هذا حديث للدولة وللجهة المنظمة لحوار التوافق الوطني وللمتحاورين نلخصه في عبارة واحدة: «آن أوان خروج هذا الوطن من الدوران في حلقة مفرغة»، حلقةٍ بمحطات انفجار احتجاجات دورية يأتي بها كل عقد من الزمن تُسفك فيها دماء وتُقدم تضحيات ويفقد الوطن والمواطن عديد المنجزات وتتأخر التنمية. وما بين محطة وأخرى تتعمق جراح وآلام ويتراكم غضب وحقد ينذر بمحطات انفجار أخرى أكثر إيلاماً وأشد قسوةً ومرارة.
إن هول ما حدث في فبراير/ مارس 2011 ينبئنا - إن لم نغادر الحلقة المفرغة - بأن اليوم وغداً وبعد غد لم يعد ولن يكون شأناً بحرينياً محلياً، وبأن القادم - لا سمح الله - قد يكون أعظم وأقسى في ظل زمن عولمي توجه فيه القوة العظمى منفردةً كل جزء في هذا العالم وتصل بأجنداتها إلى أصغر بلد وأبعد قرية، هذا عدا عن أجندات إقليمية تبحث عن مواقع هيمنة وتحقيق مصالح. وفي ظلّ تداعيات أحداث فبراير/ مارس 2011 يصبح التوافق المجتمعي ضرورةً قصوى لا مناص عن بلوغها، وحريٌّ بحوار التوافق الوطني أن يهيئ هذه الفرصة كونه يضم ممثلين عن كافة مكونات المجتمع البحريني، وكونه يضع على الطاولة كافة الملفات المصيرية للمجتمع.
ورغم الأهمية العظمى لكل محور من المحاور الموضوعة على طاولة الحوار وترابطها الواضح تظل الأزمة سياسيةً في الجوهر، وتظل محطات انفجار الاحتجاجات المتتالية تتمحور حول مطالب وحقوق سياسية قوامها حق المواطن في المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار فيما يتعلق بشئون مجتمعه في كافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وبما يحقّق للمواطن ما يليق بإنسانيته من حرية وعدالة وعيش كريم.
للدولة نقول: الحوار الوطني فرصة قد يصعب أن تتوفر مثيلتها لإخراج المجتمع من الدوران في حلقة مفرغة من التكرار الدوري لمحطات الانفجار. والمحور السياسي يفرض نفسه وجدير بأن يعالج من الأساس معالجة جذرية، وهناك معطيات تدعم الذهاب للإصلاح السياسي الحقيقي، أولها: أن هذه هي الطريق الصحيحة باتجاه البناء الديمقراطي للمجتمع؛ وثانيها: أن وثيقة ميثاق العمل الوطني التي استفتي عليها الشعب ومنحها موافقته وثقته بنسبة 98.4 تبشر بالتطور باتجاه الملكية الدستورية؛ وثالثها: أن رموز القيادة قد دعموا شرعية المطالب السياسية التي طرحتها المعارضة حيث أوضح صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في مقال له نشرته صحيفة الـ «واشنطن تايمز» في 19 أبريل/ نيسان 2011 بأن: «ليس هناك شك في أن المظالم عن الحقوق المدنية والسياسية لجميع البحرينيين مشروعة»، وقوله بأن: «المطالب المشروعة للمعارضة اختُطفت من جانب عناصر متطرفة». كما أن صاحب السمو ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة ومنذ البدايات الأولى للأزمة وقبل تفاقم الأوضاع وخطورتها قد نوَّه بأن هناك أوجه قصور بحاجة لمعالجة، فطرَح مبادرته التاريخية للحوار وأعقب ذلك بطرح بنود تذهب جميعاً نحو الإصلاح السياسي الحقيقي.
وللجهة المنظّمة لحوار التوافق الوطني نقول: نجاح الحوار في إخراج الوطن من الدوران في حلقة مفرغة من الانفجارات الاحتجاجية الدورية رهنٌ ليس فقط بما سيتمخض عنه الحوار من مرئيات تشمل جوانب اتفاق أو اختلاف، بل أيضاً بالحرص على توفير أرضيات مواتية لسرعة التنفيذ ما بعد الموافقة الملكية وتحويل المرئيات للسلطة التشريعية. المطلوب حينها وتيرة سريعة في آليات الإقرار إن عبر التعديلات الدستورية أو التعديلات على قوانين قائمة أو استصدار قوانين جديدة. المواطن بحاجةٍ ماسةٍ ليضع يده على نتائج إيجابية سريعة وملموسة. ومع معرفة طول المسافة الزمنية التي يمر بها في دهاليز السلطة التشريعية أيُ تعديل أو وضع قانون، فعسى أن تُعطى الأولوية في الدور التشريعي المقبل لمهام تحويل مرئيات الحوار الوطني إلى قوانين تحفظ حقوق المواطن وتبث الطمأنينة في نفسه والثقة في مستقبله ومستقبل أولاده ومجتمعه.
حينما سئل رئيس حوار التوافق الوطني رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني: كيف سيتم التعامل مع المرئيات من ناحية تنفيذها على أرض الواقع؟ أجاب: «ما سيرفع إلى جلالة الملك هو في واقع الأمر سيحيله إلى المؤسسات الدستورية وهي صاحبة القرار في تداول هذه المواضيع». هنا لابد من التنويه إلى أن السلطة التشريعية بغرفتيها متواجدة على طاولة الحوار ومشاركة فيه وستكون على دراية تامة بتفاصيل المناقشات وما تم التوافق عليه من مرئيات. وعليه فمن المتأمل أن يكون تداولها للمواضيع ليس عودةً للمناقشة من جديد واتفاق أو اختلاف بقدر ما هو توجه وبأسرع ما يمكن نحو تعديل أو وضع فإصدار القوانين.
وللمتحاورين على طاولة المحور السياسي من كل الأطياف والأفكار والمعتقدات التي يحتضنها هذا الوطن نقول: كل شخصية هنا بغض النظر عن كونها تمثل جهة مؤسسية أو تمثل ذاتها كشخصية اعتبارية فهي تشارك باسم شعب البحرين بأكمله وتحاور لمستقبل هذا الوطن بعمومه. كل متحاور محمَّل بمسئولية تاريخية كبيرة هي تحقيق مطالب وطموحات شعب البحرين المشروعة التي تبدأ بمطالب الإصلاح السياسي الحقيقي ولا تنتهي عندها. وعليه فطاولة الحوار السياسي مطالبة بالدرجة الأولى بإخراج الوطن من الدوران في الحلقة المفرغة ونزع فتيل أية انفجارات أخرى. وهي مهمة تتطلب من كل متحاور نوايا صادقة وعزماً وإرادة للتغيير وعقلاً متفتحاً للرؤى المطروحة ومرونة وتسامحاً في تقبل الرأي الآخر وأداءً فاعلاً في المناقشة وتبادل الرؤى وطرح البدائل للوصول إلى التوافقات المرجوُّة. أما تلويح بعض الجهات القادمة للحوار - وقبل بدئه - بالانسحاب إن لم يؤخذ بمرئياتها - السياسية في الغالب - فهذا بظننا هروب للأمام وترجيح لمنحى التأزيم إن لم يكن ذهاباً إلى محطات انفجار جديدة، وليس أبلغ في هذا المقام من القول المأثور: «ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك جُلُّه». هذه مهمة تاريخية إن أثبت المتحاورون على الطاولة السياسية أنهم أهلٌ لها فسيسجل التاريخ إنجازهم ويحفظ أسماءهم بما يستحقون من ثناء وامتنان
إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"العدد 3223 - الإثنين 04 يوليو 2011م الموافق 02 شعبان 1432هـ
حلقة مفرغة
هناك من لا يريد اخراجنا من هذه الدائرة الفارغة ويريد استمرار المعاناة ولا يحصل الشعب على حقوقه يا استاذة.
مقال عقلاني ومهم في هذا الظرف
صدقت يا أستاذة فوزية.... كلامك في منتهى الصدق والعقلانية، وعسى أن يكون هناك من يسمعه وتصل رسالة المخلصين إلى من يهمه الأمر.