العدد 3220 - الجمعة 01 يوليو 2011م الموافق 29 رجب 1432هـ

فلسفة الأنا والشر المستطير

أحمد العنيسي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مرت أيام عديدة، دون أن تكون نفسيتي مهيأة لكتابة فقرة واحدة، رغم أن الأفكار كانت تزاحمني كل ليلة، والأفكار تغزو مخيلتي بعد كل غفوة أفيق منها، إلا أني لم أستطع أن أرسم ملامحها وتكويناتها.

أعرف جيداً أني كنت ملهماً في التعبير أثناء الدراسة، وأستطيع أن أسطر مقالات – إصلاحية – يعجز عنها بعض كتاب «فلاسفة الأنا» المتمرسون فقط في الوشاية والفتن، وفل حبل الثقة بين الشعب والقيادة، والذين تفتقر كثير من مقالاتهم إلى أسس الكتابة.

كنت أود الابتعاد عن سوق المقالات المؤججة للوضع التي بدأت تنتشر في صحافتنا، وجعلتني أشمئز من الكتابة في بلد أعتز بانتمائي له، ولا أود أن يتهاوى إلى الهاوية، ولا أريد سوءا لسمعة هذا البلد العزيز، كما يفعل «كتاب الأنا»، الذين يدّعون أنهم الأكثر ولاء، والأكثر مواطنة، وكل المواطنين خائنون عداهم، وأنهم الأكثر مخافة على البلد، والأكثر صدقية وأمانة وأنهم الحصن الحصين لهذا البلد، وأنهم يستشعرون عن بعد المخاطر المحدقة بهذا البلد، حتى وصلوا إلى أنهم لا ينطقون عن الهوى في هذا البلد.

حقيقة ما دفعني للرجوع للكتابة، عندما بلغ السيل الزبى، وهو على مدى أكثر من أربعة أشهر، قد تم تسقيط وتخوين وقذف وشتم طائفة رئيسية تمثل شريحة كبيرة من المجتمع من دون قيد أو رقيب من قبل الجهات الرسمية. ومن المعروف أن هؤلاء الكتاب لا يخدمون البلد ولا القيادة، بل يضرونهما بطريقة غير مباشرة بتحويل هذه الفئة المشتومة، التي تمثل أكثر من نصف الشعب إلى الكراهية للنظام، بسبب عدم ردع هؤلاء الكتاب، والسكوت على ما يبثونه من سموم في جسد المجتمع. ولكون تربيتنا الإسلامية لا تسمح بالتهجم على الآخرين، فضلاً عن أننا لا نبحث عن مقابل «مال أو منصب»، بل ما نبحث عنه لم شمل المجتمع، والدعوة إلى التآلف والتسامح والرحمة بين الناس. وأنهي هذه الفقرة بمناشدة أخوية، بطلب الكف والتوقف عن التعرض لشخوص الناس حتى لا تزيد الكراهية في المجتمع إن كنتم تودون للحوار المنشود النجاح.

مع اعتزازنا وتقديرنا لجميع المواطنين بلا استثناء، إلا أننا ندرك ما هو المغزى من تمييز هؤلاء الفلاسفة عن غيرهم، ووصف أنفسهم بهذه النعوت، وهذا ما يجعلنا أن نقول لهم، يا فلاسفة! أفيقوا فكلنا نحب البحرين ومتيمون بها، وولاؤنا لهذا البلد حتى النخاع. فهذا البلد يتكون من طائفتين كريمتين رئيسيتين، جذورهما ضاربة في عمق هذا التراب الطيب، تشربت وتكونت من بحر بحريها، فكانت هي بحرين، وليس بحراً واحداً، والمحاولات اليائسة في نكأ الجرح ورشه بالملح، والمحاولات المتواصلة لتخوين أكثر من نصف المجتمع ليس لها إلا أن تبوء بالفشل الذريع، وينال ساعدها الكلل ويصاب بالشلل الفكري، ولسوف تهزم المشاريع البغيضة – سموم الحقد والكراهية – والتي هدفها دخول البلاد في عراك مظلم يؤول بالبلد إلى الغرق في نفق الطائفية، والكل سيكون خاسراً من مشاريع «فرق تسد» التي لا تتصل بالوطنية بقيد أنملة. فالمواطنة ليست بسرد الكلام والنفاق المفضوح، بل بانتشال البلد من مأزقها السياسي، لا صب الزيت على النار وإشعال الفتن، وبالعمل الدؤوب على لملمة الجروح ورأب الصدع، ومداواة العلل التي يعاني منها المجتمع برمته.

إن الحملات التحريضية والمواقف المضادة والتصريحات المخونة لأكثر من نصف الشعب، لا تؤذي غير مطلقيها من فلاسفة الأنا. فننصح هؤلاء الفلاسفة قراءة كتاب ( forgive is the best health for all)، أو الرجوع إلى قراءة حكمة الفيلسوف اليوناني سقراط عندما قام بامتحان أحد المقربين منه – المرتشين– المعروف بامتحان الفلتر الثلاثي (الصدق والطيبة والفائدة).

من يحب الوطن وقيادته يدعو للخير واستثماره، بدلاً من استثارة الفتن والتحريض والدعوة إلى عوامل الشر التي تهدم ولا تنفع. وقد دعا الله الإنسان في كل صراعات الحياة وعلاقات الإنسان بأخيه إلى المغفرة والدفع إلى الحلم والتسامح، فقال تعالى: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم». فالتسامح قيمة إنسانية تتجسد في الإنسان السوي، الذي يجب أن يتحلى براية الرحمة والرأفة، ويدعو إلى الخير والرشاد والهداية، ويقول تعالى: «خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ». ويقول سبحانه وتعالى: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ»... إلى غيرها من آيات الذكر الحكيم.

التسامح يؤلف القلوب النافرة ويأتي بالخير الوفير، لاسيما إذا كان بين شركاء في الوطن والدين والإنسانية، والذي لا يتميز بهذه الصفة، ليس في قلبه رحمة وهو أول من يكتوي بردة الفعل المضادة. فتوزيع تهم الخيانة يؤول للقطيعة والتفرقة والعداوة بين الناس والبغض المقيت.

علاج عدم التسامح لا يداوى بزيارة مستشفى أو لقاء طبيب، بقدر ما تحتاج إلى مراجعة النفس والتصدي لمخططاتها الدنيئة، وكنس شوائبها العالقة في تضاريسها، ومحو الذاكرة من رسوماتها الكئيبة واللئيمة، وعدم إيقاظ الشر، بالنظر بعين أنقى للآخرين، والتأمل لحياة أفضل وغد مشرق، ورسم شريط التفاؤل بتنظيف القلب وحجراته من الحقد والكراهية، حتى تشعر بالهدوء والسكينة في كل أوصال وأعماق القلب.

اللهم احفظ هذه المملكة الغالية من كل مكروه، وانعم على أهلها بالاستقرار والهدوء، واحفظها من كل سوء وفتنة أو شر مستطير. اللهم أصلح ذات البين، وألف بين قلوبنا جميعاً إنك سميع مجيب

إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"

العدد 3220 - الجمعة 01 يوليو 2011م الموافق 29 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:53 ص

      ثقافة التسامح

      اخي الكريم شكرا على ثقافتك الانسانية جميعنا احيط بجدار من الحزن منعه حتى من القراءة وفي هذا السياق التقيت اديبة مرهفة الاحساس سالتها هل قراتي مقالات صديقتك ...فاجابت بحزن لا اريد ان اقرا لها لكي لا افقدها لانها صديقة عمري. حقيقة الامر تاريخ الشعوب مليء بهكذا حالات ومن المعروف ان الحرامية تكثر في حالات الفوضى بيد ان ذلك حدث عابر سرعان ما يزول وتعود هذه الفئة من الناس الى جحورها وببساطة ثقافة التسامح والعقلنة والحكمة المتاصلة في قيم حضارتنا لن يتمكن هؤلاء من هدمها .

اقرأ ايضاً