احتفل العالم الأحد الماضي (26 يونيو/ حزيران) باليوم العالمي لضحايا التعذيب، فيما تحتفل اليوم الثلثاء (25 رجب) بعض بلدان العالم الإسلامي بذكرى أقدم سجين في التاريخ القديم.
في المناسبة الأولى، تُفاخر مختلف الدول بمنجزاتها في مجال احترام حقوق الإنسان، وتدشّن مشاريع للمصالحة الوطنية، وتستعرض ما تم عمله لطيّ ملفات التعذيب وانتهاك حقوق البشر. وهو ملفٌ يتم التخلص منه تدريجياً باعتباره وصمة عار تستعر منه جميع الأنظمة، الديمقراطية وغير الديمقراطية، فأكبر بلد ديمقراطي اليوم يحاول رئيسه التخلص من ملف «غوانتنامو»، وليس هناك بلدٌ يمكن أن يفخر بتعذيب المعتقلين أو يدافع عن انتهاكات حقوق الإنسان.
في المناسبة الثانية، تقف أمام واحدةٍ من مفارقات التاريخ الإسلامي، في ذروة عصر الترجمة والانفتاح على الثقافات الأخرى والصعود الحضاري. كانت الدولة العباسية قد ألقت بأطنابها في الأرض، بعد أن مهّد لها سبل البقاء الآباء المؤسسون (أبوالعباس السفّاح وأبو جعفر المنصور). كان الرجلان قد خاضا حروباً طاحنةً لعقودٍ لتقويض الدولة الأموية، انطلاقاً من خراسان وسلمية بالشام، ولم يُمهل القدر السفّاح فلم يبقَ في الحكم غير أربع سنوات، ليخلفه أخوه المنصور، الذي استمر في البطش والتنكيل وسفك الدماء 22 عاماً، حتى دانت له الدولة وخضعت الرقاب.
الجيل الثاني استلم دولةً مستقرةً ثابتة الأركان، تمتد شرقاً حتى تخوم الصين وما وراء النهرين، وغرباً حتى المحيط الأطلسي، ما جعل الخليفة الخامس هارون الرشيد (حكم 23 عاماً) يخاطب يوماً سحابةً عابرةً في السماء: «اذهبي أينما شئتِ فسيأتيني خراجك». فالخليفة الذي انطلقت الترجمة في عصره، لم يكن يفكّر بأكثر من الجباية والخراج. هذا الخليفة حفظ له التاريخ كلمته المرعبة لابنه المأمون: «إنه المُلك لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك».
لم يكن موسى الكاظم (ع) يتزعم حركة عسكرية كما كان يفعل بعض العلويين، وإنما كان إماماً يعلّم الدين ويدعو للتمسك بأهدابه، امتداداً لمدرسة أهل البيت النبوي بعد كربلاء، في اهتمام أئمتها بالجانب التربوي والتثقيفي من أجل إصلاح حقيقي في حياة الأمة. وكان كثيراً ما يروي لأصحابه ومريديه حكايات الصحابي الجليل أبي ذرٍّ الغفاري (رض) ليذكّرهم بنقاء السيرة في عهد الانقلاب على المثل والقيم. دخل عليه إبراهيم بن عبدالحميد فلم يشاهد في بيته غير خصفةٍ ومصحفٍ وسيفٍ معلّق على الجدار.
في سيرته، تقرأ ما قال عنه الذهبي: «كان موسى من أجواد الحكماء، ومن العباد الأتقياء». وقال سبط ابن الجوزي: «ويدعى بالعبد الصالح لعبادته واجتهاده وقيامه بالليل... وكان موسى جواداً حليماً»؛ وقال ابن حجر الهيتمي: «موسى الكاظم وهو وارثه (جعفر الصادق) علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً، سُمّي بالكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم»؛ وقال ابن الصباغ المالكي: «هو الإمام الكبير القدر، والأوحد الحجة الحبر... المسمى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظماً، وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله».
وقال عنه محمّد بن طلحة الشافعي قريباً من ذلك وأضاف: «الكثير التهجد، الجادّ في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات... يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدّقاً وصائماً... ويُعرف في العراق بباب الحوائج إلى الله لنُجح مطالب المتوسّلين إلى الله به، كراماته تحار منها العقول وتقضي بأنّ له عند الله تعالى قدم صدقٍ لا يزول». أما المؤرخ الدمشقي خير الدين الزركلي (رئيس ديوان حكومة الأردن وعضو المجمع اللغوي في مصر ودمشق وبغداد، ووزير خارجية السعودية في الأربعينيات، توفي 1976) فعرّفه بأنه «سابع الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، كان من سادات بني هاشم ومن أعبد أهل زمانه وأحد كبار العلماء الأجواد».
مثل هذه الشخصية الوادعة، لم يتسع لها صدر هارون الرشيد، فحكم عليه بالنقل من المدينة المنوّرة إلى العاصمة (بغداد)، ليُسجن أولاً في البصرة، ثم ليتنقل بين سجون بغداد وسجانيها، وكان آخرهم السندي بن شاهك، الذي ضيّق عليه في مأكله ومشربه، وكبّله بثلاثين رطلاً من الحديد في سجنٍ رطبٍ تحت الأرض. وفي هذا الانقطاع التام عن العالم والحياة والناس، انقطع إلى ربه، متعبّداً طوال أوقاته. ومن هناك كتب ذات مرةٍ إلى هارون: «لن ينقضي عني يومٌ من البلاء حتى ينقضي عنك يومٌ من الرخاء حتى نفنى جميعاً إلى يومٍ ليس فيه انقضاء، وهنالك يخسر المبطلون». وأوعز هارون إلى السندي باغتياله، فدسّ له سُمّاً في رطب، فأكل منه رطباتٍ يسيرة، ولازمه السندي حتى بدأ مفعول السمّ يدبّ في جسده، فأرسل بالبشارة إلى هارون.
في مثل هذا اليوم، الخامس والعشرين من رجب عام 183هـ، شاهد أهالي بغداد مجموعةً من الشرطة تحمل نعشاً وتلقيه على أحد الجسور، وسرعان ما اكتشفوا أنها جنازة حفيد رسول الله (ص)، فحملوها وسار موكب التشييع حتى انتهى إلى مقابر قريش ليُدفن فيها.
السجّان خلّف ولدين غير شقيقين: الأمين والمأمون، فتقاتلا على الخلافة سنواتٍ، وحين ظفر المأمون بأخيه أمر بتعليق جثته على أحد أبواب بغداد. أما السجين الذي قضى 15 عاماً متنقلاً بين السجون، فهو من أكثر الأئمة أولاداً، فقد بارك الله في ذريته، إذ ترك من خلفه 37 من السادة والسيّدات الموسويين، ينتشر أحفادهم في العراق وخراسان والهند وأذربيجان والحجاز ودول الخليج... إلى وادي النيل
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3216 - الإثنين 27 يونيو 2011م الموافق 25 رجب 1432هـ
الي اين الانصاف ..
ان صح ماقال الذهبي عن الرشيد فما قيمته وقد سجن وعذب اهل بيت رسول الله ؟؟!!
شكرا ياتسل السادة
بكل شوق ومحبه اتشرف بقرلءة مقالاتك التربويه وهذا ليس بغريب عليك يانسل الائمه الطاهرين وحفيد السلالة الطاهرة اتنفس من خلالها روح الاخلاص وعمق الهدف بارك الله في الدارين
منهج متوزان
طرحك متوزان، فأنت استشهدت بآراء كبار المؤرخين السنة الذين قدموا شهادات لا يمكن التشكيك فيها بحق الامام الكاظم. وهو منهج علمي تماماً لا يمكن التشكيك بموضوعيته ونزاهته. بوركت يا سيد يا موسوي.
ملاحظة للقارئ 6
اعتقد ان الكاتب سيدقاسم حسين تناول سيرة الامام الكاظم في ذكراه فكان طبيعياً أن يتناول تفاصيل حياته بما فيها تعرضه للسجن على يد اهارون الرشيد. ولم يكن السياق يخدم تناول سيرة الاخير أصلاً حتى تطالبه بالانصاف. فهذه هي الوقائع التاريخية الثابتة، اللهم إلا إذا ثبت ان الكاظم لم يمت في سجن هارون وبأمره، فعلينا حينها ان نبحث عن سبب موته واين؟ وهل مات في المدينة المنورة؟ ولماذا قبره في بغداد؟ وهل مات مسموما أو مات حتف انفه؟ التاريخ لا يحتمل المداهنات يا أخي الكريم.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
بارك الله فيك يا سيد قاسم على هذا الطرح القدير والمعلومات المسجلة من مصادر متعددة والمقارنة المفيدة. من كلمات الامام الكاظم عليه الصلاة والسلام، قال لتلميذه الجليل هشام بن الحكم: يا هشام : لو كان في يدك جوزة ، وقال الناس في يدك لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة. ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس : انها جوزة ما ضرك وأنت تعلم انها لؤلؤة.
السلام على شهيد السجون .. السلام على المعذب في طوامير الطغاة ............... ام محمود
إنّ أجمل الساعات وأثمنها عند الإمام(عليه السلام) هي الساعات التي يخلو بها مع الله عزّ اسمه فكان يقبل عليه بجميع مشاعره وعواطفه وقد ورد: أنه إذا وقف بين يدي الله تعالى مصلّياً أو مناجياً أو داعياً ارسل ما في عينيه من دموع، وخفق قلبه، واضطرب موجدة وخوفاً منه، وقد شغل أغلب أوقاته في الصلاة «فكان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتى تطلع الشمس، ويخرّ لله ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتى يقرب زوال الشمس، من مظاهر طاعته أنه دخل مسجد النبي(صلى الله عليه وآله) في أول الليل
تحية وشكر
كلامك مؤثر جداً أستاذ قاسم.. بنية المقال تحفة أدبية.. معلوماته قيمة.. ربطه الماضي بالحاضر ينم عن قدرات فائقة يمتلكها الكاتب العزيز.. باختصار المقال كله وصاحبه عسل في عسل..
القراءة تنير العقول
عندما سال الأمون والده عن سبب إكرام الامام الكاظم موسى بن الكاظم بحيث سمح للامام الكاظم ان يطأ ببغلته على بساط الرشيد وقربه وأجلسه على الكرسي وقضى كل حوائجه فقال له ولده المأمون ياأبتاه اني رأيتك اكرمت هذا الشخص بما لم تكرم به غيره فاجابه ياولدي لوزال الملك من ابيك لما استحقه غير هذا ! ولو علم الناس من فضائلهذا وأهل بيته لمابقينا في الحكم , بعض الانصاف وقول الحق في رجل كان يحج عام ويغزو عام وكونك صحفي لك شغف بالتاريخ نتمنى ان تعتمد على مصادر غنية ولها مصداقية في عرض الاحداث
مأجورين
أفديك يا ذا السجدة الطويلة
يا صاحب السلاسل الثقيلة
بالنفس والمال.. يا كاظم الآل
مأجورين
سلام الله
سلام الله عليك يا امير السجون
تناول تاريخي مشوق
احيي فيك هذه القدرة على الكتابة التاريخية المشوقة. فأنت تتميز بمثل هذا الاسلوب وطريقة التناول للاحداثث والوقائع التاريخية خصوصا الاسلامية.
شكرا لكم
بوركت يا سيد على طرحك البناء
يا باب الحوائج
السلام عليك ياسيدي يا موسى بن جعفر الكاظم يابن رسول ياحجة الله على خلقه ياسيدنا مولانا اناتوسلنا واستشفعنا بك الله في قضاء حاجاتنا .. ياوجيها عند الله اشفع لنا عند الله .
رحمك الله ياموسى الكاظم
رحمك الله ياموسى الكاظم في الخالدين و رحم الله جميع ائئمة المسلمين
لفتة:
أقدم سجين في التاريخ القديم هو نبي الله يوسف عليه و على نبينا و آله أفضل الصلاة و السلام.
مأجورين جمعياً
أين الإنصاف ؟؟؟؟
وبما أنك استندت إلى الى الذهبي في سيرة موسى الكاظم ، كان من باب الإنصاف أن تذكر أيضاً ما قاله الذهبي في هارون الرشيد في كتابه سير أعلام النبلاء: وكان "أي هارون الرشيد" من أنبل الخلفاء وأحشم الملوك ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ذا فصاحة وعلم وبصر بأعباء الخلافة وله نظر جيد في الأدب والفقه قد وخطه الشيب أغزاه أبوه بلاد الروم وهو حدث في خلافته. كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات ويتصدق بألف وكان يحب العلماء ويعظم حرمات الدين ويبغض الجدال والكلام "
قطب الوجود
هؤلاء هم قادة الإنسانية، وأئمة الهدى إلى الله سبحانه.. نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المنتهجين لنهجهم، السائرين على هداهم.. .......
غريب الرياض
لا حول و لا قوة الا بالله.
مــــــــــــــــــــــــأجورين
يا باب الحوائج
فكوخ به عشت استطال الى السما _ ........
بارك الله فيك
يا حفيد وسليل راهب بني هاشم على هذا الطرح والتحليل .
يارب بباب الحوائج
يارب بباب الحوائج نسألك الفرج و العافية و الأمان في الدنيا و الأخرة