كي تصبح دولنا العربية منتجة لابد أن تعتمد خطة قائمة على أركان مهمة: 1- استبدال ثقافة العنف بثقافة السلم في عقول الأنظمة وعقول التيارات كما فعل غاندي ومارتن لوثر كينك، وإقناع الشباب المسلم بأن العنف لا يجلب حور العين، فلابد من إزالة الوحوش المتضخمة في داخل عقولنا والعفاريت الكاسرة الجاثمة في صدورنا، فالأوطان تبنى بالعلم والتسامح وحرية الأديان والمعرفة والاقتصاد، تماما كما فعلت اليابان وسنغافورة وماليزيا وألمانيا بعد أن قتلت هذه الأخيرة كارزمية هتلر وأزالت من نفسها وهم أن دمها ذهبي أفضل من دماء البشر، مازالت هناك عنصرية شوفينية في وعي الألمانيين لكنهم أفضل منا لأنهم - على رغم ذلك - دخلوا في الإنتاجية، أما نحن العرب فمازلنا نمارس العدمية والنرجسية والحناجر المنتفخة تجاه قضايانا. لينين "1870 - 1924" كان يقول: "ليس هناك مشكلة واحدة تم حلها من دون عنف". والتجربة أثبتت أن كلام لينين ليس دقيقا، فما توجد أزمة يعيشها مجتمع إلا بسبب العنف. العنف المسلح وباء على حركاتنا الإسلامية والشيوعية والقومية وغيرها، فالدجاجة السياسية طارت وهم لم يحظوا حتى ببيضة. 2- لو طبقت اليابان ثقافة العنف التي كان ينتهجها أمثال ماوتسي تونغ "1893 - 1976" القائل: "كل شيوعي يعلم بأن القوة السياسية تخرج من فوهة البندقية"، وأن تجارب التاريخ كتبت بالحديد والدم، لما وصلت إلى ما وصلت إليه. العنف، التكسير، الصراخ، لا يؤدي إلى شيء. الحل، بل فلنقل ربع الحل يكمن في العمل السلمي. لو كل عربي قمع من قبل رجال المخابرات فتش عن العلم الذي يقوده إلى حيث الاقتصاد لأصبح الوضع العربي أفضل بكثير. فالمخابرات العربية في غالبيتها تنهض، وتظهر على السطح وتعيش على الحراب الداخلية... تفتش عن عقول تستثار لتبقى وتعيش، وإلا لا مبرر لوجودها إذا بقي الأمن. 3- استبدال ثقافة العرب القائمة على الشعوذة والسحر والخيال بثقافة تقوم على المعرفة وميكانيزمة العقل. أكثر سياسيينا العرب من النخب يشكلون بلورة سحرية يجيبون من خلالها الجماهير بإجابات تسهيلية معلبة على أعقد الأمور السياسية والاقتصادية كما تستخدم البلورة في بعض القنوات العربية التي تروج للشعوذة وثقافة الأبراج والسحر. بعبارة أخرى، هي شعوذة سياسية تنفخ في أكياس بلاستيكية تملأ بالوهم، بالشعارات الرومانسية، بالأفكار الحالمة ثم توزع على شبابنا المسلم لينام عليها. نحن نعاني من مخدرات سياسية... وإذا نظرت إلى قنواتنا العربية فهي مليئة بالمثقفين المشعوذين الذين يتصدرون واجهات القنوات وصفحات الصحف. لقد صدم جمهورنا العربي البسيط بعدما سقط صدام في 9 أبريل/ نيسان ،2003 كما صدم في حرب 1967م. هناك أحمد سعيد وهنا الصحاف والقادم أكثر. فلنفق من الغيبوبة... الأمنيات لا تغير شيئا في السياسة. الشيوعيون الآن هم من أكثر التيارات المتحالفة مع الأنظمة العربية التي حاربتها وواجهتها بشعاراتها الحمراء. الآن هي تنتهج خطا أكثر برغماتية ولن أقول مكيافيلية، راحت تتعاطى مع الواقع بعقلية فن الممكن وليس بعقلية لينين أو ماركس. تياراتنا الإسلامية في العراق الشيعة قادهم السيستاني إلى فن الممكن، ومازال يدعو السنة إلى الانخراط في التجربة، وفن الممكن أيضا. في البحرين، التيارات السنية الدينية أوعى في عقلها السياسي من عقل السنة في العراق على مستوى التحالف مع الدولة، وكذلك الخط السلفي في البحرين أكثر وعيا من الخط السلفي في السعودية، ودعوات الشيخ عادل المعاودة إلى رفض العنف تدل على قراءة واعية للمستقبل. كثيرا ما أجلس مع الشيخ حسن الصفار، الذي يمتاز بعقل سياسي واع يفوق غالبية أقرانه في السعودية. كان ثوريا ثم التجأ إلى الوسطية، والوسطية هي أشد صعوبة من الفكر الثوري، فالأخرى تحتاج إلى عقل هندسي انشتايني، أما الفكر الثوري فهو سهل وفي الغالب لا يحتاج إلى تفكير وجهد ذهني ودقة حسابات وقراءة في التوازنات وإلمام عميق بتجارب الشعوب وثقافة متواصلة، وقرارات هذا الفكر عادة ما تكون على طريقة Fast Food، في اللحظة الواحدة يخرج بألف قرار وليس من المهم أن تكون له تبعات، له تداعيات، قضية الربح والخسارة غير موجودة في عقلية القرار. في البحرين، أعتقد أن الشيعة بحاجة إلى عقلية السيستاني وشمس الدين وراشد الغنوشي أيضا، وأتمنى من الشباب المسلم قراءة كتاب "الوصايا" لشمس الدين.
إشارة
خيرا فعلت "الوفاق" وبقية الجمعيات بقبولها التسجيل تحت قانون الجمعيات، وأعتقد أنه الطريق الذي سيؤدي بهم إلى المشاركة السياسية في البرلمان، ونتمنى من الدولة أن تثمن هذا الموقف للعودة بعد ثلاث سنوات من الغياب
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1138 - الإثنين 17 أكتوبر 2005م الموافق 14 رمضان 1426هـ