العدد 1124 - الإثنين 03 أكتوبر 2005م الموافق 29 شعبان 1426هـ

أهمية المستندات القديمة والمقتنيات الأثرية

لتوضيح مدى ثراء وتنوع التراث الثقافي للشعوب سواء المادي منه والمتمثل في المواقع والتحف الأثرية والمباني القديمة والمخطوطات أو غير المادي ويتمثل في التاريخ والعادات والتقاليد والحكايات والالعاب الشعبية والفلكلور الشعبي والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية والتراث غير المادي لا يقل أهمية عن التراث المادي فالتراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلا عن جيل تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها وهو يبقي لديها الاحساس بهويتها والشعور باستمراريتها. وتسعى دول العالم إلى الحفاظ على هويتها وموروثاتها الحضارية ذات القيمة التاريخية والفنية والثقافية والتي لا تقدر بأي ثمن لكونها شاهدا على تراكم الخبرات عبر العصور التاريخية ولتحقيق المعادلة بين الاصالة وما فيها من ثوابت وجذور تربط بقيمها وبين المعاصرة وما تحمله من بريق التقدم. والأمة التي لا تهتم بتراثها أمة غير منوطة بتقدم مستمر ونجاح مؤثر ولا يقتصر الأمر على الحفاظ على الموروثات الحضارية بأشكالها المختلفة بل يتجاوز إلى اعادة تأهيلها وتوظيفها واستثمارها في مجالات التنمية واستثمارها اقتصاديا في أنشطة وفعاليات ثقافية تعود بالفائدة على المجتمع ومن دون المساس بقيمتها التراثية أو تغير ملامحها الأثرية والثقافية. والحفاظ على التراث يعتبر جزءا من الحضارة الانسانية بحكم وجودها ودورها الحيوي منذ آلاف السنين وعلى امتداد حقب التاريخ لارساء التقاليد الراسخة من خلال الاسهام الملموس في التراث العالمي والمحافظة في الوقت نفسه على الهوية الوطنية للتواصل والاعتزاز بالتاريخ العريق واستمرارا لمراحل عطاءاته المتتابعة ومتغيرات العصر مع عدم التفريط في الهوية والتراث وهذا يمكننا أن نجمع بين الطيب من تقاليده والطيب من واقع الحاضر والحمدالله، فنسيج البناء العصري تترابط فيه التقاليد مع التراث بمتانة ووفاق. وفي إطار هذه الرؤية الواضحة والمتكاملة علينا أن نسعى من أجل القيام بدورنا سواء في احياء الموروث الحضاري والتمازج بينه وبين ما يعيشه المجتمع من نهضة شاملة فقد تنوعت وتعددت الانشطة الثقافية التي يجب أن نرعاها أو نقوم بها لابراز الوجه الحضاري على مختلف الاصعدة المحلية منها والاقليمية والدولية. وعلينا أن نولي اهتماما كبيرا بالمقتنيات الأثرية المنتشرة في أرجاء البلاد التي تحكي لنا عن جذور أجدانا وحضارتنا ومجتمعنا. وهذه الثقافة تحتاج إلى رؤية استراتيجية في التعامل مع مثل هذه القضايا المعاصرة والاتساق مع ما هو اجتماعي منها وان الحفاظ على هذه المهمة مسكون بهواجسها وهمومها وهو نتاج دراسة وبحوث ومحصلة ممارسة وخبرة يمكن الافادة منها كثيرا في مسائل التخطيط الثقافي ووضع الاستراتيجيات المعرفية عموما وربما يكون من الضروري أن نضع بداية صوغ مفاهيم للمحددات وللمحافظة على تلك الثروة والتركيز على الجديد منها ضمن مزامنة تواكب المتغيرات الكثير في الخريطة الفكرية والموازية للخريطة الاجتماعية. إن هذه الثقافة لا تقف على هيئة محددة بل تخضع في كل مرحلة تاريخية لعمليات تأويل تنطوي ضمنيا على رؤية ما، بوضعها في صيغة دلالة ومعنى زمني ومعاش في حياة جماعتها. ومعاينة الحفاظ على هذه الثقافة وبهذه الكيفية يعني انها وفي مختلف ميادينها تصدر عن الحاجة الدائمة لتطوير منظومتها للزيادة من أهمية هذه الحاجة وللحفاظ على التراث والتاريخ ومشكلات التعليم وتفعيل هذه الهوية والتواصل معها لن يضعف المشاركة في التطوير وتعدد الهويات لدى الشباب بما يستوجب صوغ مبادرة ثقافية لترتقي برسم كل السبل والمسارات. وإذا كان الأمر كذلك، إذا، ما هي نقطة البدء في صوغ هذه المبادرة؟ نقطة البدء هنا تفترض في الأساس معاينة السياق الذي يؤطر فعاليات هذه الثقافة وخصوصا ما يتصل بعلاقتها بالعولمة أو بالبناء الاجتماعي لمجتمعها فهذه الثقافة تعيش الآن ظروف تنامي نذر العولمة وتعاظم تكنولوجيا الاتصال والمعلومات المتقدمة وتواتر صعود المجتمع الشبكي أو مجتمع المعلومات الكوني وسطوة الاختراق الاعلامي والقيم التي يبثها وتنامي ثقافة الصورة والمعلومة والحاسوب وبنوك المعلومات وظهور الثقافة الثالثة كخادم لثورة العلم والتكنولوجيا وهيمنة بعض من طرائق السلوك الوافدة واجتياح وسائط جديدة من قنوات قضائية وصحافة الكترونية غصبت تواصل متلقيها مع تقنيات قلصت دوره إلى مجرد مستقبل وهذا ما يهدد الخصوصيات الثقافية التي تعين للجماعة وجودها الحضاري. وان المرحلة الراهنة وخصوصا في هذه الثقافة تشهد ما يمكن تسميته بتعليق أو تعطل الدلالة وتعني تفكك العلاقة بين الوضع الثقافي والاجتماعي نتيجة تزايد ضعف كثير من الفعاليات التعبيرية إذ لم تعد الأسرة أو المدرسة أو المؤسسة الثقافية وسيطا نشطا في هذه العلاقة بالنظر إلى ان الثقافة السائدة اليوم لم تعد بحاجة إليها لا كمنتج ولا كمعبر عنها لانها ثقافة بدأت تغيم عنها أصولها الاجتماعية لتدفع نحو تجاوز الهويات الاجتماعية. والملاحظ في تقدم هذه العلاقة تاريخيا كانت تحديات تنحصر في اللحاق بالتمدن الذي انجزه الآخرون لما تحمله المكونات الثابتة التي أضحت الآن في ظل التأثيرات الثقافية للعولمة والتي طالت الأسس النظرية بما يمكن القول بعدم الادراك أو الاهتمام بهذه العلاقة التي قد لا تحقق في نظر البعض أي مردود وهذا استنتاج خاطئ. أن منظومة القيم التقليدية نظام مرجعي قد يفقد فعاليته أكثر من الزمن وخصوصا مع انحسار التراث ووهن دلالته وان منظومة القيم المعاصرة لا تتحول هي أيضا إلى نظام مرجعي لدى الغالبية المنتزعة من اطارها المرجعي التقليدي. ومن هنا نجد أنفسنا تقف بازاء مفترق طرق فلا ثقافة الحداثة مقبولة شعبيا ولا الثقافة التقليدية قادرة على ان تجيب على أسئلة التطور الاجتماعي في عصر العولمة فالاولى خارجة على المجتمع والثانية خارجة عن التاريخ لتظل المشكلة في التوفيق بين حاجات التكيف مع الوضع الحداثي وحاجات صيانة وضمان الهوية. إذا، ما هي الكيفية التي يمكن الاهتمام والمحافظة على تلك المقتنيات؟ سؤال لا يمكن انتظار اجابة متكاملة عليه باعتبار أن ما يمكن استخلاصه هنا هو افتقار هذه الثقافة لسياسة ثقافية شاملة تمتلك رؤية استراتيجية لكيفية التعامل معها لما تحمله من قصور سيؤدي بها إلى عدة احتمالات مستقبلية. وان الاستعداد لملاقاة هذا القصور تنقصه الخبرة التاريخية في العلاج الوقتي وهناك احتمال خروج هذه الثقافة للوجود برواء واضحة إذا عملت من أجل تنمية ثقافية حقيقية كأساس للتقدم الثقافي والاقتصادي والاجتماعي بحسب آليات مدروسة. * كاتب بحريني وموثق للمستندات القديمة والمقتنيات الأثرية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً