كلما ابتعد الإنسان عن العنف كلما كان أثر ذلك «الابتعاد» ملموساً في «اقترابه» من تجاوز مشكلاته وأزماته.
الحياة لا تخلو من ورطة وبين ورطة وأختها ما يمكن فهمه على أنه الألغام التي عليك أن تكون حاضر الحواس قبل أن تترك لقدمك حرية التحرك في المكان الذي تعبره.
العنف اليوم لا يتركز في المباشر من الأذى والاستباحة. إنه يطلع علينا من أدوات الترفيه عبر مشروعات تضخ لقيامها ملايين الدولارات وتدخل ضمن أدوات ومفاعيل ومنافذ الترفيه لكن مضامينها عنف مركز يكاد يتجاوز في أثره وقولبة المفاهيم أشرس أدوات العنف والقتل والتصفية المباشرة.
وكما أن للتاريخ مخزونه من العنف - بمباركة بعض مثقفي ونخب عصره؛ كما هو الحال مع بعض مثقفي ونخب الحاضر - الذي امتد ليسطو على وعي الحاضر لن يأتي مستقبل على هذا الكوكب يدعي قدرته على تصفيته!
نعم؛ قد يحيِّده ويحد من حركته ويحاصره ويقيم برامج للتأهيل مضادة تعطل اندفاعه وامتداده وسطوته؛ لكنه لن يستطيع وضع حد له.
ضمن ذلك، عنف الدول اليوم لا تفسير له في كثير من صوره إلا في الضيق من الاستماع للناس وغصصهم وأدنى احتياجاتهم وفي جانب منه، استئثار قلة على الموارد؛ فيما السواد الأعظم تترك له فضلات تلك الموارد هذا إن نالها حظ من ذلك.
عنف الدول في عالمنا الخاص - العالم الثالث، عالم الدكتاتوريات - محفز لعنف الأفراد وليس العكس ربما كانت هذه الخلطة أو التوليفة مرفوضة وغير مقنعة خارج سياق وتفكير وممارسة ما يشهده عالمنا الثالثي؛ حيث عنف الفرد يحفز عنف الدولة الطارئ بتفعيل الدستور والعقد الاجتماعي؛ إذ لا محل له واقعاً وتفعيلاً في دولنا.
دولنا لم تعرف في تاريخها الحديث وجزء كبير من تاريخها البعيد والقريب عقداً غير متلاعب به إلا إذا اعتبرنا الاستئثار نوعاً من العقد المتفق عليه ولكن من طرف واحد! وذلك من مؤثرات ومحفزات العنف بدءًا بماضٍ كالحٍ وكئيبٍ، مروراً بحاضر منتهب ومختطف من الفرد الإله البشري المتحكم في المصائر والأرزاق، ووهم تنقيح القيم وليس انتهاءً بمستقبل لا أحد يدعي - مهما أوتي من ملكات النفاذ والعمق في القراءة - قدرته على أن يكون أفضل من ماض وأكثر تفاؤلاً من حاضر!
العنف اليوم حال كونية من المفترض ضمن سياقات غير طبيعية أو طارئة يتمثل ويحضر ويربك كلما اضمحل وانهار الاستقرار وكرست المصادرة وتم تعميم التطاول الذي يمس التفاصيل الدقيقة من حياة الأمم.
والأمم مكونها الفرد؛ ما يعني أن التطاول يمس الفرد؛ ما يتيح له التبرير والذهاب إلى العنف في اعتقاد يراه ضرورة وحلاً أمثل ولا بديل له لإعادة الاعتبار إليه ووضع حد لنفيه وحشره فيما بعد الهامش!
أي نظر إلى العنف اليوم بعيداً عن تلك البدهيات يعد محاولة للقفز على الزمن بأبعاده ونأيا عن النظر إليه بمسئولية وحقيقة الخلل وما يترتب عليه من زعزعة وإرباك وتعطيل لكل المنظومات التي تتحكم وتسير حركة المجتمعات.
لا عنف يولَد من دون محرك أو آلة أو حافز أو جاذب. بمعزل عن كل ذلك لا يمكن لمثل ذلك العنف أن يوجد إلا في مجتمعات افتراضية وخارج حركة الزمن وخارج سياق التاريخ والحاضر والمستقبل
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3215 - الأحد 26 يونيو 2011م الموافق 24 رجب 1432هـ