منذ يناير الماضي والعالَم العربي يمُوج بأهله. بدأت بتونس ولم تنتهِ بغيرها بعد. مطالبات بدا أنها لا تقبل بما هو قائم من حال. تعدَّدت المظاهر والمظاهرات معاً. بعضهم لجأ إلى الشارع كما في تونس والجزائر والمغرب والعراق. وبعضهم لَزَمَ الساحات والميادين العامة كما في مصر واليمن والبحرين. وبعضهم لجأ إلى حمل السلاح كما هو الحال في ليبيا. هذا هو «البعض» المتعلق بالشارع العربي.
أما «البعض» المتعلق بالأنظمة، فقد تساوَى الأغلب في ذات السلوك إلاَّ ما رحِم الله. فالضربة الأمنية هي أول العلاج وأنجعه بالنسبة للكثيرين منهم. وبعده يأتي الاتهام بالارتهان للخارج كما اتهِمَ بذلك المصريون في ساحة التحرير، ومحاولة تقسيم البلاد كما اتهِم بذلك الليبيون واليمنيون، أو تطييف التحرُّك السياسي كما اتهِمَ بذلك السوريون.
لكن وأمام كل ذلك المشهد العربي القاتم فقد اختار البعض المعالجات السياسية الهادئة والحصيفة واحتواء الأمور ما دامت في بواكيرها، وعدم تركها لفوضى المعادلة الأمنية، وهو ما رأيناه جلياً في سلطنة عُمان خلال أحداث ولاية صحار، رغم أن تلك الأحداث لم تكن كغيرها لا من حيث الشِّدة ولا المطالب، وهي الحقيقة التي تستدعي من الجميع وقفة تأمل ونظر.
ففي السابع عشر من مايو الماضي أجرت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية (العدد 11858) حواراً مُطوّلاً ومهماً مع الوزير المسئول عن الشئون الخارجية العُماني يوسف بن علوي بن عبد الله. الوزير العُماني تطرق خلال اللقاء إلى موضوعات كثيرة تشغل الساحة العربية.
لكن ومن بين 1804 هي مجموع كلمات الحوار المطوّل المذكور فقد شدَّتني بعض الكلمات من الوزير العُماني دون غيرها عندما سألَته الصحافيّة عن مطالب الشباب العُماني وربطها ذلك بالاحتجاجات التي شهِدتها ولاية صحار (200 كم شمال العاصمة مسقط) قبل أشهر.
الوزير قال: «ما لم يعلمه أحد ولم يُنشر بعد، أن السلطان قابوس بن سعيد يلتقي يومياً بعشرات الشباب، وأن أحد أهم الأسباب التي دفعت قائد البلاد لهذه الخطوة هو الاطلاع على آراء الشباب وعدم المساس بهم لا من أجهزة الأمن ولا من الحكومة؛ لأنهم على صلة بالقائد السلطان قابوس بن سعيد في حوار فكري يستوعب التغيير والتنمية والنهضة العمانية التي بدأت مسيرتها منذ أربعين عاماً».
هنا، فإن الداعي الصحيح مني أو من غيري هو التعليق وإبداء النظر. فمثل هذا الأمر (اللقاء اليومي المباشر بين أعلى هرم الدولة وقاعها) لا يحدث في دولنا العربية عادة. وهو إن حَدَث فإنه يكون خاطفاً ووحيداً ولِغَرَضٍ بعينه، حيث يظلّ الإعلام الرسمي يتعبّد به صباح مساء، حتى لكأنك تحسبه أبا الأحداث كلها وبلا منازع.
في الحالة العُمانية لا يبدو الأمر كذلك. فالوزير أفصح عن أمر لم يكن يعلمه أحد، وهو ما يعني أنه ليس خبر علاقات عامة (PR) أو حالة برتوكولية معينة يبتكرها القيِّمُون على الحكم بغرض الاستحلاب، أو التغطية على أمور أخرى لا يُرَاد لها أن تظهر، وإنما هي خطوة جادَّة ومسئولة وعاقلة.
فما يقوم به جلالة السلطان قابوس وذكَرَه الوزير العُماني هو إعادة تفسير للحِراك الاجتماعي والسياسي. هو ينظر إليه على أنه سِجال أفكار ينضْح بها جيلٌ شاب مكنوزٌ بالمشاعر والانفعالات والرؤى، وبالتالي فهو يرى أن التحدِّي هو خارج لغة الأكتاف والقوَّة العضلية، لذا فهو يُعيدها إلى مكمنها ووعائها الأول وهو العقل. وهو استيعاب نادر لم نَرَه يحدث في التعاطي مع الحِراك الذي يجتاح منطقتنا العربية وفعله المضاد الذي لم يكن في الغالب يُغادر المعالجات الحادَّة والمتوترة والتي عادة ما تزيد من التعقيد.
أيضاً فليس الأمر منحصراً ضمن هذا السياق الظاهري للفعل السلطاني/ العُماني فقط، وإنما هو يعكس إعادة الإنتاج الاجتماعي الذي تقوم به الدولة العُمانية والمتعلق بوظائفها ودورها تجاه المجتمع وحركته وتغيُّراته. تَحَدَّثَ عن ذلك بالتفصيل الفيلسوفان لويس ألتوسير وميشيل فوكو. الأول تحدث عن نوعين من الأجهزة التي تسيِّرها الدولة، وهي أجهزة القوة المادية (الجيش، الشرطة) والأجهزة الأيديولوجية (المدرسة، السلطة الدينية، ووسائل الإعلام) وما تقوم به من دور في احتكار للعنف الرمزي الذي تمارسه الطبقة السياسية الحاكمة الماسكة بالدولة تجاه المجتمع المدني.
أما فوكو فكان يتحدث عن مفهوم جديد للسلطة عبر تحويلها إلى خارج مفهوم الإكراه الذي يُمارَس على غير الحاكِمين، أو الذين لا يملكونها مثلما كان يقول. بل ذهبَ فوكو إلى أن السلطة الحقيقية هي التي تتحوّل إلى عملية استثمار واستناد متبادل ما بين الحاكم والمحكوم في التصدي للمخاطر المشتركة سواء من الخارج أو من ذاتيتهما حتى وهي التي لا يُنزِّهها عن التغوُّل شيء أحياناً بسبب القوة التي تمتلكها، وبالتالي إبعادها (السلطة) عن الإقصاء والمنع والقهر.
هذان الموقفان أستحضرهما لقراءة الفعل السلطاني وهو يُدير السلطة العُمانية التي كان يُمكنها أن تستخدم الجِهازَيْن اللذين ذكرهما ألتوسير (القوة/ الأيديولوجيا) في فرض هيمنتها المادية على المجتمع، لكنها لم تفعل، وأيضاً كان يُمكنها وبسبب هامش الدولة القوي أن تجعل التبادل الذي ذكره فوكو ما بينها وبين المجتمع بشكل أحادي، وبالتالي تفقد الدولة مفهوم الشراكة البينية لكنها أيضاً لم تفعل. من جهة أخرى فإن السلطنة دأبت على إضفاء حالة سياسية لمعالجتها للظرف. فصدور 25 مرسوماً سلطانياً في 24 يوماً قوَّمت قضايا مفصلية في الجهاز الإداري والتشريعي والاقتصادي للدولة كان أمراً غير عادي. ثم إن إحداث تغيير وزاري كبير طال زهاء اثني عشر وزيراً، ثم مرسوم آخر بشأن منح البرلمان الصلاحيات التشريعية والرقابية، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور، بالإضافة إلى تخصيص 50 ألف وظيفة ومنح 150 ريالاً لكل باحث عن العمل، وزيادة قيمة المعاشات الشهرية المقرّرة للأسر المستفيدة من أحكام قانون الضمان الاجتماعي بنسبة 100 في المئة، وذلك اعتباراً من شهر أبريل/ نيسان 2011، وزيادة قيمة المستحقات التقاعدية الشهرية لجميع الخاضعين لقانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة لموظفي الحكومة العمانيين، والقطاع الخاص أيضاً وبنسبة تصل إلى 50 في المئة للفئات المستحقة لأقل معاش تقاعدي، كلها أمور جاءت كمعالجة إيجابية بالتساوق مع تحييد القوة والأيديولوجيا للدولة.
في كلّ الأحوال، فإن التجربة العُمانية دلَّلت على أهمية وغَلَبَة المعالجة السياسية على المعالجات الأمنية، وما تفضي إليه من ديمومة في الاستقرار السياسي والاجتماعي للدول. بالتأكيد لا أحد يُريد من الشعوب العربية أكثر من آذان تصغي إليها وتتفهم ما تريده، وتحقق آمالها ولا شيء غير ذلك بالتأكيد
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3232 - الأربعاء 13 يوليو 2011م الموافق 11 شعبان 1432هـ
المكرمة السامية
أنا باحث عن عمل أستلمت مبلغ 150 لمدة شهرين وتم قطع المبلغ لمدة 4 أشهر دون إي سبب يذكر
لمن يهمه الامر
انشاء الله تتحقق المطالب
حفظ الله سلطانا
الحمدالله إحنا بعمان السلطان علمنا على التسامح ومساجدنا واحدة لأن كلها بيوت الله
وإلي يحب الطائفية سماها السلطان نباتات سامة لا نسمح لها بأن تنبت على التربة العمانية الطاهرة
وكلنا سنة وشيعة وأباضية نحب السلطان ونجدد له الوفاء
والناس إلي تمت محاكمتهم هم ناس قاموا بالتخريب والحرق وقطع الطرقات والبقية تم الإفراج عنهم
وعادي عندنا نمشي ونتخاطب مع جميع المذاهب الإسلامية بكل حب وود وما نتطرق للمذاهب
الاحتكام للعقل مهم في ظل الأجواء الغير عادية (الجنونية) التي تعم العالم ...... ام محمود
قال الامام علــــي عليه السلام
اعلم إن لكل فضيلة رأسا و لكل أدب ينبوعاً
ورأس الفضائل و ينبوع الأدب هو العــــــــــــقل
الذي جعله الله تعالي للدين أصلاً و للدنيا عمادا
فأوجب التكليف بكماله
وجعل الدنيا مدبرة بأحكامه
وألف به بين خلقه
مع اختلاف همهم و مآدبهم
---
مع كاتبنا الفاضل من خلال الثورات العاصفة في البلدان العربية نرى البعض لجأ الى الشوارع والميادين مثل مصر وتونس واليمن
.. في اليمن لا أدري لماذا يحملون صورة ( تشي جيفارا) كرمز
في ليبيا حملوا السلاح
ولكن اللجوء للعقل أفضل
قراة عن عمان
وسمعت ان هناك محاكمات لبعض المتظاهرين ولاكن لا اعرف بضبط ما فعلو
ما هو الاولى
وهل تتحقق امال الشعوب بالفوضى او بالامان
المهم
لا أحد يُريد من الشعوب العربية أكثر من آذان تصغي إليها وتتفهم ما تريده، وتحقق آمالها ولا شيء غير ذلك بالتأكيد
صحيح
مقاربة جميلة ومهمة جدا من الكاتب المحترم فلطالما كان العمانيون أحد النمادج السياسية المستقلة والمحترمة .........
ولماذا أخي الكاتب تتم الصلاة في مسجد واحد بين مكونات المجتمع العماني الاباضي والمالكي والاثنى عشري
نتمنى ان تتطرق لهذه النقطة فخط احمر احمر احمر التدخل في المعتقدات الدينية للفرد العماني فلجميع خصوصية ويستوجب من الافراد احترام الاخر وهو الذي حمى الجبهة الداخلية من الاحتكاكات المعدومة وحتى عندما سيطر فصيل اسلامي متشدد بعد وقت طويل من محاولته ذلك على قرار التوظيف في السلطنة تنبه لها جلالة السلطان لانها ستكون وبال على امن السلطانه وارجاع الامور لنصابها.فالمواطنه هي المقياس وحب الوطن والتضيحة له هو الترموتر للمواطنه ..........