بعد طول انقطاع استضاف مركز جدحفص الثقافي، يوم الأحد الماضي (10 يوليو/ تموز 2011)، الشاعر كريم رضي، في أمسية شعرية قرأ خلالها عدداً من نصوصه الحديثة، التي تميزت بجاذبية لغتها المكثفة العالية المتدفقة بالإيقاع، بحضور وصل إلى قرابة الثلاثين شخصاً من المثقفين والشعراء والمهتمين بالشعر وبتجربة الشاعر. ولعل نص «في مديح الطغاة» و»الشعراء» الذي ألقاه رضي في تلك الأمسية هو أكثر ما ميز نصوصها؛ وخصوصاً النص الأول؛ إذ يكشف عن التطور والقفزة الأفقية التي حققها كريم عبر تجربة طويلة تمتد من ثمانينيات القرن الماضي؛ إلا أنه وعلى رغم النأي بنفسه عن الحضور المكثف في المشاركة المباشرة في الفعاليات التي تشهدها مملكة البحرين؛ إلا أنه ظل ساهراً على نصه بعيداً عن مشهدية الحضور تلك، بما لها وما عليها، ساهراً على مشروعه في هدوء بالغ، ووفاء يمكن تلمس ملامحه، وخصوصاً لأولئك الذين تعاطوا وتعاملوا مع الشاعر بشكل مباشر.
في «مديح الطغاة»، وهو نص من ديوان سيصدر قريباً بعنوان «كلماتير» يقرأ كريم رضي الطغيان/الطغاة بلغة تهكمية، لم تخل من إسقاطات نفسية وحتى في مساحة الافتراض تظل الصور المسقطة تلك وكأنها واقع حال؛ إذ ثمة قدرة لدى الطغيان ليس فقط على تجاوز حق الآخر في الحياة؛ بل الأصعب والأنكى من ذلك، أن يسمح له بالحياة، ثم يفرغ تلك الحياة من كل قيمتها بمصادرة البسيط والمعقد من التفاصيل التي تعنيه بدءاً بأحلامه، وليس انتهاء باختيار حيز وزمن نومه!!!
يطل رضي في هذا النص على جانب من مشهدية الطغيان بلغة حادة متهكمة عذبة متماسكة قادرة على رغم احتشادها بالصور والأخيلة على جذب المستمع والقارئ للمضي معه حتى ضريبة الاستجواب!
وتعتبر هذه الأمسية الأولى لمركز جدحفص الثقافي الذي أوقف نشاطه منذ فبراير/شباط الماضي بعد محاضرة، فوزية الصالح، التي تناولت فيها النباتات والزهور العطرية، وكانت ختام نشاطه، وجاءت هذه الفعالية بناء على رغبة المركز في استضافة شاعر ذي مكانة واسم معروفين كما صرح رئيس النشاط الثقافي، مهدي عبد الله، لـ «الوسط»، مؤكداً أن اختيار الفعالية والشاعر لم يكُ محض صدفة؛ بل جاء مدروساً لتكون الفعالية التي يطل بها المركز قبل استئناف نشاطه الثقافي المزمع إقامته بعد شهر رمضان المبارك، من «العيار الثقيل»، مضيفاً، أن المركز قد يتجه إلى الفعاليات الترفيهية الخفيفة في شهر رمضان كي لا ينقطع بشكل كامل عن جمهوره.
من جانبه قال كريم رضي لـ «الوسط»، إن اختيار عنوان ديوانه الشعري المقبل «كلماتير» والذي قرأ منه بعض النصوص في الأمسية جاء نتيجة إمكانية رسم واستشعار كاريكاتير بشأن كل نص من نصوصه التي تنوعت بين التفعيلة والنثر.
وبشأن غيابه عن المشهد الشعري والثقافي العام في المملكة، أكد أن السبب الرئيس هو انشغاله بالشأن العام والسياسي الذي يعتبره أولوية على الشعر.
ولم يتسن للشاعر معرفة ردود الفعل بسبب «التقليد الجديد الذي اتبعته المؤسسات الثقافية المحلية وهو انتهاء الأمسية الشعرية بانتهاء قراءة الشاعر لنصوصه»؛ الأمر الذي رفضه رضي وطالب بتغييره كي يحظى الشاعر بفرصة تناول تجربته مع الجمهور الذي قد يثريها من خلال ملاحظاته، وهو ما أكده له جمهور الأمسية في تلك الليلة؛ إذ أبدى بعض الحضور استياءه من عدم تمكنه من مناقشة الشاعر حول النصوص والتجربة.
الطغاة نواطير أحلامنا
يسهرون على رصدها
وهي تفلتُ منهم سلاحف ملساء
تعبر مستنقعات السباتْ
الطغاة مساكين
لو يستطيعون ناموا بجانبنا مثل زوجاتنا
ليقيسوا مساحة أحلامنا بالمساطر
أو يدخلوا معنا حلما واحدا
علهم يسمعون شتائمنا في منائمنا
فيحلوننا للمحاكم
متهمين بقلب النظام ولو في المنام
ويا ليتهم يفعلونْ
سيبدون في الحلم أجمل مما يكونون في اليقظاتْ
تيجانهم من كراتين
بنادقهم من عصي النخيل
و سيقانهم حولها ربطات مقلمة ٌ
ملابسهم من قماش الدمى العائلية
فيما سنبدو أشجع مما نكونْ
سنرميهمُ دونما غضبٍ
برصاصتنا الليلكيات
حتى يفيض دمٌ أزرقٌ من حليبٍ
وهم يضحكونْ
سنعود نغني انتصاراتنا
قبل أن نستفيق على صرخة الساعة الأزلية
تقرع بالذل أجراسنا
يأسنا فاتحٌ في خطوط بيجاماتنا
خوفنا غامقٌ في انتفاخ الجفونْ
والطغاة نواطير أحلامنا
لا يزالون في نومنا يسكنونْ
عندما يذهبُ الشعراء إلى النوم
تصحو دواوينهم في رفوف الخشبْ
تكملُ أشعارهم نصها في الحياة
تعطي الشعوب المزاج الضروري
من قهوة الحبِ
أو جلنار الغضبْ
عندما ينهضُ الشعراء من النوم
تغفو دواوينهم في رفوف الحديدْ
ترجعُ أشعارهم من حروب الكلام
مضمخة ً بدماء اللغات العذارى
ترتاحُ
حتى اندلاع منام ٍ جديدْ
العدد 3235 - السبت 16 يوليو 2011م الموافق 14 شعبان 1432هـ
كلماتير
الشاعر المتألق كريم ، متى سيرى كلماتير النور ، طال انتظارنا. سلمت يا سوسن على التغطية الجميلة (نعيمة)