لن يتسع فضاء بحرس غلاظ مهمتهم إحصاء أنفاسه. الفضاء خارج المراقبة. ذلك أمر يلمسه وعي وإن أوغل في تأخره.
في الفضاء/ الأفق؛ هنالك من يسعى - على أقل تقدير - إلى أن ينزله منزلة الضواحي؛ أو القرى المنسية؛ تعبيرا عن الهامش.
ماذا بعد الهامش حين يصبح الأفق والفضاء هامشا؟
سؤال يحيلك على الجنون في صوره الركيكة والمنتقمة والمدمرة. ثمة من أساء إلى هذه الحال المحايدة والمستفزة بغلظة بالغة حين أقحمت الأدبيات المعاصرة الساسة والعسكريين وتجار السلاح والانقلابيين الذين لا يوثقون وزنهم الرسمي في السجلات الطبية إلا على متن أطنان من دبابة أو حاملة جند. أقول المحايدة؛ حين تنأى بنفسها عن التورط في مساحة الجذب. وعيها ضمن مساحته المقررة في علم الأعصاب يضعها بمنأى عن الاستقطاب بكل الأدوات والمفاعيل والإغراءات والتهديد والابتزاز لتكون جزءاً من منظومة الخراب أو الرقص في حضرة الثناء والمديح!
ما قبل الأفق والفضاء، الشعوذات حاضرة كالملح والتراب. ما بعده، ثمة عقلنة حتى للأشياء. هناك تكون لها قيمتها؛ ليس بالرمزية التي نضفيها؛ نحن الذين نظل مرتهنين لما يثبت أقدامنا على أي أرض؛ ولكن بالمدى المفتوح الذي تجد فيه تلك الأشياء سماءها وفضاءها الخاص.
في المساجلات الفكرية وحتى العبثية ثمة من يتحدث اليوم عن عقلنة الفضاء!
لكأن الفضاء ناقص عقل أو خيار أو جهة! لكأن أحدهم يسعى إلى أن يضعه رهن فحص سريري؛ أو ربما وضعه رهن الإقامة الجبرية! تخيلوا فضاء... أفقاً رهن الإقامة الجبرية! إلى أي فضاء... أفق نلوذ في عتمة وجهمة هذه الأسوار؟
لا يستغربن أحد من هكذا طرح اليوم؛ ففي الحديث عن العقلنة، هنالك مصادرة لأصلها وحقيقتها. ثمة ذهاب اليوم بذلك الحديث إلى الحدود القصوى للحجز والحجر والارتهان؛ بحيث لا يتبقى لها أدنى حراك أو تأثير في الجماد المطلق الذي تورط بوجودها في ذمته!
ثم إنه كلما كثر الحديث عن العقلنة، ثق أن مشاريع الاحتواء تهدف إلى خلخلة أي منظومة تذهب في الاتجاه المعاكس لخيار الاحتواء! أن تجعلها رهينة شرطها ومزاجها ومنظومتها القائمة على الفوضى والجشع.
هنالك من يريده أفقاً هشاً وفضاء يمكن تسويره بالفظ والحديد من المحاولة؛ ولكنه يظل فضاء وأفقاً أرضياً ترابياً لأناس من تراب، وعيهم وحتى رؤيتهم تكاد لا تبرحه.
هل نتحدث عن أكثر من أفق؟ هل نتحدث عن تعدد في الفضاءات في البيت الواحد والشارع الواحد والمسجد الواحد والجمعية السياسية والمأوى والضياع والتشرد المفتوح على أفقه الخاص؟
درس عمره عشرات العقود من الأغلال والقيود والنفي والذوبان في الخيار الرسمي والأفق الاصطناعي يقول خلاف ذلك. ثمة التباس يتجاوز المفاهيم ليطال عمق وحقيقة الممارسة والواقع على الأرض بمستعمرات من البؤس والتخلف والإسكات!
ثمة كونية ماثلة في العديد من الممارسات تشير إلى هيمنة ورواج السقوف! ولن يكتفي مثل ذلك الرواج بتحقيق الفداحة التي يتوخاها، ما لم يتأكد من أنه يملك خيار التحكم عن بعد في تلك السقوف ليكتب نص ركامها على الرؤوس الطامحة إلى جنة الأفق
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3211 - الأربعاء 22 يونيو 2011م الموافق 20 رجب 1432هـ