العدد 1124 - الإثنين 03 أكتوبر 2005م الموافق 29 شعبان 1426هـ

الجمعيات المقاطعة مسرحيا... نص مهلهل وأداء ضعيف

أخطاؤكم الاستراتيجية... ثقيلة!

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

ان الأخطاء الاستراتيجية تقاس بما تضخ من طاقة إنتاجية على زيادة الأخطاء ومضاعفتها، ولابد من الانتباه إلى أن الخاسر الأكبر في هذه اللعبة السياسية والاجتماعية هو ذاته سياق الإنتاج للخطأ الاستراتيجي الأول. الأحمق برلسكوني في حوادث سبتمبر / أيلول تفوه بكلمات بسيطة فقال: "إن الحضارة الغربية أسمى من الحضارة الاسلامية لأن الحضارة العربية قد تجدمت منذ أربعة عشر قرنا"، هذه الحقيقة التي تم صوغها بخطأ خطابي إستراتيجي صيرت العقلانية الغربية لدى المثقف والسياسي العربي متناقضة المفاهيم، ما أتاح للخطاب السياسي والإعلامي العربي أن يتشدق بهذا التأسيس الخاطئ على مستوى الخطاب ليصنع لنفسه منطقة "وقاية وآمان" ضد أي إجراء عملي لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط عموما وفي المنطقة العربية خصوصا. "مجرم في حق نفسه ووطنه ودينه من يستطيع أن يوقف هذا القانون - قانون الجمعيات - أو يفعل له شيئا، ولا يفعل"، "هذه المعارضة معارضة إنبطاحية"، "إني لا أرى أي مسوغ شرعي للمشاركة في قانون الجمعيات"... هذه بوتقة بسيطة من خطابات المعارضة، أنتجت هذه الكلمات فيما أنتجت الكثير من الأخطاء المتتابعة والمتوالدة ما يعطيني المسوغ لاعتبارها أخطاء استراتيجة بالدرجة الأولى. قد تعمد الشخصيات المؤسسة والمسئولة لهذه الأخطاء الاستراتيجية إلى تدارك ما تستطيع تداركه من إخفاقات، إلا أنها في الحقيقة عاجزة بوضوح في أن تدرأ ما ترتب على هذه الأخطاء من نتائج كارثية اليوم وغدا، ولو على مستوى السقوطات التاريخية الشعبية لمن أنتج هذه الأخطاء، سواء أكانت هذه الشخصيات كاريزمية تاريخية أو مؤسسات اجتماعية وليدة. ثمة بما لا يدعو للشك تمحورا سياسيا فارغا يحيط بالخريطة السياسية البحرينية، لا أحد يتحمل مسئوليته كاملة، المعارضة تتهادى من خيارات الحسم الضرورية والاستراتيجية اليوم لتتجه نحو خيارات التأجيل واللعب بالوقت الميت، تارة هي متوجسة خائفة من الحسم غير المقبول على صعيد بعض كوادرها التاريخية الهرمة، أو مكابرة من تعرضها لشماتة الداخل "المتحفز لفرصة الجلوس في منصة البرلمان" ولشماتة الخارج "القاسية" تارة أخرى. ومن جهة أخرى، نجد الدولة سلبية في تعاملها مع أزمة المعارضة الداخلية، وهي لا تريد أن تعطي إشارات إيجابية لمن يقدمون خطابا سياسيا معتدلا تجاهها، وهي في مجمل حراكها السياسي لا تريد أن تلقي بثقلها في جانب طرف من الأطراف، ولعل في ذلك حكمة ومصلحة لكل الأطراف، إلا أن خيار الإنزواء الحكومي يعتبر من ذلك النوع الذي يقال إن "ضرره أكثر من نفعه". وفي خضم هذه الأجواء يقع الجميع في أخطاء استراتيجية على صعيد الخطاب أو الحراك السياسي، بما يجعل الأجواء ملبدة بالمشكلات التي لا تخدم أي طرف من الأطراف، او هي تحديدا نتيجة جمالية تعتبر من أجمل ما أنتجه المسرح السياسي البحريني في السنوات الثلاث الماضية وهي جمالية "إضاعة الوقت"! خطاباتكم الموبوءة بنسق الرفض والممانعة لأي شيء، في أي شيء، جرت المسرح السياسي لتشهد ردهاته أسوأ المسرحيات السياسية "نصا"، وأجهلها "أداء" بفنون المسرح السياسي، قد تكون العملية السياسية معقدة بعض الشيء، إلا أن مسارح المعارضة "مسارح قابعة خلف التاريخ"! وهي مسارح سوغت "للنمور الورقية" أن تلعب دور أساتذة السياسة ومعلميها، فصعدت علينا جميعا المتردية والنطيحة! فلتقف مؤسسة المعارضة البحرينية لحظة صدق مع نفسها، لحظة مراجعة لحسابات لا تريد مراجعتها، فلتقر المعارضة البحرينية بأنها وطوال السنوات الأربع الماضية لم تكن تمتلك استراتيجية سياسية واضحة، وأنها وإن كانت مالكة لخياراتها السياسية كسلطة لها سيادتها وسلطتها الخاصة، لم تنجح حتى على صعيد إقناع الناس بنجاعة - المقاطعة للانتخابات النيابية - أهم خياراتها التكتيكية منذ بدء المرحلة الإصلاحية في البحرين. ليست هذه الدعوة دعوة تسقيطية للرموز السياسية في سلطة المعارضة، هي مماحكة ومثاقفة ومحاورة، فكما أن مؤسسات المعارضة تساهم في تطوير وتنمية ومراجعة ونقد سلطة الصحافة والإعلام، فإن من مهمات الإعلام الانتباه إلى دور المعارضة وسبره عند كل مرحلة من مراحل العمل السياسي الوطني، ثمة تداخل حميمي بين سلطة الصحافة وسلطة المعارضة، ثمة غراميات متباعدة لكنها استراتيجية بطبيعة الحال، والخطاب الإعلامي الحديث يحاول قدر استطاعته التطفل على السلط السياسية الأخرى قدر سعيها المبرر لأن تتدخل وتوجه الإعلام والصحافة لمصالحها الخاصة. إن الأخطاء الاستراتيجية للمعارضة ثقيلة كثيرة، إلا أننا نركز على التكتل الرباعي من باب أولى، نظرا إلى ثقله الشعبي والنخبوي، من هذه الأخطاء فشله في تمدين خياره السياسي "المقاطعة" ما أدى إلى انشقاقات كبرى داخل مؤسساته، وفشله في صناعة قرار مؤسساتي مستقل عن خطب الجمعة الأسبوعية وتفسير دلالاتها، فهل كانت دلالات نصوص الخطبة فتاوى شرعية أم خطابا سياسيا متحركا؟! فشلها في شقها العلماني أن تدير محورية سياسية متجانسة وقادرة على صناعة قرار مدني بمعنى الكلمة، إعطاء الدولة الفرصة السانحة لأن تضع المؤسسات السياسية المعارضة في خانة المؤسسات "اللامدنية"، وهي في تقديري الخاص أكبر خديعة سياسية مرت بها مشاهد المسرح السياسي البحريني، فالمستتر في خطاب الدولة، انها دولة قانون ومؤسسات لا تجد معارضة مدنية مؤسساتية لتتعامل معها، وكأن الحال مشابهة لرد الرئيس الليبي معمر القذافي على انتقادات اللوردات البريطانيين لكون ليبيا لا تمتلك برلمانا او مجلسا للوردات فقال "أحضروا لي لوردات من ليبيا، وسأصنع لهم مجلسا!". لقد ساعد الدولة في تأسيس هذه النتيجة المخادعة خطاب إعلامي منظم ومقصود على الغالب، ولعل هذه الجزئية تحديدا تعتبر أكبر الأخطاء الاستراتيجية للمعارضة، وهي من تتحمل مسئولية هذا الخطأ الكبير كاملة. مجمل هذه التركة من الإخفاقات صيرت هذه المجموعة قابعة في منطقة سياسية تتصف بالسلبية، وهذا باعتقادي ما أثر وسيؤثر سلبا على طموحات الناس في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ البحرين، هذه الجمعيات ليست الخاسر الوحيد في هذه المعادلة أو هذا المشهد من المسرحية السياسية البحرينية، الجمهور هو من يتحمل بمفرده "قيمة التذاكر"، فمن يعوضهم عما خسروه وسيخسروه مستقبلا. * كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1124 - الإثنين 03 أكتوبر 2005م الموافق 29 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً