بدأ أمس في لوكسمبورغ الاجتماع نصف السنوي لوزراء خارجية بلدان الشراكة الأوروبية - المتوسطية "عملية برشلونة" وسط توقعات بأن تضغط دول الاتحاد الأوروبي على الدول العربية المشتركة في عملية برشلونة لأن تعطى أولوية للإصلاح السياسي بقدر الأهمية التي حظي بها موضوع الإصلاح الاقتصادي خلال العشر سنوات الماضية.
"عملية برشلونة" هي مبادرة أطلقها الاتحاد الأوروبي في 1995 من أجل ربط العلاقات بين دول الاتحاد والدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط "المغرب والجزائر وتونس ومصر وسورية ولبنان والأردن والسلطة الفلسطينية ومعهم أيضا "إسرائيل"" بأجندة إصلاحية شاملة. ولكن المراقبين انتقدوا الأوروبيين كثيرا لأنهم اقتنعوا بالرأي الذي طرحته الدول العربية المشاركة في عملية برشلونة، وهو أن السماح بالإصلاح السياسي سيفسح المجال للإسلاميين للوصول إلى الحكم، وبالتالي فإن أوروبا ستجلب أعداءها إلى موقع السلطة.
الأوروبيون اقتنعوا بهذه الفكرة وأزاحوا أجندة الإصلاح السياسي بصورة عملية خلال السنوات العشر الماضية، ولكن الأمور تغيرت كثيرا منذ العام 1995 عندما انطلقت عملية برشلونة. ولذلك، فإن الأوروبيين يريدون أن يثبتوا للعالم أن الولايات المتحدة الاميركية ليست أفضل منهم في مجال الضغط باتجاه الإصلاح السياسي، في الوقت الذي يضغطون أيضا نحو الإصلاح الاقتصادي.
وعليه، فقد اقترح الأوروبيون وثيقة تطرح - بحسب ما أوردت صحيفة "الحياة" أمس - قناعة جديدة بأن قيام منطقة متوسطية مستقرة ومزدهرة يرتبط "بالحل السلمي للنزاع العربي - الإسرائيلي، وبالتنمية الاقتصادية المستديمة والحكم الصالح والديمقراطية وحقوق الإنسان".
ورأت الوثيقة أن "تقدم الإصلاح السياسي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان يمثل مفتاح تحقيق الأمن والاستقرار"، ودعت إلى "ضرورة التوصل إلى فهم مشترك لتحديات الديمقراطية ومنها دور الأحزاب السياسية". كما دعت الوثيقة الاوروبية الجديدة إلى "العمل من أجل تحديد أهداف موضوعية يلتزم الشركاء بتحقيقها في مجالات القانون والحكم الصالح والمحاسبة والشفافية ودعم الانتخابات لقدرات المجتمع المدني".
الخبر السيئ هو أن الدول العربية رفضت مقترحات الوثيقة، وخصوصا أن الاتحاد الأوروبي دعا إلى ضرورة التوصل إلى قناعات مشتركة مع "الحركة الإسلامية الديمقراطية". وهنا يكمن المحك الحقيقي، لأن الدول العربية استطاعت أن تؤخر الضغط الأوروبي عشر سنوات، وأقنعت مسئولي الاتحاد الأوروبي - كما أخبرني شخصيا أحد المفاوضين الأوروبيين - بأن أي إصلاح سياسي سيؤدي إلى وصول الإسلاميين المعادين للغرب. ولكن المشكلة التي يواجهها حكام الدول العربية هي أنه وبعد عشر سنوات من هذا الخطاب ازدادت أوضاع البلدان العربية سوءا... فالدكتاتورية ازدادت، وازداد التطرف، وشعبية الحركة الإسلامية - بمختلف أصنافها - أيضا ازدادت.
وهذا يعني أن الاستراتيجية التي اتبعتها عملية برشلونة خلال السنوات العشر الماضية خاطئة، لأن الدعم الاقتصادي الأوروبي لم يحقق أمنا واستقرارا لأوروبا، ولم يحقق أمنا واستقرارا لدول البحر الأبيض المتوسط. فعلى رغم تحسن الأوضاع الاقتصادية في بعض البلدان المشاركة في عملية برشلونة، فإن الوضع السياسي المتوتر يهدد بخسارة كل شيء.
وعليه، فإن الأوروبيين بدأوا يتحدثون بلغة أخرى تختلف عن الماضي، وهم على استعداد للحديث مع الحركة الإسلامية التي تنبذ العنف، وعلى استعداد للضغط على الحكومات العربية التي تحصل على مساعدات أوروبية باتجاه الإصلاح السياسي. وهذا كله يؤكد أن الموجة الإصلاحية القادمة ربما تكسر الجمود القاتل الذي خيم على منطقتنا العربية عقودا من الزمن
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 998 - الإثنين 30 مايو 2005م الموافق 21 ربيع الثاني 1426هـ