العدد 1138 - الإثنين 17 أكتوبر 2005م الموافق 14 رمضان 1426هـ

البيروقراطية في وزارة الشئون الاجتماعية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من السهل جدا أن توظف عددا من الموظفين ليقوموا بالرد المتشنج على الصحافيين الذين يناقشون برامجك في هذه الوزارة أو تلك، ولكن من الصعب أن تقنع الرأي العام بصوابية قراراتك المتخبطة. وما أسهل الردود الكلاسيكية المملة التي تبدأ هكذا: "يحمل المقال الكثير من المغالطات والحقائق المزيفة والتي لا تخدم المصلحة الوطنية"، ولكن ما أصعب أن تثبت لنا أن ما تقوم به يخدم فعلا المصلحة الوطنية، خصوصا إذا كانت هذه القرارات تضرر أفقر الشرائح في المجتمع، وأضعفها حيلة وأخفضها صوتا. قرارات متخبطة تفرض فرضا على الجمعيات والصناديق الخيرية، تتلبس رداء القانون حياء، لتنفيذ إملاءات خارجية، حسب أجندة أجنبية مئة بالمئة. وإذا ذكرت لهم ما تتعرض له هذه المؤسسات المدنية التي تخدم المجتمع والطبقات الفقيرة، ردوا عليك: "الوزارة وفرت التسهيلات كافة بعيدا عن خيال كاتب المقال"! لسنا في مجال الدخول في مماحكات عقيمة مع طبقة من "البيروقراطيين"، ولكن ما تعملونه سيكون له أثر مدمر على عشرات الآلاف من المواطنين في هذا البلد، بعضهم لا يملك قوت يومه، والبعض الآخر لا يزيد معدل دخله عن صفر، هل تعرفون معنى أن يكون الدخل الشهري لعائلة بحرينية مجرد "صفر"؟ مثل هذه العوائل المطحونة، تعمل الصناديق الخيرية على تمويلها بما تيسر، ويأتي الموظفون "المترفون" ليصدروا من وراء مكاتبهم الوثيرة مثل هذه القرارات "الضارة" والمؤذية. وإذا كنا نرجع جانبا من المشكلة إلى قضية البيروقراطية، فليس ذلك من وحي الخيال، وانما واقع تعيشه وزارة الشئون الاجتماعية. ففي أدراج هذه الوزارة هناك تقرير مقدم إلى وزير العمل والشئون الاجتماعية السابق، عبدالنبي الشعلة، عن "كيفية تنسيق وتوحيد الجهود بين الوزارة والصناديق الخيرية... آراء وتوصيات"، قدمته "اللجنة التنسيقية المشتركة المؤقتة للصناديق الخيرية في البحرين"، وهو خلاصة عمل للجنة في الفترة ما بين 22/2/1997 و27/4/،1997 أتمنى لو ينزله العاملون في وزارة الشئون من الرف ليطلعوا عليه، لمعرفة الآفاق التي يحلق فيها العمل الخيري في هذا البلد، لعل ذلك يكون حافزا لإعادة النظر في مثل هذه القرارات الضارة. التقرير يقع في 61 صفحة، وهو أقرب للدراسة، إذ يتناول بالتفصيل واقع هذه المؤسسات المدنية الراقية، وفي الفصل الثاني يتعرض للموارد والمساعدات، ويقترح الاستعانة بمشورة الوزارة بشأن المشروعات التي من الممكن أن تتبناها، ويستعرض الفئات التي تقدم لهم المساعدة، من ذوي الدخل المحدود والمرضى ومنكوبي الحوادث والطلاب وأسر من لا عائل لها، كما في حالات البطالة والعجز والشيخوخة والوفاة. فكرة الصناديق الخيرية فكرة رائدة جدا، تصدت لها كوادر ذات كفاءة علمية وعملية تحوز على ثقة الجمهور، ومثل هذا التفكير الجماعي ينم عن رقي هذا المجتمع وتحضره. وقارئ التقرير سيكتشف ميل هذه المؤسسات الخيرية لاعتماد نظام محاسبي للتدقيق على الحسابات، منذ انطلاقتها الأولى، فليس هناك ما يخفيه هؤلاء عن الجهات الرسمية. الفصل السابع من التقرير، تم تخصيصه للحديث عن "النظام المحاسبي والتدقيق". وعادة ما تقوم الصناديق الخيرية بتعيين مدقق للحسابات يعد تقريرا رسميا لتقديمه للوزارة كل عام، يتناول الايرادات والمصروفات والموجودات الثابتة. بل ان التقرير لا يغفل اجراءات الصرف، فيحدد الصرف بالشيكات على المبالغ التي لا تتجاوز 25 دينارا. مثل هذه التفاصيل ليست مهمة للقارئ العام، ولم نكن لنوردها لولا اصطدامنا بعقلية البيروقراطيين التي تقف وراء هذه القرارات الضارة. كما اننا نوردها لتذكير الموظفين الجدد بما يوجد في أضابير وزارتهم، لعلهم يقرأونها ليعيشوا في الواقع بعيدا عن الخيال. وإذا فعلوا ذلك ربما تواتيهم بعض الجرأة للرد على الادعاءات الاميركية، لنفي تهمة الارهاب عن هذا الشعب ولتبرئة ساحة الجمعيات والصناديق الخيرية. التقرير تضمن أيضا "دراسة اقتصاديات الصناديق الخيرية في البحرين" للباحث الاقتصادي حسين المهدي، وهي دراسة رائدة كونها جرت في فترة مبكرة من عمر هذه المؤسسات، وشملت 29 صندوقا من أصل .41 الأرقام التي خرج بها الباحث مهمة، إذ رصد إجمالي الايرادات بمبلغ 6 ملايين دينار، في الفترة 1994 - ،1997 كان يوزع منها سنويا مليون دينار كمساعدات للأسر، ومليون دينار صرف على الحقائب المدرسية والدعم العيني وشراء الاجهزة المنزلية كالثلاجات والمكيفات، بما يشمل 10 آلاف أسرة، على افتراض متوسط أفراد الأسرة خمسة أشخاص، وعملية حسابية بسيطة ستصل بالرقم الاجمالي إلى 48 ألفا تقريبا. هذا الرقم الكبير كان قبل عشرة أعوام، أما اليوم فقد تضاعف عدد الصناديق "أكثر من ثمانين"، وبالتالي تضاعف عدد الأسر المحتاجة وتوسعت قاعدة الفقراء في هذا البلد والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه! هل ما زلنا نتكلم في خيال أيها "العلاقات العامة والإعلام"، ام انه الواقع المر الذي تزيدونه مرارة بقراراتكم يا وزارة الشئون الاجتماعية؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1138 - الإثنين 17 أكتوبر 2005م الموافق 14 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً