التفجير الرابع الذي ضرب برمانا في منطقة المتن الشمالي في لبنان يكشف ان المسلسل لم يتوقف حتى بعد البدء في تنفيذ قرار الانسحاب السوري. فالتفجيرات رسالة مكتوبة بلغات مختلفة وكل فريق يقرأ فقراتها وفق الأجواء السياسية التي يعيشها وضمن النسق المنهجي الذي يفكر فيه. هناك فريق يحمل دمشق وأعوانها وبعض المتضررين من انسحابها المسئولية. ويرى الفريق المذكور ان الهدف من وراء التفجيرات تخويف الناس من الفراغ الأمني وإرهاب أصحاب المصالح من فنادق ومتاجر ومراكز تسوق وترفيه والضغط عليهم للمطالبة مجددا بعودة الأمن السوري وإعادة الهدوء إلى ما كان عليه. هناك فريق يحمل بعض أطراف السلطة المسئولية بذريعة ان التفجيرات تعطل على جهات في الدولة فرصة البحث عن بدائل خارجية لضبط الوضع الأمني والاكتفاء باستخدام الموجود حاليا من أدوات وأجهزة ومؤسسات. وضمن هذا الفريق هناك فئة تدفع باتجاه تعزيز قبضة الجيش وتشجيع قيادته نحو الانتشار الميداني مستفيدة من التفجيرات وبذريعة ضبط الأمن وملاحقة الفاعلين. وهناك فريق يحمل بعض الاتجاهات المعارضة بانها تقف وراء ما يحصل حتى يعطي ذريعة لفكرة "تدويل" الأمن وتشجيع الدولة للطلب رسميا من الأمم المتحدة إرسال قوات دولية للحلول مكان القوات السورية المنسحبة. وهناك فريق يرى ان بعض الاتجاهات في الموالاة هي التي تحرض على التفجيرات التي تصادف وقوعها في "المناطق المسيحية" لتخويف سكان تلك الأحياء السكنية وابتزازها سياسيا من خلال تهديد ما يسمى بالأمن المسيحي. وهناك فريق يتهم "الموساد" و"إسرائيل" بالوقوف وراء ما يحصل لزعزعة أمن لبنان ودفع الطوائف نحو المزيد من الاستنفار ومن ثم التسلح بداعي الحماية والدفاع عن مصالح الطائفة ومناطق نفوذها. وهذا الأمر سيشجع على قيام نظام الحمايات الذي يوفر في النهاية تربة صالحة للتدخل الأجنبي وتحويل لبنان إلى ساحة دولية تتخذ من الطوائف دويلات سياسية تتذرع بها الدول الكبرى للتدخل تارة لحمايتها وطورا للدفاع عنها. وهذا ما حصل أيام الفتنة الطائفية في لبنان في منتصف القرن التاسع عشر بين الدروز والموارنة وانتهت بتدخل الدول الكبرى آنذاك لوقف المذابح الطائفية. تضارب الآراء لتفسير مسألة واحدة "مسلسل التفجيرات" يشير إلى وجود اجتهادات مفتوحة لقراءة الوضع اللبناني بعد التمديد والقرار 1559 واغتيال الحريري وأخيرا الانسحاب العسكري السوري من لبنان. فالاجتهادات المفتوحة تعني ضمنا ان الاحتمالات مفتوحة بين استقرار الوضع السياسي وتفاهم المجموعات اللبنانية على صيغة جديدة للحكم وبين انهيار الوضع الأمني وتدهور العلاقات بين المجموعات اللبنانية وصولا إلى تفكك الحكم وتوزعه مجددا إلى أمراء حروب وطوائف. القراءات لا تبشر بالخير على رغم أنها من دلائل العافية في بلد تعود على المؤامرات والزلازل ومسلسلات الغدر والخيانة وهي كلها أشبه بأفلام سينمائية وتلفزيونية ولكنها درامية وواقعية. تعدد القراءات دليل صحة سياسية ونضج عقلاني ومحاولة لرفض الانجرار وراء تفسير واحد. الا أن التعدد في حالات اضطراب وتشنج تعتمد سياسات التشهير والتخوين والتآمر الأجنبي أو نسف الجسور بين الأشقاء والاخوة والأقرباء يؤدي في النهاية إلى أنواع من الاستقطابات المناطقية - الطائفية تدفع التيارات المتخاصمة للابتعاد عن السياسة والاقتراب إلى حلقات ضيقة غريبة عن التفكير العقلاني والموضوعي. هذا ما يمكن ملاحظته في تطورات الأيام الأخيرة في لبنان. فالاجتماع السياسي الذي تمظهر في لقاءات ومظاهرات وبيانات بعد اغتيال الحريري أخذ يتراجع لمصلحة لغة انفعالية تخاطب بعض المناطق والأحياء والطوائف. وهذه اللغة إذا تصاعدت لهجتها فهذا يعني أن السياسة تراجعت لمصلحة الطوائف، وان الطوائف أخذت تحتل مكان الدولة وتأخذ دورها في الدفاع والأمن والحماية. مسلسل التفجيرات رسالة مكتوبة بلغات مختلفة وكل فريق يقرأ فقراتها بأسلوب يختلف عن الآخر. وهذا الآخر هو "الفاعل المجهول" الذي يدير اللعبة نحو الانهيار العام والاختلاف على كل شيء من أمن "المخيمات الفلسطينية" إلى الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة وانتهاء بسحب سلاح حزب الله
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 940 - السبت 02 أبريل 2005م الموافق 22 صفر 1426هـ