نستعيد في هذه الأيّام الذّكرى الخامسة لحرب تموز، التي أسقطت بتسديد الله تعالى، عنفوان العدوّ الصّهيونيّ، وألحقت أضراراً كبيرة بمشروعه العدوانيّ الهادف إلى فرض الهيمنة على لبنان، ومن خلاله على المنطقة.
إنّنا إذ نحيّي المجاهدين والمقاومين بهذه المناسبة المجيدة، ونشدّ على أيديهم، ندعو اللّبنانيّين جميعاً إلى التنبّه والحذر الشّديد من هذا العدوّ الماكر والخادع، فهو قد يقدم على حربٍ غادرةٍ لا يتوانى عن التّحضير لها بكلّ الإمكانات، بدءاً بإجراء المناورات العسكريّة المتواصلة، مروراً بالحصول على أحدث الأسلحة الأميركيّة، وصولاً إلى تهيئة الدّاخل الصّهيونيّ لتحمّل مغبّة أيّة حروب قادمة.
هذا العدوّ الّذي يشعرنا يوميّاً بمراميه العدوانيّة في البرّ والبحر، في الأمن والاستخبارات وعمليّات التجسّس، وفي التّهديدات المتواصلة، قد دخل في حربٍ جديدةٍ على لبنان، تهدف إلى منع لبنان من الاستفادة من ثروته النّفطيّة البحريّة، وقد بدأ ذلك بالاستيلاء على حوالي ألف كيلومتر مربّع من المساحة التي تحتوي هذه الثروة، الأمر الّذي يستدعي استنفاراً حكوميّاً، ومن ورائه استنفاراً شعبيّاً مدعوماً بكلّ عناصر القوّة الّتي يملكها اللّبنانيّون من جيشٍ ومقاومة وعلاقاتٍ دبلوماسيّة، من أجل إثبات الحقّ اللّبنانيّ، ومنع الكيان الصّهيونيّ من تحقيق مشروعه الاستيطانيّ على الثّروة الاقتصاديّة لهذا البلد.
إنّ هذا الواقع يستدعي من اللّبنانيّين الكفّ عن حديث نزع سلاح المقاومة، وهي الّتي تبقى حاجةً للبنان، كلّ لبنان، أمام عدوٍّ لا يبالي بالقوانين الدّوليّة، بل يعمل على تأكيد منطق القوّة.
في هذه الأجواء، تشهد سورية انطلاق الحوار الدّاخليّ الهادف إلى إصلاح الواقع السياسي، هذا الحوار الّذي كنّا نأمل أن تشارك فيه كلّ قوى المعارضة، ليفتح الباب على حلول جدّيّة تبعد سورية عن التدخّلات الخارجية، بما يساهم في تعزيز مناعتها الدّاخليّة وتماسكها الوطنيّ ودورها العربي. وننبه من عواقب التدخّل السافر في الشّأن الداخليّ السّوريّ، والّذي نرى أنّه يستهدف تعطيل العمليّة السياسيّة الإصلاحيّة، والدّفع بالبلاد نحو الفوضى الشّاملة، بما يخدم أهداف العدوّ الصّهيونيّ، ويدفعه نحو الوقوع في فخّ التّجاذبات الدّوليّة. وندعو الشّعب السوريّ بكلّ فئاته، إلى تفهّم هذا الواقع، والعمل بكلّ جدّيّة للخروج من هذا النّفق المظلم الّذي يُراد لسورية أن تدخل فيه، والعمل بسرعة لإصلاح الواقع الدّاخليّ لمواجهة التحدّيات.
أمّا في مصر، فإنّنا نشهد عودةً فاعلةً للحراك الشّعبيّ، بما يعيد الثّقة والأمل مجدّداً بشباب الثّورة المصريّة الّذي ظنّ البعض أنّه قد اكتفى ببعض التّغييرات الشّكليّة في النّظام، استجابةً للضّغوط الأميركيّة، فيما الوقائع تؤكّد عكس ذلك. فالمظاهرات الشّعبيّة التي حدثت خلال الأسبوعين الأخيرين، أظهرت أنَّ هذا الشّعب لايزال حاضراً بقوّة، ولايزال يحدّق بكلّ ما يجري حوله، وأنّه لن يقبل إلا بتغيير حقيقيّ في بنية النظام المصري البائد، يبدأ بمحاكمة قيادات النّظام المتورّطة في نهب وسرقة ثروة مصر ومواردها، ولا ينتهي بمحاكمة كبار الضبّاط الذين ارتكبوا القتل في المظاهرات التي ملأت ميادين القاهرة والمدن المصريّة.
إنّنا نأمل من الشّعب المصريّ أن يستكمل حلقات الثّورة التي بدأها، وأن يتابع مسار الثّورة إلى النّهاية، من دون أن يسمح لسارقي الثّورات أن يأخذوا بها إلى غير موقعها الصّحيح، وذلك لجعل هذه الثّورة نموذجاً مشرقاً تقتدي به الثّورات العربيّة.
ونتطلّع إلى السّودان الّذي دخل في نفق التّقسيم، في ظلّ تأييد دوليّ وغربيّ، وفي ظلّ فرحة كبيرة تغمر رئيس حكومة العدوّ، باعترافه بدولة جنوب السودان، محقّقاً أوّل الأهداف الغربيّة الصّهيونيّة في إعادة رسم خريطة المنطقة، بما يجهض كلّ أمل لها في النهضة.
إنَّ هذا المشهد الجديد، وعلى الرّغم من قتامته، لابدَّ من أن يشكِّل حافزاً لكلّ القوى العربيّة والإسلاميّة، ولكلّ الطّلائع الواعية في الأمّة، لكي تدير حركتها الثّورية واتجاهاتها السياسيّة وفق الأهداف الوحدويّة الّتي تتكافل فيها العناصر الوطنيّة والدّينيّة والقوميّة للحفاظ على وحدة الأوطان، تمهيداً للانطلاق مجدّداً لتحقيق وحدة الأمّة
إقرأ أيضا لـ "علي محمد حسين فضل الله"العدد 3234 - الجمعة 15 يوليو 2011م الموافق 13 شعبان 1432هـ