الأعداء ينطلقون من فرضيات؛ ولكن من قال، إن بعض الأصدقاء الطارئين لا ينطلقون بشهوة أبلغ من تلك الفرضيات؟ في ثقافتنا العربية اليوم بؤس لا يمكن بتره؛ إذ يتناسل في مهرجانات ومؤتمرات ومنتديات وأمسيات. جلُّ تلك الفعاليات لا تعدو كونها مسكنات ومحاولة بائسة ويائسة في الوقت نفسه لإيهام أن المحتضر من واقع تلك الثقافة في انشغال دائم وسهر مستمر على لياقته وحيويته، وما يتمخض عن كل تلك الفعاليات لا يتجاوز مخطط الواجهات للدول المتبنية للحراك المصطنع، في إيهام ساذج بأنها معنية بترسيخ المعرفة، وتكريس الفن، وتأصيل الحيوية في كل ما يتصل بهما.
دول في معظم بناها هشة، والأهم من ذلك أن تلك الهشاشة تظل منعكسة على الإنسان الواقع تحت رحمتها؛ إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتصدَّر مواطن القوة وتفرز إمكانات وطاقات وشواهد تنطلق من فضاء مفتوح وأفق معلن وفي نهاية المطاف لن تنتج إلا بؤساً هو نتيجة منهارة لمقدمة هشة.
وليس من الغرابة أن نقف على صور التفكك والاحتيال والتآمر والنكاية والوشاية والاستهداف الذي يغمر وينشط في الوسط المعني بالثقافة؛ في شواهد وصور مقززة ومخجلة مسرحها إعلام مجيّر وعبد، في انحراف بين، وانسلاخ تام عن القيم والمثل التي يتم الجهر بها نصاً، وفي زعيق صريح؛ فيما النوايا والممارسات تكشف عن شهوة في الافتراس والانقضاض؛ وحتى تمثل التصفية أو المساعدة عليها.
الحراك العام في العالم بعيداً عن جغرافيتنا لم يكشف تبرع بعض أجنحة الليبرالية الثقافية المنحرفة والزائفة باصطفافها اللامشروط مع مشاريع تصعيد القمع تجاه القوى والتيارات الثقافية العربية الملتزمة بقضايا أمتها وانحيازها في تحدٍ شجاع للملفات العالقة؛ وخصوصاً الملفات الحقوقية. ولم تصب عدوى الحراك في العالم منطقتنا؛ لكن حراكاً عفوياً مختزناً لعقود من القهر والإذلال وإدخال البشر دون مرحلة وقيمة الشيء، عمل على رجرجة وخلخلة كل الموازين والموانع التي ظنت الأنظمة في عالمنا العربي أنها كفيلة بتحقيق المنجاة بالبرزخ بينها وبين أي طوفان قد يطرأ.
ولم تكتف بعض الأصوات والرموز والواجهات الثقافية والإبداعية في منطقتنا العربية بصمتها تجاه ذلك الحراك/الزلزال، لكانت فعلت خيراً، ولكنها عمدت إلى تسفيهه (الحراك) وأحياناً تخوينه وإضفاء نعوت فراغها عليه؛ فيما ظلت لعقود مكتفية بصمتها المبرمج حينا، ومداهنتها وتملقها؛ بل تبرعها بالدفاع عن كل منهجيات القمع والمصادرة التي سادت - ومازالت - ليس في عالم افتراضي؛ بل عالم تتحرك وتتنفس وتحيا فيه وتشهد صور تجاوزاته.
وعلينا في هذا الصدد ألا نغض الطرف عن أصولية متلبسة بالليبرالية الزائفة، تمعن في ذروة الحراك العربي على مستوى الشارع في خياراته وتوجهاته وطموحاته وآماله، تجريحاً وتهويناً وتسخييفاً وتخويناً لأهداف ومرامي وتطلعات تلك الخيارات والتوجهات، من دون أن تمارس فرزها ورصدها وتقديمها لقوائم المتعاطفين؛ بل والمؤمنين بتلك التطلعات من قبل زملاء الحقل وأصدقاء النص في تبنٍ لمكارثية طالت كل ما لا يخطر على بال.
إزاء أصدقاء بهذا الخنوع في التراجع عن أواصر أرواحهم السالفة. وإزاء ليبراليين زائفين يؤسسون لأصولية منحرفة عن كل قيمة؛ لا تملك إلا أن تدعو إلى تجنيب عفوية الشارع وهم
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3229 - الأحد 10 يوليو 2011م الموافق 08 شعبان 1432هـ
كلام منطقى
استاذه سوسن لقد اطلعت على المقابلة التلفزيونية المفاجأه واعجت بطرحك الهادئ وإرإك المتزنه _ الى الامام وبالتوفيق