العدد 3238 - الثلثاء 19 يوليو 2011م الموافق 17 شعبان 1432هـ

محامية تدفع بتضارب الأقوال ونزع اعتراف متهم بقضية «شغب»

حددت المحكمة الصغرى الجنائية الرابعة برئاسة القاضي عبدالله أبل وأمانة سر يوسف العصفور 4 أغسطس/ آب الحكم في قضية متهم بالتجمهر والشغب.

وكانت النيابة العامة وجهت للمتهم أنه وآخرين تجمهروا في مكان عام مكون من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه الإخلال بالأمن العام وقد استخدموا العنف لتحقيق الغاية التي اجتمعوا من أجلها. كما إنه حرض وآخرون مجهولون علناً على كراهية النظام.

وقد قدمت المحامية نفيسة دعبل مذكرة دفاعية دفعت فيها ببطلان القبض لصدوره بغير إذن من النيابة ولانتفاء حالة التلبس، وقالت لمّا كان من المقرر في صحيح القانون أن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها لا مرتكبها، وأن قيام حالة التلبس تبيح القبض على كل من ساهم في ارتكابها وذلك في حال توافر حالات التلبس التي حددها القانون في المادة 51 من قانون الإجراءات الجنائية. وأنه في حالة انتفائها وعدم توافرها فإن القبض يصبح باطلاً.

وقد أكد القضاء على أن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو بإدراكها بحاسة من حواسه، ولا يغنيه عن ذلك تلقي نبأها عن طريق الرواية أو النقل من الغير.

وأضافت وحيث أنه وكما يبين من محضر الإجراءات المؤرخ في 3 يونيو/ حزيران 2011 بواسطة رجل الأمن، بأن المتهم قد ألقي القبض عليه أثناء تواجده في نقطة التفتيش وليس في مكان الجريمة، ما ينفي بالضرورة حالة التلبس... كما ينفي صلة المتهم بالجريمة لعدم وجوده في مكانها... فضلاً عن ذلك فإن رجل الأمن لم يقم بالقبض عليه إلا بسبب ملاحظة الإصابات في الوجه والرقبة والظهر فهل تلك الأمور خلقت حالة تلبس مثلاً؟! وهل تلك الأمور أجازت القبض على المتهم بدون إذن سابق.

وبناء عليه يضحى إجراء القبض على المتهم باطلاً، ما يحتم بطلان الإجراءات اللاحقة عليه إعمالاً للقاعدة المعروفة بأن بطلان الإجراء يستطيل إلى كل ما لحقه من إجراءات تساندت عليه فإن - (الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة، أو ما كانت تقضي به لو أنها تفطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم).

كما دفعت دعبل بانعدام أدلة الإدانة وإهدار شهادة رجل الأمن لقيامه بقبض باطل، وأشارت وذلك لما استقر الفقه الإجرائي وأحكام النقض المصرية على أن (ما بني على باطل فهو باطل) كذلك فإن المستقر عليه بأن شهادة من قام بالإجراء الباطل لا يعتدّ بها وتهدر، وعلة ذلك أن من قام بهذا الإجراء سيكون حريصاً على إخفاء عوار البطلان على الإجراء الذي قام به، وبذلك فإن شهادته لا تصلح لأن يعتدّ بها.

وبإنزال ذلك على واقعة الدعوى يتضح لعدالة المحكمة الموقرة بأن شاهد الإثبات الوحيد في الدعوى المنظورة هو الذي قام بإجراء القبض الباطل، وبطبيعة الحال هو أحرص الناس على أن يخفي عوار البطلان الذي أصاب إجراءه.

وعليه وحماية للشرعيه الإجرائية، بل وضماناً وصوناً لحريات الأفراد وضرورة المحافظة عليها والتقيد بأحكامها كما هو معلوم لعدالة المحكمة ينبغي عدم الاعتداد بشهادته.

وذكرت أن شهادة مأمور الضبط القضائي باطلة لعدة أسباب، إذ تم الاعتماد على شهادة مأمور الضبط القضائي كدليل لإثبات الجريمة، على الرغم من كونه هو من أجرى القبض ومن مصلحته أن يصحح الإجراء الذي قام به وينزع عنه صفة العوار والبطلان.

فضلاً عما بينا لعدالة المحكمة الموقرة من عدم الاعتداد بحجية أقوال شاهد الإثبات لما ألمّ بها من عوار قانوني فإن تناقضها وتضاربها والذي يؤدي وكما هو معلوم لعدالة المحكمة الموقرة لتهاترها جملة وتفصيلاً .

كما بينت بأن هناك تناقضاً واضحاً بين محضر الإجراءات المحرر من قبل مأمور الضبط القضائي وبين أقواله في محاضر الاستدلالات، إذ إن في محضر الإجراءات والمحرر وقت القبض على المتهم يثبت بأنه قد تم إلقاء القبض عليه أثناء تواجده في نقطة التفتيش.

بينما إفادة مأمور الضبط القضائي في محاضر استدلالات الشرطة ومحاضر التحقيق، تروي رواية مغايرة تماماً، فكما ذكر في هذه المحاضر بأن واقعة القبض قد تمت كالتالي، بعد إلقاء القنابل المسيلة للدموع تفرق الجمهور وقام مأمور الضبط القضائي باللحاق بالمتهم وقبض عليه.

أليس هذا التناقض المريب كافياً لإبطال شهادة مأمور الضبط القضائي.

كما تابعت بعدم معقولية الواقعية التي صورها مأمور الضبط القضائي في شهادته، إذ تساءلت: هل من المعقول أن يتم القبض على شخص واحد فقط من أصل أكثر من ثلاثين شخصاً كانوا متجمعين في المسيرة، في ظل وجود عدد كبير من دوريات مكافحة الشغب.

مفيدة أن ذلك يؤكد ما جاء في محضر الإجراءات على أن المتهم لم يتم إلقاء القبض عليه بعد مطاردة بوليسية في مكان التجمهر، وإنما تم إلقاء القبض عليه في أحد نقاط التفتيش القريبة من منطقة سكنه في المنطقة الشمالية دون أن يقترف أي ذنب.

كما دفعت دعبل ببطلان اعتراف المتهم إذ أفصحت نص المادة 19 من دستور مملكة البحرين على: (د- لا يعرّض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي، أو للإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك. كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منها).

وتنص المادة 61 من قانون الإجراءات الجنائية على:

(لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً، كما يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً).

لقد جاءت هذه النصوص الدستورية والقانونية لتؤكد على وجوب أن يصدر الاعتراف عن إرادة حرة وواعية، أما الاعتراف الذي يسبقه الإكراه والمعاملة القاسية والمهينة فهو باطل وعلى المحكمة أن تهدره وألا تعول عليه.

(الاعتراف الذي يعول عليه الأصل أن يكون اختيارياً. صدوره لإثر ضغط أو إكراه أياً ما كان قدره. عدم اعتباره كذلك ولو كان صادقاً).

وبناءً عليه، وحيث أن الاعتراف الصادر من المتهم كان وليد الإكراه والإجبار من قبل مأموري الضبط القضائي، ويدل على وجود هذا الإكراه ما توصل إليه تقرير الطبيب الشرعي والذي جاء بما يلي:

(تبين آثار إصابية رضّية واحتكاكية رضّية بالوجه والظهر من جراء المصادمة بجسم أوأجسام صلبة راضّة أياً كان نوعها بعضها له سطح وشكل مميز كالعصا أو ما شابه في تاريخ يعاصر تاريخ الواقعة).

إن ما ورد بتقرير الطبيب الشرعي يفتح المجال لإثارة التساؤلات، إذا كان الاعتراف صحيحاً وصدر دون أن يسبقه تعذيب أو ضرب، فلماذا توجد آثار إصابات ترجع لأجسام صلبة بعضها لها سطح وشكل مميز كالعصا.

وهل يمكن التعويل على هذا الاعتراف الذي جاء نتيجة لإجراء قبض باطل والمسبوق بضرب مبرح بالعصا لإجبار المتهم عليه

مما سبق يتبين لعدالتكم، أن الاعتراف الصادر عن المتهم لا يمكن التعويل عليه وذلك بدلالة النصوص الدستورية والقانونية والمبادئ القضائية والتي أجمعت على بطلانه وذلك لوقوعه تحت الإكراه والضرب.

كما دفعت دعبل بانتفاء القصد الجنائي، إذ يتطلب القانون لقيام الجريمة أن يتوافر القصد الجنائي للجاني بأن تتجه إرادته للقيام بركنها المادي عالِماً بحقيقتها الواقعية وعناصرها القانونية.

وحيث إن المتهم قد انتفى لديه القصد الجنائي، فهو لم يرتكب الجريمة ولم يكن يعلم بها.

بل إنه أساساً لم يكن موجوداً في مكان الجريمة وقت إلقاء القبض عليه. فالمتهم قد قبض عليه عندما كان مارّاً على نقطة التفتيش القريبة من منطقة سكنه.

وطلبت دعبل بوقف تنفيذ العقوبة لتحقق شروطها التي تنص المادة 81 من قانون العقوبات على:

(للقاضي عند الحكم في جريمة بالغرامة أو الحبس مدة لا تزيد على سنة أن يأمر بوقف تنفيذ العقوبة إذا تبين من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو ظروف جريمته أو سنه ما يحمل على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى ارتكاب جريمة جديدة...).

وحيث إن المتهم في مقتبل العمر وريعان الشباب، وإن بقاءه في الحبس سيدمر مستقبله وسيؤدي إلى خسارة عمله، زد على ذلك اختلاطه بالمجرمين... جميع ذلك سيؤدي بالضرورة إلى إعاقة عملية إصلاحه وتأهيله كفرد صالح في المجتمع.

وأنهت دعبل مذكرتها بالتماسها أصلياً: براءة المتهم من التهم المسندة إليه، واحتياطياً: استعمال منتهى الرأفة بالمتهم ووقف تنفيذ العقوبة بحقه

العدد 3238 - الثلثاء 19 يوليو 2011م الموافق 17 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً