تتحدث الفيلسوفة الألمانية/ الأميركية حَنَّة أرِنْدت عن الثورة بشكل مختلف. فالثورات اليوم من وجهة نظرها ليست تغييرات فقط، وأن بينها وبين ما كان يُعرَف في الإرث الروماني القديم بـ «الخصام الأهلي» قطيعة، بل هي ليست محلّ انسجام مع تعريف بوليبيوس لها بأنها «الدورة المحدَّدة المتكررة التي تحكم الشئون الإنسانية» وإنما هي ذات بُعد اجتماعي بات يُؤدّي دوراً ثورياً بقوة، لا يُمكن أن يُحقق معنى ثورة إلاَّ إذا أوجَد التغيير الحقيقي في الميدان العام؛ بمعنى أن وجود العنف والحِراك هو مقدمة للثورة ليس إلاّ، ولا تتحقق الثورة إلاَّ بالتغيير وهو المعنوَن.
ومثلما كان يقول الفيلسوف الألماني وعالِم النفس الشهير فريدريك نيتشه بأن «العقول العظيمة مُتشككة» فقد أصبحت الشعوب اليوم ترى بأن التمييز الحاصل بين الفقراء والأغنياء ليس أمراً حتمياً، ولا هو أزلي، وبالتالي لا يُمكن القبول به قَدَراً لا يُمكن المساس به. لقد تنامى هذا الشعور في البداية داخل الأراضي التي ستصبح لاحقاً الولايات المتحدة الأميركية وبالتحديد قبل اندلاع الثورة الأميركية أواخر القرن الثامن عشر. وما حادثة حفلة الشاي التي جَرَت في بوسطن العام 1773م إلاَّ مظهر لذلك السلوك المعترض على القَدَريَّة.
وعندما بدأ الأميركيون في هَدم النظام الفلسفي القديم القائم على الاعتقاد بأزلية التقسيم الاجتماعي الطبقي (حاكمين/ محكومين، أثرياء/ فقراء)، بادروا نحو إقامة نظام سياسي بيروقراطي تمثيلي ديمقراطي لا يُشجِّع على إعادة ذلك الفهم الاجتماعي المغلوط مهما كان الثمن، وهو ما تجلَّى في نظرية مونتيسكيو في الفصل بين السلطات في الحكومة الجمهورية التي أسَّسوها بعد الاستقلال. وهو بالمناسبة تطبيق سياسي متقدم فاق ما كان موجوداً حتى لدى الثوريين في أوروبا التي كانت في الأساس الوعاء البشري الأول للأميركيين.
في محاججة من أرِنْدت مع آخرين ذهبوا إلى أن أصل الثورات هي «مسيحية» لما لمساواة الأرواح أمام الله درجة من التحريض على الظلم وعدم القبول به، تشير إلى أن الأمر بالنسبة لها ليس بذلك التبسيط؛ وإنما هي تنتصر إلى خلاصة مفادها أن الثورات انبثقت من لحظة التحوُّل الأوروبية من غطاء الدين إلى سوح العلمانية التي اعتبِرَت على أنها فتح إنساني لا يُضاهَى؛ لأن تصاعد دنيا المدينة والفصل الذي أقيم بين الأديرة والكنائس وبين النظم السياسية هو السبب الجوهري لانطلاق الثورات الأوروبية سواء في فرنسا أو غيرها من البُلدان الأوروبية.
لكن ذلك لا يُعتبر تسليماً منا نحن كقراء لما كانت تقوله أرِنْدت، فضلاً عن أولئك الذين أرجعوا أصل الثورات إلى المسيحية. فالتاريخ يُشير إلى أن الرجل الأبيض وعندما كان يشحن الزنوج في مراكب البحر من إفريقيا إلى العالَم الجديد (الأميركتين) للعمل في السُّخرَة كان قد ابتلى بانتفاضات متكررة من هؤلاء ضد أسيادهم في الحقول والسهوب الأميركية، وهو ما دفع المستعمرين إلى التنبُّه إلى أن الزنوج المجلوبين من أراضِ إفريقية تتمتع ببيئة محافظة إسلامية هو السبب في كل ذلك، وهو ما جعله يُدرك ذلك ليستثنيهم في الشحنات التالية، وهو ما يعني عدم صحة الرأيَيْن، القائلين باختصاص الثورات بالمسيحية، أو بالعلمانية معاً.
وعَوداً إلى موضوع الثورة، فإن حَنَّة أرِنْدت تشير إلى أمرين مهمّين في موضوع الثورة باتا يلزمانها أينما اندلعت. الأول هو الجِدَّة والفرادة؛ بمعنى أن لكلّ ثورة مذاقها، والثاني هو ارتباطها بموضوع الحرية. فكلمة ثورة لا تنطبق إلاَّ على الثورات التي يكون هدفها الحرية كما كان يقول كوندروسيه. والأهم من كلّ ذلك هو التفريق ما بين التحرُّر والحريَّة. فالأول شرط للثاني لكنه لا يؤدي إليها آلياً، ولا النية نحوه تتشابه مع الرغبة في الثانية. لاحظوا ما قام به روبيسبيير في فرنسا، أو بالأحرى سلوكيات اليعاقبة وتكريسهم لمفهوم استبداد الحريَّة.
وفي أمر ذي صلة، فإن الحرية السياسية ليست ظاهرة سياسية، وإنما هي العكس. لأنها وقبل ذلك وعندما كانت توصَف على أنها ظاهرة كانت معاصرة لنشوء الدولة الإغريقية التي كانت تسير على هيئة اللاحكم ودون الفصل ما بين الحكام والمحكومين، والأهم مساواة الدولة وليست الديمقراطية أمام القانون، وهنا الإشكال. ففي الدولة الإغريقية كان الميدان السياسي مفتوحاً فقط لمالكِي العقار والعبيد، وبالتالي الرغبة في المساواة ما بين نظراء في القوة وليس نظراء في الإنسانية، وهو ما جعل الحرية والمساواة يتطابقان بشكل مصطنع وغير حقيقي؛ لأن التطابق هو أن يُعتبر الجميع متساوين من الولادة وليس التساوي في القوة.
في المحصلة، فإن موضوع الحرية الذي تشير إليه أرِنْدت على أنه أحد عنوانَيْ الثورة هو بالأساس ليس حق التجمُّع وحرية التعبير وتقديم المطالب فقط، وإنما هي المشاركة في الشئون العامة وفي نظام الدولة؛ لأن الاكتفاء بضمان الحقوق المدنية إنما هو نيْلٌ للتحرُّر من الحكومات القمعية، لذا فهي ترى أن نظاماً ملكياً غير مُستبد يُمكنه أن يُوفِّر سياجاً للفرد من الاضطهاد، لكن المشكلة باعتقادها هو أن الأمر يتعدَّى ذلك إلى صيغة جديدة من الحكم، حتى غدا المطلب الافتتاحي للثورة الأميركية هو «لا ضريبة من غير تمثيل» وبالتالي تحقق ما كانوا يريدونه عملياً وهو أن «الفعل، وليس الراحة، هو الذي يُكوِّن مُتعَتَنا». (وللحديث صلة)
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3236 - الأحد 17 يوليو 2011م الموافق 15 شعبان 1432هـ
أبدعت و صح إلسانك
عزيزي الكاتب, تعجبني مواضيعك و طريقة تناولك لها. أما بعد, أرجوا أن تصل أفكارك إالى عقل القارىء و تثريه و تثقفه, أحيانا" عليها -الأفكار- إختراق الحاجز الديني الثخين الذي هو نتيجة سنوات من التشبع الفكري الديني و الإنغلاق على أفكار أخرى. هذا الفكر ذا القطب الأحادي بدفع الفرد بإيمانه أن فكره فقط هو الحق, بالتالي الحق معه هو فقط, هذا يدفعه إلى الإيمان المزيف أنه "أتقى" ممن لا يعتنقون أفكاره.
الثورات يجب أن يكون لها أهداف سامية ونبيلة لتحقيقها .. وللحصول على الحقوق المسلوبه والعزه والكرامه ... ام محمود
المؤرخ الإنكليزي السير برسي سايكس إن الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى اعجابنا وأكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا
وقال الباحث اللإنكليزي جون آثر إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي
وقال المهاتما غاندي مخاطباً الشعب الهندي :على الهند إذا أرادت أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالإمام الحسين
__
أحيانا نتساءل عن أهداف الثورات الشبابية التي لم تتوقف منذ يناير ؟ هدفها التغيير الشامل واسقاط أنظمة بالية
أختلف معك يا عزيزي الكاتب فأصل الثورات ليست مسيحية بل ثورة الامام الحسين ع هي الأصل والروح والقدوة ..... ام محمود
لجميع الثورات التي تفجرت على الأرض وهو عليه السلام المصباح الذي اضاء الطريق لألآف المظلومين والمستعبدين والباحثين عن الحريه بمفهومها الصحيح والحياة بكرامة بدل الذل والهوان و هو امل المستضعفين
وهناك علافة بين الثورة التي قادها المعصوم بأمر الهي وهي الثورة الحسينية وبين ثورات العالم الكبرى كالثورة البريطانية وهي أول ثورة وضعت حجر الأساس للديمقراطية الليبرالية، والثورة الأمريكية 1776م
ـوالثورة الفرنسية عام 1789م تلك الثورة التي لم يشهد التاريخ السياسي المعاصر تأثير بحجمها على المجتمع الدولي