هناك "حلف جهنمي" بين "مجموعات الإرهاب" وحركات التطرف العنصرية الفاشية "النازية" في أوروبا. وهذا الحلف يقوم على مجموعة أفكار متشابهة تطلق دائما تصريحات استفزازية من مواقع مختلفة، ولكنها تلتقي في النهاية على أهداف ليست متباعدة في نتائجها. مثلا تطالب الحركات العنصرية الأوروبية بـ "تنظيف" القارة من الغرباء وتنقيتها من الأجانب وتحديدا تلك "الجاليات المسلمة" المنتشرة في المدن والعواصم ومختلف المناطق. هذه الأهداف كررها "داعية إسلامي" أدعى أنه يمثل المسلمين في أوروبا. هذا الداعية "عمر بكري" وجه نداء من لبنان إلى كل المسلمين في أوروبا بمغادرة القارة وتمنى على الذين اعتنقوا الإسلام "الانضمام إليه في بيروت لتعلم العربية قبل العودة إلى أوروبا" إلى آخره. هذا الكلام الذي نقلته الوكالات عن مقابلة عقدتها الاثنين الماضي القناة الفرنسية الثالثة مع بكري، يقدم للحركات العنصرية المطالبة بطرد المسلمين والأجانب من القارة ما تريده... ولكن من موقع مختلف. فماذا تريد تلك الحركات غير ما يطالب به بكري؟ فالداعية الذي قضى في بريطانيا قرابة عشرين عاما مستفيدا من نظام الإعاشة الاجتماعي أسهم خلال فترة وجوده في إثارة النعرات واستفزاز مشاعر الناس وتأليب الرأي العام على الجاليات المسلمة وتقديم صورة كريهة عن المسلم... اعطت كل المبررات للحركات العنصرية التي تضغط على دولها لوقف الهجرة وطرد الغرباء من القارة بذريعة أن هؤلاء يهددون أمن الدولة واستقرار المجتمع. هذا "الحلف الجهنمي" بين التطرف اللفظي والتصريحات الاستفزازية وبين مطالبات الحركات العنصرية يكشف عن نوع من الخواء الفكري في الطرفين، ولكنه يسهم في تأزيم علاقة كان يمكن لها أن "تنجح" على رغم الصعوبات الثقافية/ النفسية والعقبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. النجاح صعب في ظل ظروف قلقة تمر بها القارة، ولكن مثل هذا الاحتمال لم يعط فرصة زمنية حتى يتبلور في برامج ربما ساعدت في توضيح الكثير من الالتباسات. المشكلة أن الإعلام "الصحف الشعبية ومحطات التلفزة" تقدس التطرف وتعشق تلك التصريحات اللفظية التي تستفز المشاعر وتثير الرأي العام وترسم صورة كريهة عن المسلم في وعي الناس وذاكرتهم. فالكاميرا تنجذب دائما إلى مثيري الشغب والفتنة وترتاح إلى كلامهم الناري لكسب المشاهدين... وهذا العشق شجع أمثال بكري وغيره على تقديم كل ما تريده الكاميرا من مواد مثيرة تؤكد ما تذهب إليه تلك الحركات العنصرية من مطالبات تتصل بالوجود الإسلامي في أوروبا. هذا التواطؤ المصلحي، وغير المقصود أحيانا، راكم خلال تلك الفترة الممتدة من ثمانينات القرن الماضي مجموعة صور عن المسلم. ومثل هذه الصور السلبية بات من الصعب انتزاعها من "الذاكرة الجمعية" للناس مادامت "الكاميرا" تميل إلى نقل تصريحات وتصوير شخصيات تدعي أنها تتحدث باسم الإسلام والمسلمين في أوروبا ولا تتردد في تقديم كل الذرائع للحكومات والحركات العنصرية في الاستمرار في نهج الحصار وسياسة المراقبة والملاحقة والطرد. صورة المسلم الآن السيئة في الذاكرة الأوروبية باستثناء بعض التيارات والاتجاهات السياسية الواعية التي تدرك مخاطر تلك الحركات العنصرية "اللا سامية" التي تستفيد وتتغذى من ذاك "التحالف الجهنمي" وتصريحات التطرف والاستفزاز. فالقوى الديمقراطية والليبيرالية والاشتراكية وهيئات حقوق الإنسان هي الأكثر تضررا من تلك التصريحات النارية التي تنادي أحيانا بحرق البرلمانات ومخالفة الدستور وقتل الناس في الشوارع والاستيلاء على السلطة وغيرها. فهذه القوى تعلم بأن مثل هذا الكلام مجرد الفاظ تافهة ولا معنى لها، ولكنها تغذي القوى السياسية المتخلفة والصحف الشعبية والكاميرات الباحثة عن إثارة. كذلك ترفد الحركات العنصرية بالأدوات التي تحتاجها لتبرير وجودها. فالمتضرر في النهاية من كل التصرفات والتصريحات المثيرة للعجب والاستغراب الجاليات المسلمة وأنصارها من مجموعات أوروبية تميل إلى التسامح والانفتاح والتعايش. "الحلف الجهنمي" أسهم مساهمة قوية في ترسيخ صورة المسلم السلبي والعنيف في الذاكرة الأوروبية. وهذه الصورة يمكن السيطرة عليها ومنع تطور انفعالاتها المضادة إلا أن وجود مثل هؤلاء "الدعاة" يزيد من الصعوبات ويعطل على المسلمين الأوروبيين إمكانات تقديم رؤية مختلفة تحصن الوجود الإسلامي وتنقذه من تلك البرامج التصفوية التي تخطط أو تضغط نحوها الحركات العنصرية "اللا سامية" الجديدة في أوروبا
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1124 - الإثنين 03 أكتوبر 2005م الموافق 29 شعبان 1426هـ