ستنتصر ، ثم ستنتصر _
شخصية لنكولن وسيرته موجوده عندي في درس بوربوينت أعددته مع عدة شخصيات
تستوقفني حماسته لتحرير العبيد ونجاحه
تصحيح والرسالة وصلت
شكراً سيدنا. اعتقد ان البيت هكذا:
ويقول داري من يقول وأعبدي (أي عبيدي)
مه! فالعبيد لربنا والدار. انا راجعتها في غوغل فوجدتها هكذا، بس أكيد انت تأخذها من كتب ودواوين.عموما الفكرة واضحة والرسالة وصلت.
وكلمة (مه) تقال للاستغراب. فعلا سيد هناك ناس لا يريدون ان يعيشوا احرار.
معنى بيت الشعر في المقال
قد يكون البيت يحتاج لتصحيح والله العالم
ويقولُ داري من يقول وأعبُدي
مَهْ! فالعبيدُ لربِّنا والدارُ
كلمة فالعبيد ربما تناسب اكثر من الديار لتكراره وعليه يكون المعنى ان بعض الناس يقول داري اي بيتي وهذا عبدي بينما كل شئ لله الواحد القهار
ولا ننسى ان الانسان عبد في قبال الله ومستعبد في قيال الانسان الذي يؤاخيه في الدين او يناظره في الخلق كما يقول علي عليه السلام
شكر وطلب
شكراً أستاذ قاسم على المقال الرئع. لكني لم افهم بيت الشعر الذي ختم المقال. فهل تتكرم علينا بشرحه، مع الشكر.
عبيد الدنيا
هناك من يود أن يستمر عبدا طوال حياته والعبودية أنواع منها العبودية للمال، أو العبودية الفكرية، أو العبودية لأجل المشاركة أيضا في المضي في استعباد الآخرين، فمتى سوف يتحررون، لا أمل في ذلك.
هذا أهم ما في مقالك...........
كلمةٌ أخيرةٌ توضيحية، استخدمتُ كلمة «العبيد» في هذا المقال وأنا غير مؤمن بهذه الكلمة المهينة، وإنّما أخذاً بالمصطلحات الشائعة، فأنا من المؤمنين بوجود مستَعْبَدِين ولا يوجد عبيد. تلك من بدع الأرض وليست من بضاعة السماء.
klam 7loo
فهم عاشوا عبيداً ولا يسوؤهم أن يورّثوا لأبنائهم العبودية والقيود. وبعضهم كان من الفقراء المعدمين، وبعضهم عاش خادماً حتى هرم، لا يجيد صنعةً ولا يحسن الاعتماد على النفس، ولو خرج من بيت سيده لجاع وضاع في زحمة الحياة.
..........
وبعضهم قاتل مع البيض ليبقى عبداً إلى الأبد. بعض هؤلاء كان ينقصه الوعي والبصيرة التاريخية، فهم عاشوا عبيداً ولا يسوؤهم أن يورّثوا لأبنائهم العبودية والقيود. وبعضهم كان من الفقراء المعدمين، وبعضهم عاش خادماً حتى هرم، لا يجيد صنعةً ولا يحسن الاعتماد على النفس، ولو خرج من بيت سيده لجاع وضاع في زحمة الحياة.
.........
أن هناك شريحةً من السود كانوا من ضمن معارضي لنكولن في دعوته لإنهاء العبودية، وبعضهم قاتل مع البيض ليبقى عبداً إلى الأبد. بعض هؤلاء كان ينقصه الوعي والبصيرة التاريخية، فهم عاشوا عبيداً ولا يسوؤهم أن يورّثوا لأبنائهم العبودية والقيود. وبعضهم كان من الفقراء المعدمين، وبعضهم عاش خادماً حتى هرم، لا يجيد صنعةً ولا يحسن الاعتماد على النفس، ............
هذا حال الطبالة الآن يعيدون تاريخ العبودية و يرتضونه كمصير لهم و لأبنائهم.
ابداع
..........اشكرك على هذا المقال الفائق الجودة فللاسف هناك مقالات قراتها اليوم قبل مقالك على النقيض تماما من هذا المقال الرائع.
مالك حل
"إحدى الظواهر التي أثارت حيرة الباحثين، أن هناك شريحةً من السود كانوا من ضمن معارضي لنكولن في دعوته لإنهاء العبودية، وبعضهم قاتل مع البيض ليبقى عبداً إلى الأبد"
ظاهرة محيرة فعلا ولكنها تتكرر بصورة او باخرى
إحدى الظواهر التي أثارت حيرة الباحثين، أن هناك شريحةً من السود كانوا من ضمن معارضي لنكولن في دعوته لإنهاء العبودية، وبعضهم قاتل مع البيض ليبقى عبداً إلى الأبد. بعض هؤلاء كان ينقصه الوعي والبصيرة التاريخية، فهم عاشوا عبيداً ولا يسوؤهم أن يورّثوا لأبنائهم العبودية والقيود. وبعضهم كان من الفقراء المعدمين، وبعضهم عاش خادماً حتى هرم، لا يجيد صنعةً ولا يحسن الاعتماد على النفس، ولو خرج من بيت سيده لجاع وضاع في زحمة الحياة
المشكلة يا سيد
أن هناك الكثير من أنواع العبودية و منها العبد باختياره و عبد الدينار و عبد الدنيا و عبد المصلحة و عبد الطائفة و عبد العصبية و عبد الجهل و عبد الحقد و عبد الغباء و عبد الجهل المركب و عبد الشيخ و عبد الإستحمار و عبد البلاهة و عبد العمى و عبد الفتات و عبد المقفل ...........
من شب على شيء شاب عليه
حقا من استمرأ طعم العبودية لغير العزيز الجبار يصعب جدا أن تقنعه بأن اااه قد خلقه حرا