لو امتلك العرب جهازاً لرصْد أكثر الكلمات تكراراً على ألسنِهم، وسيكون صناعة غربية بالتأكيد، لكانت مفردة «مؤامرة»من أكثر الكلمات مضغاً وقضماً وهضماً. فما من أمر يستقبحه العرب إلا وقالوا إنه نتيجة مؤامرة غربية.
لا مِراء في أن الغرب لديه مخططات تآمرية ضد العرب، وأيضاً يتآمر العرب على غيرهم، مثلما غيرُهم على الغير كذلك، ولكن بعظمة الدولة المتآمِرة وأهمية الدولة المتآمَر عليها يعظُم هدف المؤامرة، فلا تعود تتآمر دولة عظيمة على قريبيْن، مثلاً، ليدب الشجار بينهما حتى يهنأ نوم العظيمة، فالمؤامرات موجودة منذ الخليقة وليست وليدة القرن الماضي.
إنّ عزْوَنا، كعرب، كثيراً من سلبياتنا وقبائحنا إلى نهج المؤامرة لا يفك رقابنا من خطيئتين: أولاهُما الاعتراف، من حيث ندري أو لا ندري، أننا بيادق شطرنج يتلاعب بها الغرب كما يشاء فتنبت بذور «مؤامراته» فينا بعد أن استخصبت أرضيتنا الذهنية، وثانيهما خطيئة الهروب من تشخيص المرض ومعرفة أسبابه، ما ينجم عنه عدم العمل على علاجه، لذلك يتم الاكتفاء بعَلْك مفردة «مؤامرة»، فلا نجينا أنفسنا من أسْوَد «العدو» ولا ولجنا في أبيض التحصين.
السلوكيات السلبية التي ترتكبها مجتمعاتنا العربية، من دون استثناء، هي من نتاج أفرادها ولا علاقة للغرب بها. فعلى سبيل الخصر، لا الحصر، اندلعت في السنوات الأخيرة الحرب الكلامية بين رجال دين طرفاها داحس السُّنة وغبراء الشيعة، وما كانت لتستعر لولا وجود المشجعين والمصفقين لكلا الطرفين. هي حتماً مؤامرة، لكن ليس بالضرورة أن تكون من حياكة الغرب، فالأولى أن نعترف أننا نحن نتآمر على أنفسنا، ولو سلّم المرء بنغمة «مؤامرة غربية» لوقع أيضاً في شرك أقسى وهو أن بعض رجال الدين أبطال الشاشات، إذاً إما أنهم بيادق لشطرنج الغرب، أو أنهم لا يدركون ما يحاك ضد هذه الأمة، فكيف لتابعيهم أن يدركوا!
هذا السلوك ليس مقتصراً على المسلمين، إنما على مسيحيي الشرق أيضاً، فهو سلوك مشرقي بمُسْلميه ومسيحييه، فلا يختلف مسيحيو لبنان، مثلاً عن مسلميه أو مسلمي دولة عربية أخرى، لأن الأمر متعلق بكل المشرق الذي لم يجد أفراده مناصاً سوى اتهام الغرب بكل سيئات الشرق.
لم يَعُد مستبعَداً أن يُرْجع البعض أسباب حادث سير إلى مؤامرة غربية، وكذا أسباب اغتصاب فتاة، أو ضعف التعليم في المدارس وضعف المرافق الطبية، تماماً مثلما يصف البعض منتجعاً سياحياً بأنه مؤامرة غربية لإفساد شباب الأمة، وكأن الغرب لا شغل له سوى إفساد طريقة أكل العربي، وكيف يجعله يخطئ بالإملاء، وهو، أي الغرب، المنشغل في القمر والمريخ.
حين سلبياتنا نقول مؤامرة غربية، وحين إيجابيات الغرب نقول نحن علّمناهم. يا له من انفصام
إقرأ أيضا لـ "محمد أبوعبيد"العدد 3234 - الجمعة 15 يوليو 2011م الموافق 13 شعبان 1432هـ