بالأمس القريب كتب أحد رجال الصحافة والإعلام في عمود خاص به في صحيفة «الوسط» مقالاً كان مضمونه الاعتراف منه بأن مجتمعنا (البحريني) طائفي، وكان ذلك بحق قولاً نابعاً عن صدقٍ وجرأةٍ تتجسد فيه روح الوطنية، وعمق الفكر، وشرف المهنة عند هذا الرجل الفاضل.
وهذا القول يعود بي إلى الماضي القريب حين كتبت أنا في الصحيفة ذاتها مقالاً بعنوان «أيهما أشد إيلاماً الفتنة الطائفية أم التفرقة الطائفية»؟. خلصت فيه إلى أن «التفرقة الطائفية» هي وجه من وجوه «التمييز الطائفي»، وهي الأشد إيلاماً باعتبارها جريمةً جامعةً لكافة الرذائل، لكونها قائمة على الحقد، والبغي، وظلم العباد، وتُمثِّلُ الانحراف عن مبادئ الحق والفضيلة والعدل، وتتناقض مع النواميس والشرائع السماوية جمعاء.
وكنت حينذاك أسأل «لماذا نجد الأقلام والإعلام وذوي ضجيجِ الكلام كلها قد استأسدت لمحاربة «الفتنة الطائفية» ولم نجدها هكذا تفعل مع التمييز أو «التفرقة الطائفية»؟. فهل ان أولئك قد وجدوا أن «التفرقة الطائفية» أقل إيلاماً من أختها «الفتنة الطائفية»، أم أنهم رأوا أنها لم تعد مؤلمة فآثروا الصمت حولها؟
هذا السؤال لم أجد له جواباً حتى الآن، لذلك أعود وأعرضه ثانية على أستاذنا الكاتب الفاضل، وعلى كلِ وطنيٍ فَطنٍ من أمثاله، عسى أن أتلقى الإجابة عليه هذه المرة، فإنْ لم أجد له جواباً فأعتقد أن ذلك الضجيج ليس سوى طَحْن بلا دقيق.
وبعيداً عن تصنيف «التفرقة الطائفية»، باعتبارها جريمة كما سبق القول، نكتفي بالوقوف على واقع هذه الجريمة لنتعَّرفَ على آثارها على الأقل دون أن نقف على أهدافها. فمن المعروف أن «التفرقة الطائفية» أينما تكون، وعلى وجهها القبيح سابق الذكر، تحمل في طياتها أثراً بارزاً هو تمزيق الوطن أو تقسيم الشعب. وهذا الأثر (أي التقسيم) ليس هو الهدف بحد ذاته، إنما هو وسيلة لغاية يبتغيها دعاة التقسيم.
وهذا التقسيم لا نقصد به الاختلاف العقائدي والمذهبي، لأن الاختلاف العقائدي لا يعتبر تقسيماً لوحدة الشعب إنما هو تقسيم فكري لا يقوم على الجفاء والبغضاء، وغير مشوب بظلم وبغي ونفاق. وبالتالي يُفترض ألا يمس الوحدة الوطنية ولا يمنع التعايش، أما التقسيم الوطني هو ذاك التقسيم المسيس والممنهج بوجهه القبيح ذاك.
وحيث يكون الأمر ذلك، نُذِّكر بادئ ذي بدء القارئ الكريم بأن أية دولة حرة لابد وأن تقوم على أركان ثلاثة هي: الإقليم، والشعب، والسيادة. ويُجمعُ أهل الفكر والفقه أن «الشعب» هو أهم أركان الدولة وأبرزها، فهو بالنسبة للدولة كالروح في الجسد.
وحيث إنه لا يمكن تقسيم الروح أو تجزئتها لأن في ذلك هلاك الجسد، فإن تجزئة أو تقسيم الشعب يعني هلاك الدولة لأنه يمثل روحها التي تأبى التمزق والتقسيم.
وعليه أعجب من أولئك الدجالين الذين برعوا في فنون الإغواء والتضليل، ودأبوا على إثارة العصبية والفتن الطائفية والتحريض، وابتدعوا طرائق التوتر والاحتقان والتهييج، وأصروا إلاّ أن يحملوا سيوف العداء جهاراً ويدعون لتفريق الأمة وتمزيقها حقداً وعصبية. يتحدثون ويتصرفون وكأنهم هم وحدهم أبناء الوطن، وأن الشعب متأصلٌ ومختزلٌ فيهم، بيد أن مدونات التاريخ قد حدّدت وفرزت الدخيل من الأصيل، وهم يعلمون جيداً من هو هذا ومن هو ذاك، رغم أن هذا الفرز لا يليق الحديث فيه، ولا يجوز الاهتمام به لأنه لا يتفق مع ثقافة الوحدة الوطنية وكينونة الوطن.
ولا أدري هل إنهم لم يُدركوا بعد أن الدولة هي الشعب، وأن قوة الدولة هي بوحدة شعبها وقوته، وأن ضعفها في تقسيمه وشرذمته، وأن سيادتها امتدادٌ لقوتها ووحدة شعبها. أم أنهم لا يفقهون قول الله سبحانه وتعالى «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم...»، وقوله «ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض...». أم لأنه لم يصلهم حديث رسول الله (ص) «من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة من أعراب الجاهلية».
فإن لم يفقه هؤلاء وأولئك ما تقدم، أناشد الطيبين الصالحين بأن يكونوا في الفتنة كَابْنِ الناقة اللَّبُون، لا ضَرْعٌ فَيُحلَب ولا ظَهْرٌ فَـيُرْكَب.
وأخيراً... عذراً أن نقول: إنَّ من الخطأ أنْ نعترف أو أنْ نُذعِن بأن يكون مجتمعنا طائفياً قائماً على منهج التشرذم والتقسيم، أو أن يكون هذا التقسيم قائماً على مذهب العداوة والبغضاء والظلم وفساد النفوس وقُبْح الشِّيَم. وألا نقبل أن يكون الاختلاف الفكري والعقائدي عاملاً من عوامل الهدم، وان نحبِط مُرادَ دُعاة التقسيم في جعل الاختلاف الفكري والعقائدي مسوغاً للتقسيم الوطني
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 3236 - الأحد 17 يوليو 2011م الموافق 15 شعبان 1432هـ
كبر مقتا أن تقولوا مالا تفعلون
الكثير ممن يكتب ويتكلم يذمّ الطائفية ولكن للأسف الكثير من هؤلا الذين يذمّون الطائفية يمارسونها في الواقع. لم نسمع صوتا من هذه الأصوات يحارب التمييز
أو إذا صار في موقع القرار لتوظيف أحد أو ترقية أو تقديم أحد فإنه يعمل حسب الكفاءة وليس حسب الطائفة. لم نرى أحد من هؤلاء على أرض الواقع وقف موقفا كريما وقال كلمة حق في مكان ما
يمارسون الطائفية ليل نهار ثم يرمون بها غيرهم
رحم الله عبد الله فخروا هذا الرجل الذي قال كلمة الحق في زمن عز فيه الحق ولم يعرف الوطن قدره