من أبرز أسس السياسة الخارجية الألمانية التي تضمنها البرنامج الانتخابي الخاص بالاتحاد المسيحي إحياء العلاقات الأطلسية والتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة الأميركية. من خلال تكليفها نائب رئيس المجموعة البرلمانية التابعة للاتحاد المسيحي، فولفغانغ شويبلي، الإنابة عنها والسفر خلال الحملة الانتخابية إلى واشنطن، عبرت أنجيلا ميركل المرشحة لتكون أول امرأة تتقلد منصب مستشار الحكومة الاتحادية، عن رغبتها بإعادة علاقات ألمانيا لسابق عهدها مع الولايات المتحدة وإصلاح الضرر الذي طرأ على هذه العلاقة خلال عهد حكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر. بالنسبة إلى المراقبين تجنبت ميركل السفر بنفسها إلى واشنطن متعذرة بضيق الوقت، كي لا تنتشر صورها إلى جانب الرئيس الأميركي جورج بوش، ما يؤثر سلبا على الحملة الانتخابية. على رغم الانتقادات التي وجهتها ميركل للمستشار شرودر بسبب موقفه حيال غزو العراق، فإنها أكدت في كل تصريحاتها الصحافية الأخيرة أنها ستتمسك بقرار الحكومة الألمانية الحالية عدم إرسال جنود ألمان إلى العراق. يذكر أن البرنامج الانتخابي الخاص بالاتحاد المسيحي لم يتطرق بكلمة واحدة إلى حرب العراق التي كانت سببا في خسارة المحافظين الألمان الانتخابات العامة في سبتمبر/ أيلول 2002 حين حجب الناخبون ثقتهم عن شتويبر وأيدوا شرودر الذي أحس بخوف المواطنين الألمان وقرر مناهضة حرب العراق وعدم مشاركة جنود ألمان فيها الأمر الذي أشعل خلافا شخصيا بينه وبين الرئيس بوش. لم يكن سرا أن واشنطن كانت تأمل بفوز ميركل ونهاية عهد حكومة شرودر. وصف سفير واشنطن لدى ألمانيا دان كوتس ترشح ميركل لمنصب المستشار بأنه فرصة لتحسين العلاقات الأطلسية. أضاف كوتس قوله إن تقوية العلاقات الأطلسية يخدم مصالح ألمانيا وأوروبا وقال إن هذه العلاقات تعرضت إلى ضعف بسبب ميول السياسة الخارجية الألمانية بصورة أقوى إلى الارتباط مع فرنسا وروسيا. وذكرت مراجع دبلوماسية ألمانية أن ترشيح ميركل لخلافة شرودر في منصب المستشار قوبل بارتياح كبير في الولايات المتحدة. يقول دبلوماسيون في برلين إن إدارة بوش تدرك حساسية العلاقات مع ميركل بحيث أنها لن تستعجل في الإعراب عن فرحتها لرحيل شرودر الذي اتهمه بوش مرارا بتحريض الشعب الألماني ضده شخصيا كذلك ضد الولايات المتحدة. واكتفى بوش بتهنئة ميركل هاتفيا من دون تحديد موعد للقاء عاجل معها. لكن من المتوقع أن تقوم ميركل بعد انتخابها في منصب المستشار بأول زيارة خارجية إلى باريس عملا بتقليد ألماني ثم تزور بعدها واشنطن. إنها الزيارة التي تستأثر منذ اليوم باهتمام واشنطن التي تشعر بضرورة الحصول على مساعدة ألمانيا لخفض الأعباء الثقيلة الرازحة على كاهلها بسبب استمرار حال عدم الاستقرار في العراق. وتنتظر واشنطن بصورة خاصة الكشف عن السياسي الاشتراكي الذي سيتسلم منصب وزير الخارجية. سترتاح واشنطن إذا وقع الخيار على أوتو شيلي وزير الداخلية الحالي بسبب علاقته الوثيقة مع إدارة بوش التي توثقت بفعل دور شيلي في مكافحة الإسلاميين المتطرفين. وهو العضو الوحيد في حكومة شرودر الذي علاقته مع إدارة بوش وثيقة. لكن عاجلا أم آجلا ستضطر ميركل لكشف أوراقها بما يخص الوضع في العراق. حتى وقت قريب ظلت تؤكد أنها ستلتزم بقرار شرودر عدم إرسال جنود ألمان إلى العراق. لكن حين تزور واشنطن سيذكرها المسئولون فيها بموقفها حيال حرب العراق العام .2003 في الحملة الانتخابية العام 2002 لم يصدر عن ميركل ما يشير إلى رفضها رفضا تاما غزو العراق وإنما أوحت تصريحاتها بأنه لم يكن هناك خيار آخر. لذلك خسر الاتحاد المسيحي الانتخابات العامة في العام 2002 ووقف الناخبون الألمان في صف شرودر. عبر شرودر حينها عن توجه ألماني جديد بأن تتحرر بلاده من التبعية الأميركية واختيار سياسة مستقلة كما كشف عن توجه جديد في السياسة الخارجية الألمانية من خلال تأسيس محور مع فرنسا وروسيا. على رغم أن شرودر ظل يصر أن هذا المحور ليس موجها ضد أي بلد، فإن واشنطن ظلت تنظر بريبة للحلف الثلاثي وكذلك ميركل التي صرحت أن هذا المحور لن يستمر حين تتسلم سدة الحكم في برلين. في ملف ميركل ما جاء في مقال نشرته باسمها صحيفة "واشنطن بوست" حين زارت زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي واشنطن في فبراير/ شباط العام 2003 وذكرت فيها العبارة التالية: المستشار شرودر لا يتحدث باسم جميع الألمان. صدر المقال في الوقت الذي لم يختلف فيه أحد على أن غالبية المواطنين الألمان يعارضون حرب العراق. وبعد أن أمهلت واشنطن الرئيس العراقي صدام حسين لمغادرة العراق في الثامن عشر من مارس/ آذار 2003 أوحت ميركل أنها تؤيد غزو العراق حين قالت: وصلنا إلى وضع بحيث من الصعب جدا تجنب وقوع الحرب. أضافت بعد أيام: إذا دعا مجلس الأمن الدولي إلى غزو العراق ينبغي على ألمانيا عدم تجاهل مسئوليتها. في الوقت الذي أيد غالبية الألمان قرار حكومة شرودر المناهض للحرب عبرت ميركل عن تأييدها بشكل غير مباشر للحرب. بعد الاعتداء الذي استهدف مقر الأمم المتحدة في بغداد عبرت ميركل عن رأيها بضرورة إشراك القوات المسلحة الألمانية في فرض الاستقرار في العراق وفي عملية إعادة التعمير، بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي. بالنسبة إلى المراقبين في برلين لو فاز المحافظون بالانتخابات العامة في سبتمبر 2006 لكانوا قاموا بإرسال جنود ألمان إلى العراق. ضمن الآراء المطروحة حصول مقايضة بين ميركل وبوش. مقابل تخلي الإدارة الأميركية عن تأييد مسعى تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ستجد ميركل وسيلة وتسير عكس التيار لتخفيف الأعباء عن الولايات المتحدة في العراق أسوة بما تقوم به ألمانيا في أفغانستان، إذ لها أكثر من 2500 جندي. ستعتمد ميركل على مستشار سياسي يتمتع بخبرة بليغة بالسياسات الأميركية هو السفير الألماني الحالي في واشنطن، فولفغانغ إيشينغر، المرشح لمنصب مستشار السياسة الخارجية في مقر المستشارية. بالنسبة إلى المراقبين والمحللين السياسيين فإن سياسة ميركل تجاه العراق ستكون عبارة عن اختبار لمدى ارتباطها بنهج الرئيس الأميركي بوش وما إذا ستستطيع السير عكس التيار وخصوصا أن الألمان - وهذا ينطبق على غالبية المواطنين وخصوصا أعضاء الحزب الاشتراكي - يناهضون سياسات بوش خصوصا نهج الحروب الوقائية
العدد 1138 - الإثنين 17 أكتوبر 2005م الموافق 14 رمضان 1426هـ