العدد 998 - الإثنين 30 مايو 2005م الموافق 21 ربيع الثاني 1426هـ

حين يتحول نائب برلماني إلى مخرج سينمائي!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تمنيت من كل قلبي لو فرغ النائب المستقل نفسه لمدة أسبوع واحد، وتخلى مؤقتا عن الدفاع عن مصالح "القوم" بمقدار "حلبة جزور"، وشد الرحال إلى جنيف ليمثل ضحايا "الإرهاب" أمام اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب منتصف الشهر الماضي.

تمنيت من كل قلبي لو ذهب إلى جنيف، ليستطيع تقديم أفضل صورة مطلوب تقديمها إلى العالم المتحضر عما وصل إليه الوضع السياسي في البلد بعد ثلاث سنوات من الإصلاح.

تمنيت من كل قلبي لو وفق النائب المستقل لحضور عرض الفيلم الذي أبدع في إخراجه، والذي يشهد له بقدرة إضافية أخرى "فنية هذه المرة" إلى جانب مواهب الخطابة وإمامة الجماعة وتقديم الاقتراحات التي لا تنتهي تحت قبة البرلمان!

على أننا كمشاهدين، وعلى رغم إعجابنا الشديد بالناحية الإخراجية للفيلم، وتأثرنا للموسيقى التصويرية "على رغم ما يقال إنها مسروقة من أحد المسلسلات البحرينية"، تبقى لنا بعض الملاحظات "الفنية" على الشريط الجميل المليء باللقطات الـ "أكشن"، والمناظر "المستوحاة" من أفلام المخرج البريطاني الداهية ألفريد هيتشكوك!

أول هذه الملاحظات ان الفيلم يفتقر إلى الذاكرة التاريخية، فمخرجه وقع في ورطة لن يستطيع الخروج منها، عندما دمج لقطات من حوادث الاحتجاجات العنيفة في منتصف التسعينات، مع لقطات من مسيرات سلمية خرجت في فترة الإصلاح، من بينها مسيرة التضامن مع الشعب العراقي ضد الاحتلال الاميركي البغيض، ومسيرة "يوم القدس" للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضد "إسرائيل". فعملية "إقحام" هاتين المسيرتين بأثر رجعي في فترة الاحتجاجات أشبه بعملية تدليس، من المؤكد أنها لم تنطل على أهل جنيف!

والأكثر إثارة للشكوك ربط الحركة الشعبية الوطنية التي شهدتها التسعينات لإعادة العمل بالدستور والبرلمان، بما جرى من فوضى "هوليجونز" في شارع المعارض ليلة رأس السنة نهاية ،2002 وهو ما أصر عليه المذيع الإنجليزي، إذ قال في تعليقه على اللقطات الأرشيفية من تلك الليلة: "ان هؤلاء ليس لهم مطالب، انما يهاجمون المدنيين الأبرياء والسفارات الاجنبية"! وهي نغمة حفظها أبناء هذا الشعب في الطرح الإعلامي السائد طوال فترة التسعينات.

على أن من "حسن توظيف" المخرج للقطات المنتقاة من الأرشيف الداخلي، بعض صور الرموز الدينية "العابرة للأوطان"، ليطلق معلق الفيلم مقولة مشبوهة أخرى: "هؤلاء متمردون مرتبطون بأطراف وجهات أجنبية، وخونة للأرض والوطن"، وهي مقولات مستهجنة مازالت تحتفظ الذاكرة الشعبية بالكثير منها، فالعهد مازال قريبا، والجرح لما يندمل!

الجانب الآخر الذي نتوقف عنده، هو الطرف المستهدف بالفيلم: "القوم" في جنيف! وهؤلاء ليسوا أبقارا ولا مغفلين، ولم يعتادوا على أن يعاملهم أحد على هذا الأساس، بل ولم يعتادوا على تصديق كل من هب ودب! فهم لم يقبلوا الربط بين الهجوم على السفارة الأميركية احتجاجا على المواقف المعادية للفلسطينيين في العام ،2002 وبين حركة شعبية سياسية تطالب بعودة البرلمان والحياة الدستورية في العام 1994!

ثم انهم اكتشفوا ان الفيلم كان محاولة لدمغ حركة شعبية مطلبية بالإرهاب، من خلال توظيف بعض المشاهد في فترة الاحتجاجات، وربطها بالمشاهد اليومية للانتفاضة الفلسطينية، في رسالة موجهة إلى الخارج للإيحاء بأن الارهاب هو الجامع بين شعب فلسطين والبحرين!

على رغم كل هذه الملاحظات "الفنية" الصغيرة، فإنه فيلم رائع، جميل الإخراج، ممتاز من ناحية توظيف مشاهد الأرشيف الأمني، موسيقاه التصويرية مؤثرة جدا، حتى أن بعض حضور ندوة ضحايا التعذيب "الذي تراوح بين خمسة وثمانية آلاف"، في البلاد القديم مساء الأربعاء الماضي أجهشوا بالبكاء. ويقال إن نصفهم أصيب لاحقا بانهيار عصبي، فيما لم ينم النصف الآخر تلك الليلة! بينما أغشي على نصف السيدات والآنسات "أي 50 في المئة من عددهن الإجمالي: ثلاثمئة سيدة"!

نائب موهوب، وفيلم تاريخي ممتع، وموسيقى تعبيرية ومؤثرات صوتية، لذلك نرشحه للفوز بجائزة "السعفة الذهبية" في مهرجان كان الـ 59 للعام ،2006 الذي سيحضره أكثر من 60 ألف مخرج سينمائي. حينها سيكون لنا من يمثلنا خير تمثيل، فيقف وإلى يمينه المخرج الاميركي ألكسندر باين، والإسباني خافيير بارديم، وعن يساره الممثلة الهندية أشواريا راي والمكسيكية سلمى حايك! حينها سنتمكن من الفخر بوجود مخرج بحريني مبدع، سيكون حتما محط إعجاب العالم كله، وخصوصا إذا علموا انه كان إماما للجماعة وخطيبا مفوها وعسكريا سابقا ونائبا "لهلوبا" في البرلمان

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 998 - الإثنين 30 مايو 2005م الموافق 21 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً