قبل أيام أعلنت مؤسسة «ميريل لينش» أن حجم ثروات الأغنياء في العالم وصَلَ إلى 43 تريليون دولار! بمعنى أن الرقم الصحيح وهو 43 يقع على يمينه 12 صفراً. وإذا كان العام 2009 قد أضاف 100 مليون جائع إلى قائمة الفقراء، فإن العام الحالي قد أضاف 8.3 في المئة من الأثرياء عن العام الماضي، أي 10.9 ملايين ثري جديد ليصل مجموع مبالغهم 43 تريليون دولار.
هذا الرقم أكثر من خيالي. وإذا جازَ لنا أن نتذكَّر قولاً هنا فلا يوجد أبلغ من قول «ما جاعَ فقيرٌ إلاَّ بما مُتِّعَ به غَنِي» كما جاء في الأثر. وطبقاً للمعادلات الحسابية الأوليَّة فإن توزيع هذه المبالغ على فقراء العالَم سيعني أن 86 ألف دولار ستوزَّع على كل فقير (من أصل 500 مليون فقير)، بمعنى أن هؤلاء الفقراء سيزيد دخل الواحد منهم 85 ألفاً ضعفاً عمّا كانوا عليه سابقاً إذا ما أخذنا التصنيف الدولي لهم بعيشهم أقل من دولار واحد.
في التقدير الثاني فإن توزيع هذه المبالغ على فقراء العالَم إن كانت أعدادهم تقارب المليار فقير وهو المعلَن رسمياً في حقيقته، فإن 43 ألف دولار ستوزَّع على كلّ فقير بدل حصوله أقلّ من دولار في اليوم. أي بمعنى أن نسبة دخله ستزيد بـ 42 ألف ضعف! كما أن توزيعها على نسبة التقسيم في حدِّها الأدنى سيعني أنها ستغطِّي 42000 ألف فرد افتراضي على عدد الفقراء الفعليين في العالَم.
في تقسيم آخر، فإن الفارق بين كَفاف الفرد العادي وكفاية الفرد الثري يبدو هائلاً إذا ما قورِن الأمر بين الحاجة لدى الأول والوفرة لدى الثاني. فإذا ما كان هناك فرد يُراهق لحد المتوسط من الدخل بحدود الألفي دولار، ويُماثله مليارا فرد آخرين، فإن نصيب الفرد منهم سيكون 21 ألفاً و500 دولار. وإذا ما انسحب الأمر على غيرهم أو على مداخيل أخرى فإن الحال سيتكرر أيضاً.
هذا الأمر في حقيقته يُولّد غصَّة لدى الكثيرين. كيف يُمكن لهذا العدد المحدود من البشر أن يستولي على ثروات بهذا الحجم الفلكي؟! إذ ليس من المعقول أن يتحوَّل نصيب 100 مليون فرد من الثروة ليصبح في يد فرد واحد! نرى على سبيل المثال ثلاث دول وهي الولايات المتحدة واليابان وألمانيا قد حازَت على 53 في المئة من عدد أثرياء العالم! في أميركا الشمالية وحدها 3.1 ملايين من الأغنياء الذين يُسيطرون على ثروات متفاوتة، لكنها هائلة في كلّ الأحوال.
مؤسسة ميريل لينش ذكرت أن عدد الأثرياء في البحرين قد وصل إلى 6700 ثري أي بزيادة 24 في المئة عن العام الماضي. ولو افترضنا أن كلّ واحد من هؤلاء الأثرياء البحرينيين لديه ثروة بحجم 50 مليون دولار فقط فإن مجموع ثرواتهم سيصل إلى 335 مليار دولار! أي لو قسِّمَت هذه الثروات على فقراء البلد لما بقي أحد من المعوزِيْن، أو ممن يمدّون أيديهم طلباً في الحاجة والفاقة. وهو ما يعني عدالة اجتماعية أفضل، وحياة كريمة أفضل ومستقبل أفضل أيضاً.
مُجمَل الحال يتلخَّص في أن يجعل الأثرياءُ الفقراءَ جزءًا من اهتمامهم لكي يتحوَّل الأمر لديهم إلى محاكاة مع جوانب إنسانية مُلِحَّة بانَت تلابيبها إلى القاصي والدَّاني. فالفقير لا يسعى إلاَّ لأن يرى حاله في مستوى يرقى إلى حياة البشر التي يتسَالم عليها المنطق ويقبلها العقل؛ فذلك إن حصل فإنما يجبُّ نقمة قد تولِّدها ضغائن الفروقات التي تجعل هذا ينام على بطانات الكتَّان الوثيرة، وآخرين يتلوَّون على حَسَكِ السعدان من الجوع والمرض والحاجة.
بالتأكيد هناك أثرياء زكّوا من مالِهِم الكثير وحالهم في ذلك كأنه استجابة لمن قال: «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَهُ مَالٌ فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَ لْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَة، وَلْيَفُكَّ بِهِ الْعَانِيَ وَ الْأَسِيرَ وَابْنَ السَّبِيلِ، فَإِنَّ الْفَوْزَ بِهَذِهِ الْخِصَالِ مَكَارِمُ الدُّنْيَا وَ شَرَفُ الْآخِرَةِ» لكن الحقيقة الأكيدة أنه لا تبذير في الإحسان كما كان يقول الفيلسوف ورجل الدولة الانجليزي فرانسيس بيكون
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3213 - الجمعة 24 يونيو 2011م الموافق 22 رجب 1432هـ
والأحسن منه هو
فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَهُ مَالٌ فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَ لْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَة، وَلْيَفُكَّ بِهِ الْعَانِيَ وَ الْأَسِيرَ وَابْنَ السَّبِيلِ، فَإِنَّ الْفَوْزَ بِهَذِهِ الْخِصَالِ مَكَارِمُ الدُّنْيَا وَ شَرَفُ الْآخِرَةِ
للأمانة
فلا يوجد أبلغ من قول «ما جاعَ فقيرٌ إلاَّ بما مُتِّعَ به غَنِي» كما جاء في الأثر. هذا القول ينسب إلى الإمام علي (ع).