العدد 1124 - الإثنين 03 أكتوبر 2005م الموافق 29 شعبان 1426هـ

التسويق السياسي من خيار التأسيس لهوس المدافعة

راسم الجمال وخيرت عياد في مؤلفهما الجديد:

لابد أنه المنتج الأول عربيا، والذي يتناول مفهوم التسويق السياسي والإعلام، ويعتبر هذا المرجع من القراءات الحديثة والمهمة لكل السياسيين والمثقفين والإعلاميين على حد سواء، خمسة فصول متتابعة سبر فيها المؤلفان هذا المفهوم تأسيسا وترجمة وتطبيقا، الكتاب يعتبر أول مرجع عربي في هذا السياق، ويتميز فيما يتميز فيه أنه يركز على القراءة العلمية من زاوية الإعلام والتسويق كمفاهيم تأسيسية رئيسية للتسويق السياسي. وينفرد الكتاب بتركيبته العلمية الأكاديمية وقدرته على الخروج من حدود النظرية لبيئة التطبيق بسلاسة وانسيابية، وهذا ما دعمه المؤلفان بدراسة متخصصة في فصلهما الأخير حول الإصلاح السياسي في مصر، ما أتاح للقارئ فرصة مباشرة لمتابعة نجاعة الرصد والتحليل العلمي على البيئة السياسية مباشرة.

في أحضان المفهوم

لابد أن تبدأ المفاهيم بمناطق متوترة قلقة، إلا أن الأفق المعرفي المضطرب لا يمنع من استفحال هوس التعريف في الثقافة الشرقية، وخصوصا أن التسويق السياسي موضوع هذا الكتاب هو بالدرجة الاولى "صناعة أميركية"، وأنه على الصعيد التأسيسي، معرفيا مصاب بتلك الفوضى الأميركية البناءة، سواء على صعيد المفهوم أو على التطبيق الإجرائي للمفهوم. يستعرض المؤلفان تعريفات التسويق السياسي على اختلاف زوايا المتابعة له معرفيا وتوظيفيا، ويعتقدان أنه مفهوم مازال في مرحلة التطور، وهو فرع معرفي جديد تعود بداياته الأولى إلى العام 1990 عندما نشر نيكولاس اوشوفنتسي دراسته المعنونة "ظاهرة التسويق السياسي". إلا أنه لابد من الفصل بين التسويق السياسي من جهة، وبين التسويق التجاري والدعاية السياسية والاتصال السياسي من جهة أخرى. ما يثير الاهتمام هو أن النموذج المعرفي والنظري في التجربة السياسية الأميركية لا يمكن أن نسوغ تعميمه، خصوصا إذا ما تابعنا واكتشفنا أن مجمل النظريات السياسية والاجتماعية الأميركية هي مجموعة من الرموز غير المنظمة، وهكذا وصفهم القسيس الفرنسي دي توكفيل ذات مرة إذ قال "إنهم أفضل من يطبق الكانطية، من دون دراية". يطرح المؤلفان الكثير من الأسئلة المهمة في هذا السياق، هل يمكن تطبيق مفاهيم التسويق واستراتيجياته في السياسة؟، هل أفرغ التسويق السياسي السياسة من مضمونها؟، هل أدى التسويق السياسي إلى تركيز السياسيين على الجمهور أكثر من تركيزهم على القيادة السياسية؟، وأخيرا، هل يخدم التسويق السياسي الأغنياء فقط؟. مزيج التسويق السياسي للتسويق التجاري مزيجه الخاص، وكما أن التسويق الاجتماعي امتلك في سياقه النظري حديثا مزيجه الذي تفرد به، فإن التسويق السياسي يخضع لمزيج خاص POLITICAL MARKITING MIX ، وطبعا ثمة علاقات متبادلة مركزية وجانبية بين هذه العناصر مجتمعة، حدد المؤلفان هذه المكونات للمزيج في السياق الآتي: أولا: السوق السياسي: يذهب الباحثان إلى اعتبار السوق السياسي سوقا مكونا من "الناخبين والمجموعات المختلفة من المجتمع، والتي يمكنها التأثير في القرار التصويتي للناخب". ويضع الكتاب له خصائصه الرئيسية من البعد الايديولوجي والاجتماعي والثقافي والمستهلك المضاد والصورة الذهنية والسمعية. ويتناول الكتاب تجزئة السوق وسلوك المستهلك السياسي، والتحول إلى إدارة العلاقات في السوق السياسي، ومكونات السوق السياسي وكيفية تعامل الحزب مع كل منها. للباحث السياسي المعروف علي سالم مراجعة لنصوص الاجتماعي الفرنسي بيير بورديو في هذا السياق تستحق المراجعة والاهتمام. إذ يرى بورديو أن السوق السياسية تتشكل من عناصر قارة، ومن علاقات متجاذبة تربط بينها، ويعتبر أن جزئية "الأهلية السياسية" أو "الثقافة السياسية" هي العنصر المحدد لها والمتحكم بصورها، وتخضع هذه السوق لمبدأ العرض والطلب، وهي لا تقتصر على الناخبين، بل هي علاقة متكاملة وشاملة بين الطرفين. يرى سالم "أن السوق السياسية تتكون من عنصرين مهمين، العنصر الأول هم الفاقدون للأهلية السياسية، وهم تحديدا العامة من الناس "الشعب"، والعنصر الثاني هم الفاعلون الاجتماعيون أو الزعماء والقادة السياسيون، لاسيما الذين هم في موقع السلطة". هناك طبعا علاقة بين الطرفين لكنها في الغالب لمصلحة ذويي الأهلية السياسية على الطرف الآخر الفاقد لها. ثانيا: المنتج السياسي: يشير الكتاب إلى أن المنتج السياسي يعبر عن سلوك المؤسسات السياسية وأعضائها ومرشحيها ورموزها، ومؤتمراتها السياسية ودستورها وسياساتها، في رجوع إلى نظريةLESS-MARSHMENT 1002 ، إلا أنه منتج يختلف عن السلع والخدمات "لما يحتويه من رموز وقيم ومعان ذات أبعاد اجتماعية وثقافية"، كما يخضع لماهية الفهم UNDERSTANDING من قبل المجتمع السياسي في السوق السياسي، ويضع المؤلفان سمات خاصة بالمنتج السياسي، وهي تعدد مكوناته، ودرجة الولاء، والقابلية للتغيير. ثالثا: المؤسسة السياسية: وهي أحد ملامح التطور السياسي لأية تجربة، وهذه المؤسسة السياسية لها خصائصها التي تلعب دور البيئة السياسية الواقعية والمقبولة positioning لما يفضي للسلم المدني. مواقف الاحزاب السياسية واستراتيجاتها تلعب دورا مهما في هذا السياق، ويستدل الكاتبان بتجربة الرئيس الأميركي كلنتون ،1992 وتجربة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير .1997 إن هذه الاستراتيجيات تعتبر محركيا رئيسيا في ضبط إيقاع التسويق السياسي وتحديد برامجه الاتصالية والتقنية والثقافية والفكرية. رابعا: وسائل الاتصال: تبقى مفاهيم الاتصال ضابطة مؤثرة لإيقاع أي مفهوم تسويقي، فالمفهوم الاتصالي تطور تطورا ملحوظا خلال السنوات الماضية وصولا لإفراد الفصل الرابع من الكتاب لهذا السياق بشكل خاص.

استراتيجيات التسويق السياسي

يستثمر التسويق السياسي جميع استراتيجيات التسويق وتكتيكاته، وهو طبعا سياق له خصوصياته الأكثر تعقيدا، الفصل الثالث من الكتاب يتناول مداخل واتجاهات تخطيط حملات التسويق السياسي، ومراحل التخطيط، وأخيرا، تكتيكات حملات التسويق السياسي. ما يتميز به هذا الفصل من الكتاب هو أنه يزود المهتمين باستراتيجيات الخطط الخاصة بالتسويق السياسي عبر سلسلة متكاملة من البرامج والخطوات المتتابعة، كما أنه يقوم ببيان التكتيكات الخاصة المعتمدة في تنفيذ هذه الاستراتيجيات. إن الإشارة الأكثر وضوحا في الفصل الثالث تذهب إلى إمكان التعامل مع مفهوم التسويق السياسي من زاويا علمية وخطوات عملية يمكن قياسها والتأكد من نجاعتها كخيارات سياسية علمية بالدرجة الأولى، وهذا ما يتيح للساسة أن لا يعتقدوا بعد الآن أن السياسة هي نوع من أنواع "التلفيق".

الإعلام والتسويق السياسي

لابد أن لتأثير وسائل الاتصال على العملية السياسية، ولاستراتيجيات الاتصال في التسويق السياسي أهمية بالغة، لذلك خصص الكتاب فصله الرابع لمناقشة هذه الاشكالات والعناصر الدقيقة. وتلعب وسائل الاتصال الجماهيرية دور المصدر المعلوماتي الأول للناخبين في الولايات المتحدة، لذلك تؤثر كل النظريات والمفاهيم الخاصة في الإعلام والاتصال على التسويق السياسي، يطرح الكتاب عددا من الاستراتيجيات الاتصالية في التسويق السياسي، منها، استراتيجية الإعلام، واستراتيجية بناء الاجماع، واستراتيجية الحوار. ويربط الكتاب بين تنفيذ هذه الاستراتيجيات وبين نوعية الجمهور المستهدف "المستهلك السياسي المستهدف"، ويمكن تقسيم هذه الطبقة المستهلكة على ضوء متغيرين أساسيين "هما مستوى معرفته السياسية، ودرجة انغماسه في العملية السياسية"، وبالتالي يمكن تصنيفه إلى جمهور نشط، او جمهور مدرك واع، أو جمهور مستثار، أو جمهور غير نشط. ويخصص الكاتبان الفصل الأخير من الكتاب للقيام بممارسة تطبيقية لمفهوم التسويق السياسي في إسقاط مباشر على الإصلاح السياسي في مصر، بما يتوافق مع الأسس العلمية التي بادروا إلى تأسيسها في الفصول السابقة، إذ تتم محاولة تحليل الخطاب الإعلامي والاتصالي السياسي المصري وسبره بما يتوافر من أدوات تحليلية وتكتيكات تفكيكية للخطاب الإعلامي من الدرجة الثانية. الكتاب في مجمله يعتبر رافدا معلوماتيا مميزا لكل المهتمين بالشأن السياسي والإعلامي، وخصوصا من يرغبون الدخول إلى الحياة السياسية من أوسع أبوابها، كما أنه يتيح لرجال الإعلام القدرة على تحليل مفردات التسويق السياسي والقدرة على معالجتها إعلاميا، وهو كما ذكرنا أول ما كتب عربيا في هذا السياق، ويتميز بمراجعه الحديثة وصولا إلى سنة الإنتاج نفسها.

بطاقة الكتاب:

التسويق السياسي والإعلام والإصلاح السياسي في مصر. تأليف: الأستاذ الدكتور راسم الجمال، والدكتور خيرت عياد. الدار المصرية اللبنانية 200





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً