يُعتبر الاختلاف في الرأي والفكر من الظواهر الصحية في كل المجتمعات القديمة منها والحديثة، والاختلاف يشمل في جميع جوانب الحياة من دون استثناء، على رغم ذلك نرى الكثير منا يخاف من الاختلاف في الرأي وفي الفكر، ويجد مقتاً لأي شكل من أشكال النقد الموجه لرأيه وفكره، رافضاً المراجعة والتصحيح إذا كان على خطأ، بل إن من بين أولئك (أفراداً ومؤسسات) يجدون في ذلك جريمة ويتشككون أحياناً في إيمان مخالفهم الديني والوطني، وأن هذا الشخص قد يحمل مبادئ هدامة وينطلق من أهداف سياسية تعمل على زعزعة وأمن الوطن والمجتمع واستقرارهما.
ليس كل رأي مُحكم، ولا كل فكر قويم ؟ لابد أن في أحد جوانب هذا أو ذاك نقصاً أو تقصيراً، سواء كان صاحب هذا الرأي والفكر حاكماً أو عالماً، شيخ دين أو تاجراً، سياسياً كان أم فرداً، فجميع البشر عرضة للخطأ والتقصير، والمُتزين بعقله يقف عند خطئه ويعترف بتقصيره ويُشخص جيداً رأيه ويسعى لتصحيحه، فالعصمة في القول والفعل فقط للأنبياء والمرسلين، ولا يمكن لأي عاقل أن يُلبس ثوب الصواب لأخطائه ويتجاهل أمر تصحيحها. وأفضل موقع لمعرفة الخطأ من الصواب في الرأي والفكر هو المناقشة مع الآخرين، فعن طريقها نستطيع أن نلمس الصواب من الخطأ في رأينا أو في رأي الآخرين. وهذا الأمر يتطلب الشجاعة، الشجاعة في الجلوس مع أصحاب الرأي الآخر من دون خوف، الشجاعة في طرح رأينا وفكرنا من دون خداعٍ وتدليس، الشجاعة في تقبل الرأي الآخر ومناقشته مع رأينا الحجة تقرع الحجة، بعيداً عن التعصب لرأينا وجعله هو الأفضل والأصوب وتهميش الرأي الآخر. والشجاعة تتطلب التقيد بأسس وضوابط المناقشة والحوار، كيف أناقش، وكيف أقارع الحجة بالحجة بهدوء وبرأي مستنير، وكيف أنتقد وكيف أتقبل بتصحيح آرائي إذا كانت غير صائبة؟ وإذا كان هدف الحوار هو الوطن والمواطن فلماذا نخاف من الحوار؟
فعندما يجلس المتحاورون سيتم تمييز الرأي الجيد من الرأي السيئ، ومن مُلخص ما يُطرح من آراء يتم استبعاد الزائف واختيار الثمين منها. وعلى طاولة الحوار يمكن لأصحاب الرأي معرفة الخطأ والصواب في الآراء من غير ثلب أو عيب أو تجريح، أو تهميش وتشهير وتأليب الشخص المخالف للرأي والفكر الآخر. فلا خوف من الحوار إذا كان هدفه التقريب لا الاستبعاد، وإذا كان ديدنه معرفة الغث من السمين، حوار لا يكون أحد طرفيه خصماً، بل يكون الدافع هو الإصلاح وتصحيح ما بدر من أحدهم من أخطاء في القول والفعل، وهذا ترجمة للقول «المؤمن مرآة المؤمن». وكان الصحابة (رض) يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يستثنون أحداً من ذلك لا أميراً ولا مأموراً، لا كبيراً ولا صغيراً، ولا يجاملون في الحقِ أحداً قط. وألا نخاف من الحوار لكونه أيضاً محاسبة للنفس، فالدول تضع أجهزة ومؤسسات مهمتها المراقبة والمراجعة والتصحيح وذلك من أجل معرفة الحقيقة والوصول إلى الصواب من الفعل والقول، فما بالك بالإنسان، وهو عين الكمال والقوة والصواب. وألا نخاف من الحوار لكونه ليس نوعاً من النقص والبحث عن العيوب، وأنه لا يخاف من الحوار إلا الذي بيته من زجاج، الذي يعتبر الحوار حجرة ستسقط على بيته وتقضي عليه. ففي تاريخنا العربي الإسلامي الكثير من المآثر والمشاهد الإيجابية، إذ كان المسلمون يحرصون على التصحيح والتوجيه والنقد الهادف البناء الرشيد ويعدُّون هذا أساساً لبناء وبقاء الأمة، لكونه يعمل على كشف الحقائق ومصارحة الشعوب بمختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بأبعادها وخلفياتها ومجرياتها. وخاصة في هذه الأيام حيث انتشر الفساد والتسلط وسلب الحريات، فالجميع يحملون العيب والنقص ومن دون استثناء بحيث يشعرون أو لا يشعرون. فلأجل الوطن والمواطن علينا أن نقبل إلى الحوار بروح متفتحة وببصيرة ثاقبة لكي نسعد وتسعد أجيالنا من بعدنا
العدد 3233 - الخميس 14 يوليو 2011م الموافق 12 شعبان 1432هـ